يهتم معظم الآباء بزرع القيم الحميدة وتشجيع السلوكيات الإيجابية عند أطفالهم في عمر مبكر، وقد تكون إحدى أبرز هذه القيم، هي تعليم الطفل المشاركة.
وعلى الرغم من أهمية هذه القيمة في الحياة العملية، فإن فرضه على الأطفال في سن مبكرة جداً وإجبارهم على سلوكيات معينة لتعلمها ليس جيداً، وقد يكون له أثر عكسي سلبي.
تعرفوا معنا في هذا التقرير على سلبيات إجبار الطفل على المشاركة، وكيف يمكن تشجيع الأطفال عليها بشكل صحيح، وفي أي عمر من الممكن أن نتوقع من الطفل أن يفهم هذه القيمة.
مفهوم الملكية عند الطفل يتطور قبل قدرته على استيعاب مفهوم المشاركة بكثير
يولد الأطفال فضوليين، ويحبون مفهوم الاستكشاف وجمع الكثير من الأشياء حولهم، كالألعاب وأي شيء مثير يرونه أمامهم.
ويبدأ الطفل بتكوين ميول قوية نحو التملُّك من عمر مبكر جداً، عندما يمسك بشيء معين ولا يرغب بتركه أو إعطائه؛ لأنه يعرف أنه له، أو لأنه أحبه.
وبين سن الثانية والرابعة يصبح مبدأ الملكية أكثر تجلياً في سلوك الطفل وحتى كلامه، وقد تكون أولى العبارات التي يتعلم الطفل قولها هي: "هذا لي".
وعند سماع الوالدين هذه الجملة، فإن أول ما قد يخطر ببالهم هو أنه عليهم تعليم الطفل مشاركة الأشياء حتى لو كان ذلك في عمر مبكر جداً لا يتجاوز السنتين.
في حين أن الأطفال في الحقيقة قد لا يبدون رغبة أو استعداداً لمشاركة ألعابهم وتبادل الأدوار قبل سن الثالثة تقريباً. وهو السن الذي قد يبدؤون به بفهم هذا المفهوم، ولا يعني قبولهم واستعدادهم التام له.
لكن في كثير من الأحيان، يتوقع الأهل من الأطفال التعاطف والتفكير فيما قد يريده أو يحتاجه الأطفال الآخرون. ويجبرونهم على مشاركة ألعابهم وإرضاء الأطفال الآخرين اعتقاداً منهم بأنهم بذلك يعلمونهم اللطف والأخلاق الحميدة.
لكن في الحقيقة مفاهيم المشاركة والإقراض والاقتراض معقدة للغاية، بحيث يتعذر على الأطفال فهمها قبل عمر الثلاث سنوات؛ لأنهم لم يطوروا بعد الشعور بالتعاطف ولا يمكنهم رؤية الأشياء من منظور طفل آخر، كما يوضح موقع Very Well Family.
وبالنسبة للطفل الذي لم يتكون لديه الوعي الكافي، فإن المواقف التي يجبر فيها على إعطاء ألعابه لغيره لا تعلمه أن المشاركة كمفهوم اجتماعي إيجابي وجميل بل كتجربة مؤلمة يجبر فيها على التخلي عن شيء يحبه دون رغبة منه لإرضاء رغبة أحد الوالدين وطفل آخر.
المشاركة القسرية أمر لا يستطيع البالغون تطبيقه، ولكن يجبر الطفل عليه!
هناك فرق كبير بين جعل الأطفال يقومون بالمشاركة وتشجيعهم عليها عندما يريدون هم ذلك ويشعرون بأنهم مستعدون. ووفقاً لكتاب "من المقبول عدم المشاركة" للمؤلفة هيذر شوميكر، فإن هذا التمييز أمر بالغ الأهمية؛ إذ إنه من المهم أن يكون دافع الطلب للمشاركة ذاتياً وليس فقط لأنه يريد إرضاء أو تنفيذ طلبات أحد الوالدين في لحظة معينة.
على سبيل المثال، تخيل أن ابنك في الحديقة يلعب بألعابه. وهناك طفل آخر ينظر إلى سيارته الحمراء اللامعة ويتبع ابنك في كل مكان، ويطلب ويتوسل ليلعب معه أو يأخذ سيارته.
قد تكون ردة فعل العديد من الآباء بأن يقولوا لطفلهم: "حان وقت مشاركة السيارة. لقد لعبت بها كثيراً، وهناك طفل آخر يرغب باللعب بها لبضع دقائق أيضاً، لنعطِه إياها".
تكمن المشكلة في هذا الموقف الذي يتكرر كثيراً أنه غالباً ما يتعين على الأطفال المشاركة في وقت لا يكونون مستعدين فيه لذلك.
ففي الموقف السابق قد يكون الطفل مشغولاً باللعب وتائهاً في عالم خيالي، ويطلب منه فجأة التوقف عن ذلك؛ لأن شخصاً آخر يريد نفس اللعبة!
الموقف نفسه يصعب على البالغين تقبله، وقد يبدو غير منطقي حتى لهم إن تعرضوا له. على سبيل المثال، تخيل أنك منشغل بهاتفك الذكي أو حاسبك المحمول. وفجأة، يصر شخص ما على أخذه منك؛ لأنه يريد مشاهدة شيء ما أو اللعب عليه.
ستكون ردة فعلك الأولى على الأرجح هي الرفض والاستغراب حتى من طلبه، ولن تقوم بإعطاء الجهاز له حتى تنتهي من عملك عليه.
