حققت الطريقة التي يرى بها الآباء أطفالهم ويفهمونهم بها، وقضايا التربية، قفزةً نوعية كبيرة على مدار العقود الماضية. دعونا نتذكر أن العنف الجسدي لم يكن سراً دنيئاً حتى وقت قريب، بل كان طريقة منتظمة ومحبذة لضبط سلوك الأطفال. رغم هذا، استمرت بعض استراتيجيات التربية غير المفيدة حتى يومنا هذا. إليك سبعة أساليب تربية يجب التخلي عنها، وكيف يمكن استبدالها بأساليب أكثر معقولية.
1. استخدام العقاب كطريقة لضبط السلوك
العقاب الجسدي ليس نوع العقاب الوحيد. يلجأ الغالبية العظمى من الآباء إلى أساليب عقاب أكثر رزانة مثل الحرمان من الخروج من المنزل، سحب الامتيازات من الأبناء، إجبارهم على أداء مهام منزلية روتينية، وغيرها. ولعل أكثر الأساليب التواءً هي استخدام طريقة مخيفة لمعاقبة الأبناء عبر تهديدهم بالتوقف عن حبهم. بالنسبة لأطفالنا، نحن نمثل عالمهم، وفكرة أنك قد لا تحبهم بعد الآن مخيفة. ما الذي يفترض أن يفعله الآباء، أيفترض أن يتركوا أبناءهم يفعلون ما يحلو لهم دون أية عواقب؟
لعل أكثر المفاهيم الملتبسة في عالم التربية هو الفرق بين العقاب والعاقبة. يبدو أن الكلمتين مترادفتان في الحياة اليومية. غير أنهما ليستا كذلك. فالعقاب هو فعل يستخدم بنيّة إلحاق الأذى. بينما العاقبة هي نتيجة طبيعية لسلوك أطفالك. يمكن أن يكون العقاب والعاقبة شيئين مزعجين بالنسبة للأطفال. لكن الفرق يكمن في مصدر الضرر. على سبيل المثال، إذا وضع طفلك يده فوق شيء ساخن، ستكون العاقبة هو أنه سيتعرض للحرق. لكن وضع يد طفلك فوق شيء ساخن لتلقينه درساً بسبب سلوكه السيئ سيكون عقاباً.
هناك فرق آخر مهم بين الاثنين وهو أن العقاب يعلم الأطفال ما لا ينبغي أن يفعلوه. لكن ما الذي ينبغي أن يفعلوه كبديل؟ تهدف العاقبة إلى فعل هذا على وجه التحديد: تعليم أطفالك أن يتحملوا مسؤولية أفعالهم، وفهم الدرس، وتعلم كيفية التصرف بطريقة أفضل في المرة القادمة.
لنتناول مثالاً على هذا. إذا ترك طفلك دراجته خارج المنزل ليلاً، وسُرقت، سيكون العقاب في صورة أن تصيح في وجهه، وأن توبخه لأنه غير ممتن لما لديه، وأن تحرمه من الخروج من المنزل لمدة أسبوع. بينما العاقبة ستكون بأنه لن يكون لديه دراجة بعد الآن. يمكنك أن تشرح له بوضوح كيف أن إهماله أدى إلى هذه العاقبة. لا تهرع لشراء دراجة أخرى له. يمكنك استغلال هذا الموقف لتعليمه درساً عن المسؤولية. إذا أراد دراجة أخرى عليه أن يساهم بجزء من مال يجنيه مقابل أداء مهام روتينية مناسبة لعمره.
2. ترك الطفل ليتعلم بنفسه الطرق المناسبة للتكيف مع المشاعر الكبيرة
ينسى الآباء كثيراً أن القدرات الإدراكية للأطفال وقدرتهم على تنظيم مشاعرهم لم تتكون بعد بشكل كامل.
يكتمل نمو الإنسان من الناحية الشعورية والإدراكية بحلول سن الـ26 عندما يكتمل نمو الفص الجبهي في مخهم. والفص الجبهي مسؤول، إلى جانب أجزاء أخرى في المخ، عن تنظيم المشاعر، والتحكم في ردود الأفعال الانفعالية، والتخطيط، وتنفيذ الخطط، والانتباه، وغيرها. شجع أطفالك على استخدام طرق صحية للتكيّف مع المشاعر مثل تمارين التنفس، والرسم، والقراءة، ونفخ الفقاعات، الذهاب في تمشية، وغيرها. وبعد أن يهدأ الجميع، ناقش ما حدث، استخلص الدروس المستفادة، ونفذ العاقبة الطبيعة لسلوكهم.
