قالت لي بصوت متعب: "ظننت أنه سيتغير بعد الزواج.. وها قد مر على زواجي عشرين عاماً ولا زلت أنتظر التغيير!".
عندها تذكرت صديقتي تلك وهي في فترة الخطوبة حين قلتُ لها يوماً: "إنه عصبي ولن يسمح لك بمشاركته القرارات في حياتكما، فرفضه لفستان الزفاف الذي اخترته وإجبارك على اختيار فستان آخر يعني أنه له القرار حتى فيما ترغبين!".
ضحكت بصوت حماسي ممزوج بالسعادة: "فستان زفاف! موضوع سخيف، لا تقلقي سيتغير بعد الزواج!".
وها قد مضت عشرون عاماً من عمر صديقتي تلك ولم تستطع اتخاذ أي قرار مع زوجها بعد فستان الزفاف ذاك، فأمره دوماً هو الأساس وهي عليها التنفيذ.
عشرون عاماً اقتصتها من عمر الزمن وهي تظن أنه سيتغيّر وأنه سيمنحها يوماً ما المساحة التي طالما حلمت بها في بيتها وزواجها، ولكنه حتى هذه اللحظة لم يتغيّر! فهل حقاً هناك ما يسمى التغيير بعد الزواج؟
وهل التغيير خطوة سهلة حتى يغيّر الشخص نفسه من أجل شريك حياته؟!
والسؤال الأهم لمَ قد نوافق على الزواج بشخص نحتاج منه أن يتغير حتى تكتمل العلاقة؟!
ومن خلال السؤال الأخير عرفت أن المشكلة الأساسية تكمن في خطوة البداية التي تكون مبنية على قرار غير مدروس، وبهجة ممزوجة بالتسرع دون التفكير بتبعات ما هو قادم، فهناك بعض التفاصيل الصغيرة كفستان زفاف صديقتي، قد نعتبرها أمراً عابراً لا يستحق الأهمية ولا يحتاج منّا حتى الالتفات إليه، لنكتشف أنها كانت ملامح أساسية لعلاقة قد تنهار لاحقاً، ولكن فوضى التحضير للزواج وشعور الحب والاهتمام الذي تفرضه فترة الخطوبة تجعل الشاب أو الفتاة يتغاضيان عن أي عيوب ظاهرة، فكل شيء سيتغير بعد الزواج!
وبعد الزواج يكتشف الاثنان أن التغيير الذي بحثا عنه طيلة تلك المدة قد استنزف كل طاقتهما وروحيهما حتى بات هناك ثمن لكل هذا الصبر والانتظار والمحاولات؛ فقد يكون الثمن زواجاً غير مستقر وعائلة تعاني من مشاكل متتالية تجبر الأبناء على العيش ضمن ظروف نفسية منهكة فيصبحون في حالة من الشتات وهم في عقر بيتهم.
وقد يكون الثمن سكوتاً دائماً وصمتاً قد يدفع الزواج لحالة من البرود العاطفي وعدم الاكتراث بكل ما هو موجود على أمل أن تمضي الحياة وتنتهي!
وحينها يبدأ الزواج بالسقوط نحو هاوية الخيانة! ليجد الزوج نفسه ينطلق باحثاً عن زميلة أو صديقة يمكن لها أن تفهمه وتتقبّله بكافة عيوبه وأخطائه، وتبدأ الزوجة البحث عن مساحتها المفقودة في زواجها مع أحد زملائها في العمل الذي منحها الحق في إبداء رأي واتخاذ قرار غيّر مسار العمل وكان أكبر بكثير من فستان زفاف!
وبعد كل تلك التقلبات ومحاولات البحث اليائسة ينجرف الزواج في طريق شائك ليجد نفسه واقفاً أمام عتبات المحاكم بحثاً عن عمرٍ مضى وزمن سُرق في محطة انتظار تُدعى "سيتغيّر بعد الزواج".
لذا فليكن الاختيار هو سيد الموقف هنا، ولتقرروا بناء الزواج على حقيقة واحدة ألا وهي البحث عن الاختيار المناسب، نعم ففي أثناء عملية البحث عن زوج أو زوجة تكمل معها حياتك وعمرك القادم ابحث عمّن يناسبك ويستطيع تقبّلك كما أنت، وابحث عمّن تمتزج شخصيتك في حنايا شخصيته لتجدا نفسيكما كقطعة أُحجية أكملت الأخرى، وابحث عمّن تستطيع مشاركته حياته وصفاته وعقليّته وجوانبه كاملة بلا تغيير.
نعم اقبليه كما هو واقبلها كما هي وابنيا زواجكما دون أي سعي نحو تغيير قادم، فالطّباع لا تتغير، ربما تهدأ قليلاً وربما يصاحبها بعض النضوج لاحقاً في معترك الحياة الشائك فتصبح أقل عنفواناً وانفعالاً، ولكن لا يمكن لها أن تتغير.. لذا فلتعلم عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة أنه لا أحد يتغير بعد الزواج فلا تنتظر!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.