وعلى الرغم من أن تعليم مبدأ المشاركة يعتبر أمراً مهماً، لكن من الضروري أن تتم مراعاة سن الطفل وقدراته الاستيعابية واتباع أسلوب التشجيع واستراتيجيات مناسبة وليس الإجبار.
تعليم الطفل تبادل الأدوار هو إحدى أهم الطرق لتعزيز مبدأ المشاركة بشكل إيجابي
يشير موقع Positive Parenting Solutions إلى أن إحدى أفضل الطرق لتعليم الطفل المشاركة هي شرح مبدأ تبادل الأدوار عند اللعب.
تخيل نفس موقف الحديقة مع السيارة، بدلاً من أن تقول للطفل فجأة: "لقد لعبت بالسيارة وحان دور صديقك"، يمكن أن تسأل طفلك: "هل تريد مشاركة صديقك السيارة بعد أن تنتهي من اللعب؟ أعتقد أنه يرغب في أن يلعب بها قليلاً".
استخدام صيغة السؤال مع الطفل يخلق لديه شعوراً بأنه صاحب القرار، وأن رغبته ومشاعره محترمة من قبلك. كما أنك في هذه الحالة لا تقاطع طفلك عن اللعب، وقد يشعر بأنه لا مانع من المشاركة طالما أنه لم يعد يريد اللعب بالسيارة.
كما يمكن أن تقترح على الطفل أن يلعبوا بها معاً، وأن يتبادلوا الأدوار على فترات قصيرة شريطة أن تحدد وقتاً معيناً أو الالتزام بقواعد معينة مثل سؤال الطفل إن كان قد انتهى من اللعب بالسيارة قبل سحبها من يده.
استخدم العبارات التي تشجع (لكن لا تجبر) على المشاركة
بينما يجب أن تكون المشاركة الحقيقية من اختيار الطفل، لا يزال بإمكان الآباء توجيه أطفالهم نحوها باستخدام عبارات إيجابية، على سبيل المثال:
– هل ستخبر صديقك عندما تنتهي من اللعب بالسيارة؟
– أرى أنك لم تعد تلعب بالشاحنة. هل تود مشاركتها مع صديقك الذي كان يريد اللعب بها.
– لا يتعين على صديقك إعطاء لعبته لك، ولكن يمكنك إخباره بأنك تريدها وتشعر بالحزن لأنه لا يعطيك إياها.
بعد فترة من استخدام العبارات التحفيزية، ستصبح المشاركة أمراً طبيعياً بالنسبة للطفل وتتم عن طيب خاطر.
طرق يمكنك أن تساعد فيها طفلك على تقبل المشاركة
يتعلم الأطفال الكثير من مجرد مشاهدة ما يفعله آباؤهم وتقليد سلوكياتهم. وعندما تكون نموذجاً للمشاركة الجيدة وتبادل الأدوار في عائلتك، فهذا يعطي أطفالك مثالاً رائعاً يحتذى به.
يقدم موقع Raising Children فيما يلي بعض الطرق لتشجيع المشاركة في الحياة اليومية:
- تحدث عن فائدة المشاركة لطفلك والآخرين، والمتعة التي نشعر بها عند اللعب مع الآخرين. ومن الممكن أن تستعين بالقصص المصورة وكتب الأطفال التي تشرح هذا المبدأ.
- تحدث عن سلوكيات الأطفال الآخرين عندما يقومون بالمشاركة وقم بالثناء عليها. على سبيل المثال يمكن أن تخبر طفلك: "صديقتك كانت تشارك ألعابها.. كان ذلك لطيفاً منها، ما رأيك؟".
- عندما ترى طفلك يشارك ألعابه أو يتبادل الأدوار، قم بالثناء عليه وأظهر تقديرك لما يقوم به. على سبيل المثال يمكن أن تخبره: "لقد أحببت الطريقة التي تركت بها عزيزاً يلعب بقطارك.. المشاركة رائعة!".
- العب مع طفلك ألعاباً تتضمن المشاركة وتبادل الأدوار، فقد تكون الشخص الأول الذي سوف يحب طفلك مشاركته ألعابه بكل رضى. من المهم أيضاً أن تُعلم الطفل عبارات المشاركة باللعب مثل: "حان دوري الآن، وعندما أنتهي يأتي دورك" أو "أنت تشارك معي المربعات الحمراء، وأنا سأشاركك إحدى سياراتي".
- تحدث مع طفلك حول المشاركة قبل الذهاب للعب مع الأطفال الآخرين أو الدخول لمرحلة الروضة أو حتى قبل الزيارات، واشرح له المواقف التي قد تحصل.
يمكن أن تخبر طفلك أن الألعاب في الروضة هي لجميع الأطفال ليلعبوا بها معاً وليتبادلوا الأدوار.
كما يمكنك أن تقدم بعض الخيارات للطفل إن كان سيتواجد مع أطفال آخرين في المنزل، وتسأله: "عندما تأتي صديقتك فرح، قد تريد اللعب ببعض ألعابك، لماذا لا تسألها عن أي لعبة تريد أن تلعب بها؟ أو تجهز بعض الألعاب في السلة أو على الطاولة التي يمكن لها أن تلعب بها؟".
قد يهمك أيضاً: قد يكون وسيلة تعليمية أو إشارة لشعوره بالنبذ، كيف تتصرّف حين يقلد طفلك سلوكك أو مواقف سيئة؟