3. الصراخ أو التحدث بصوت مرتفع
غالباً ما يختبر الأطفال صبر آبائهم وقد يدفعون بهم إلى حافة الغضب. رغم هذا، على الوالدين محاولة السيطرة على رغبتهم في الصراخ أو رفع صوتهم. مثلما يُطلَب من الأطفال، يجب أن يتحكم الآباء في مشاعرهم أيضاً.
إن كونك شخصاً بالغاً وفي موقع أقوى بالعلاقة، لا يعني أن لديك الحق في الإلقاء بنوبة غضبك على أطفالك، كن نموذجاً جيداً لهم ولا تجعلهم يشعرون بالخوف منك.
الخوف ليس معلماً جيداً، إنه يشل حركة الطفل. إذا شعرت بأن طفلك لا يستمع إليك وأنك على وشك أن تفقد أعصابك، خذ استراحة. اذهب لشرب شيء ما وصَّفِ ذهنك. يمكنك أن تستأنف الحوار لاحقاً وأن تجد حلاً للموقف عندما تصبح أكثر هدوءاً. إن أفضل قرارات التربية لا تتخذ في خضم اللحظة المحتدمة.
4. رشوة السلوك الجيد
الرشوة ليست سلوكاً ساماً في حد ذاتها. فهي تصبح غير مفيدة إذا أفرطت في استخدامها. إذا سمحت لطفلك بأن يلعب على جهاز الآيباد لبعض الوقت حتى تبقيه هادئاً لفترة لأنك بحاجة إلى بعض الراحة، لا تشعر بالذنب.
تكمن المشكلة مع الرشوة في أن حجمها يتزايد تدريجياً. تبدأ بالحلوى، ثم الألعاب، ثم الحصول على وقت لمشاهدة التلفاز، وهكذا تستمر في تضخيم حجم الرشوة. تكمن الفكرة الرئيسية في الرشوة أنك تقدم شيئاً جذاباً للغاية لطفلك حتى يتحفز فوراً لفعل ما تطلبه منه.
غير أن أكثر جانب مُضر في الاستخدام المتواصل للرشوة كوسيلة لجعل طفلك يستمع إليك هو أنها لا تشجع حوافزهم الداخلية. سرعان ما سيتعلم طفلك أنه كي يفعل شيئاً ما، يجب أن يكون هناك مردود أو مكافأة فورية. لن تفيد هذه الطريقة على المدى الطويل. إن الحياة مليئة بالأشياء الصعبة والمملة التي يجب أن نفعلها دون أن تتبعها مكافأة فورية. في الحقيقة، إن جميع الأشياء المهمة في الحياة هي مهام صعبة. لذا استخدم أسلوب الرشوة بحكمة.
5. "لأنني قلت ذلك"
"انضم إلى عالم أولادك في صغرهم حتى يرحبون بك في عالمهم عندما يكبرون" – إل آر نوست.
عبارة "لأنني قلت هذا" ليست حجة مكتملة، لذا لا يبدي الأطفال استعدادهم للامتثال عندما تستخدمها. قد تكون تعبت من تكرار نفس الشيء مراراً. الأشخاص الذين يقضون وقتاً طويلاً بصحبة الأطفال، يحتاجون إلى الكثير من الصبر؛ الصبر كي تقضي وقتاً لشرح نفس الشيء ألف مرة.
فكّر في رد فعلك إذا قال لك مديرك أريدك أن تعمل يوم السبت. وبدلاً من شرح السبب، قال لك "لأنني قلت هذا. أنا مديرك وعليك أن تفعل فقط ما أقوله".
يسد استخدام هذه العبارات الخالية من الحجة أي شكل للتواصل ويعمق صراع القوى في العلاقة. إن الرد الآلي لأي شخص في مثل هذا الموقف سيكون: سأفعل ما أريد! لن تملي عليّ ما ينبغي علي فعله. لكن ما الذي يمكن فعله بدلاً من هذا؟ خذ نفساً عميقاً وقيم الموقف سريعاً. لما لا يريد طفلك الاستماع إليك؟ هل أنت بحاجة إلى أن تشرح له مجدداً لما ينبغي عليه القيام بشيء محدد؟ هل يشعر بأنك تضغط عليه بطلبك أم أنه لا يريد أن يفعل هذا ببساطة؟
لا يمكن إجبار أطفالك على الاستماع إليك، لكن يمكن أن تشجع تعاونهم. عليك أولاً، أن تعترف بمشروعية مشاعرهم "هل يبدو هذا مستحيلاً؟ أعتقد أنك تشعر بالضغط والارتباك وهذا يجعلك تشعر بأن هذا الفعل مستحيلاً" ثم شجع أطفالك "أثق بأنك قادر على فعل هذا الأمر".
6. التجاهل أو المعاملة الصامتة
لم يكن التجاهل حلاً يوماً ما. أعرف أنه قيل لنا أن نتجاهل أطفالنا إذا دخلوا في نوبة بكاء وغضب لأنهم يريدون لعبة في المتجر أو عندما يسيئون التصرف عمداً للفت انتباهنا.
تُنسَب فكرة تجاهل السلوك غير المرغوب فيه إلى النظرية الشرطية الكلاسيكية التي أسسها عالم النفس الروسي إيفان بافلوف. السلوك الذي يحصل على مكافأة، تزداد وتيرة تكراره بينما السلوك، الذي لا يحصل على مكافأة ستقل وتيرة تكراره. هل الأمر بهذه البساطة؟ لا. ربما يصلح هذا إذا أردت أن تعلم كلبك حيلة جديدة، لكنه لا يصلح مع الأطفال. لماذا؟ لأنه لا يعلمهم السلوك المناسب.
لا يمتلك طفلك النضج العاطفي الذي يمكنه من فهم مشاعره، وتعلم الدرس، والوصول إلى حل أفضل.
إذا دخل طفلك في نوبة بكاء وغضب في المتجر لأنك لم تشتر له ما يريده، وتجاهلت ببساطة سلوكه السيئ، في المرة القادمة التي يريد فيها شيئاً من المتجر، سيدخل في نوبة بكاء وغضب أخرى لأنه لا يعرف ما الذي يمكن فعله بدلاً من هذا.
في المرة المقبلة، اجعل الهدف الأساسي هو الاستماع إلى شكوى طفلك، النزول إلى مستواه، وشرح له بهدوء لماذا لن تشتري له ما يريد. اعرض عليه تعويضاً ما. يمكنه أن يحملها لبعض الوقت، أو يمكن أن يلتقط صورة لها. تُحفظ جميع الصور في ملف خاص على الهاتف. وعندما يحين عيد ميلاده، يمكن أن يبحث في هذا الملف ويختار هديته من بين الصور.
أكثر أشكال التجاهل ضرراً هو المعاملة الصامتة. هذا النوع من العقاب مع طفلك مؤذٍ ومُضر عاطفياً لأنه يمكن اعتباره شكلاً من أشكال الاستغلال والإيذاء. في الواقع، إن المعاملة الصامتة هي وسيلة إرهاب مفضلة لدى الأشخاص المؤذيين. قد لا تكون شخصاً مؤذياً، لكن إذا استخدم أحد والديك هذه الطريقة معك، وتعلمت أنها وسيلة فعالة عندما كنت طفلاً، ستكون أكثر ميلاً لاستخدامها عندما تكبر. لا تُعلم المعاملة الصامتة طفلك السلوكيات المناسبة، لكن هذه ليست المشكلة. تكمن المشكلة في استخدام هذه الاستراتيجية أنها تجعل طفلك خائفاً للغاية من تلقي هذا النوع من المعاملة لدرجة تجعله مستعداً للاستسلام تماماً لطلباتك. يمكن أن نسمي هذا إرهاباً عاطفياً.
إن الآباء المثاليين، الذين لم يرتكبوا خطأ واحداً وكل قرارات تربيتهم صائبة، لا وجود لهم. لذا، لا تقسُ على نفسك. كل ما يمكن فعله هو الاعتراف بالخطأ وفعل ما هو أفضل في المرة المقبلة.