غالباً ما تلجأ الأمهات إلى التلفاز كوسيلة لتهدئة الطفل وتسليته أو تعليمه في عمر مبكر جداً. تشير الدراسات الاستقصائية إلى أن 92% من الأطفال في عمر عام واحد قد تعرضوا للشاشات، يبدأ بعضهم في عمر لا يتجاوز أربعة أشهر.
ولكن الآباء والأمهات يشعرون بالصدمة عندما يسمعون أن أطباء الأطفال يعتقدون أنّ مشاهدة الأطفال للتلفزيون أو استخدام تطبيقات الهاتف المحمول قبل عمر السنة والنصف فكرة سيئة لما له من آثار خطيرة على تطور الطفل البدني والنفسي واللغوي. دعونا نتعرف أكثر عن هذه التأثيرات السلبية وفقاً لآراء الأطباء والمختصين.
التلفاز وتطور الدماغ المبكر
الكثير من الآباء يقولون: "لكن طفلي يحب مشاهدة التلفاز ويشعر بالفرح وهو يقوم بذلك!". قد يحدق الأطفال بالألوان الزاهية والحركة على الشاشة، لكن أدمغتهم غير قادرة على إضفاء معنى على كل تلك الصور الغريبة. إذ يستغرق عقل الطفل حوالي 18 شهراً حتى يتطور إلى النقطة التي يستوعب فيها ماذا تمثِّل الرموز التي تظهر على الشاشة و ما يعادلها في العالم الحقيقي.
إنّ أكثر ما يحتاج الأطفال الرُّضَّع إلى تعلمه هو التفاعل مع الأشخاص من حولهم، وهذا لا يعني منعهم من إجراء دردشة فيديو مع جدٍّ بعيد أو أحد الوالدين المسافرين. ولكن عندما يتعلَّق الأمر بالتعلُّم اليومي، يجب عليهم لمس الأشياء واللعب بها ورميها والأهم من ذلك كله رؤية وجوه وسماع أصوات أولئك الذين يحبونهم. يمكن أن تعلم التطبيقات الأطفال الصغار أن ينقروا على الشاشة، لكن هذه المهارات لا تترجم إلى تعلُّم حقيقي.
أين الضرر؟
إذا كان الأطفال والرضع لا يستطيعون تعلُّم أي شيء من مشاهدة التلفزيون، ولكن إذا بدا أنهم يحبُّون ذلك، فأين الضرر؟ إذا كان التلفاز الصغير هو ما يتطلبه الأمر بالنسبة لك لتقدري على إعداد طاولة العشاء وإطعام طفلك، أليس هذا أفضل بالنسبة إليهم من الجوع؟
نعم، مشاهدة التلفاز أفضل من الجوع، لكنه حتماً ليس أفضل من عدم مشاهدته! إن عرض الشاشة قبل بلوغ الطفل سنتين له آثار سلبية دائمة على تطور لغة الأطفال ومهارات القراءة والذاكرة قصيرة المدى. كما أنه يساهم في مشاكل النوم والانتباه. لذلك نستطيع تشبيه الترفيه المرئي بالطعام غير المرغوب فيه للأطفال الرضع والأطفال الصغار.
تأثير الشاشة على تطوُّر اللغة
بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 8 إلى 16 شهراً، أظهرت الدراسات أنّ كل ساعة من مشاهدة مقاطع الفيديو التي تستهدف الأطفال مرتبطة بانخفاض في تطوُّر اللغة. في الواقع، فإن قضاء ساعتين أو أكثر من الوقت أمام الشاشات يومياً للأطفال دون سن 12 شهراً زاد احتمال تأخر اللغة لديهم ستة أضعاف.
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى عندما لا يشاهد الأطفال الشاشات بشكلٍ مباشر (كما هو الحال عندما يتم تشغيل التلفزيون في الخلفية)، فإنه لا يزال بإمكانه إعاقة تطور لغتهم، حيث إن التواصل بين الوالدين والطفل سينخفض جداً بوجود التلفاز في الخلفية، والتواصل هو الوسيلة الأساسية التي يلتقط الأطفال والصغار اللغة عن طريقها.
يتحدث الأهل عادةً 940 كلمة في الساعة عند وجود طفل صغير. مع تشغيل التلفزيون، انخفض هذا الرقم إلى 770. كلمات أقل تعني تعلماً أقل للغة.
يتعلَّم الطفل الكثير من قرع المواعين والقِدر والمقلاة على الأرض أثناء طهيك للعشاء أكثر مما يتعلم من مشاهدة شاشة في نفس المدة، لأنكما تتبادلان النظرات والعبارات من حين لآخر وسيبقى التواصل مستمراً.
تأثير الشاشة على التطور البدني للأطفال
من الولايات المتحدة إلى تايلاند والصين وأستراليا، كانت هناك زيادة كبيرة وموثقة بشكلٍ جيِّد في عدد الأطفال الذين يعانون من قصر النظر في العقود القليلة الماضية.
وعلى الرغم من عدم وجود دليل قطعي، لكنَّ الباحثين يعتقدون أنَّ وقت الشاشة هو البديل الأكثر شيوعاً للأنشطة الخارجية في الشمس، ويبدو أن قلة ضوء الشمس هو الرابط الرئيسي وراء ارتفاع معدلات قصر النظر لدى الأطفال في جميع أنحاء العالم. إضافةً إلى ارتباط وقت الشاشة المطوَّل بزيادة خطر الإصابة بالسمنة نتيجة الجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز وتناول أطعمة غير صحية بكميات غير مدروسة بهدف التسلية وقضاء وقتٍ مُمتِع.
تأثير الشاشة على التطور الاجتماعي والعاطفي للطفل
بالنسبة للرُّضَع والأطفال الصغار ومرحلة ما قبل المدرسة، فإنَّ معظم تعلمهم يتعلق باختيار الأنماط الحسية للتفاعل الاجتماعي والإدارة العاطفية التي تسمح لهم بالعمل والتفاعل مع العالم.
تكمن المشكلة، عندما يتعلق الأمر بالشاشة، في أنه بسبب عدم قدرة الأطفال الصغار على فهم ما يدور على الشاشة وربطه بالعالم الحقيقي، فإن هذا التطور الاجتماعي والعاطفي الهام لا يحدث، ولا يستبدل قضاء وقت التفاعل بين الوالدين والطفل واللعب الحر الذي يعلم هذا النوع من المهارات.
يؤدِّي تعرُّض الطفل المبكِّر للشاشة إلى أنواع المشكلات الاجتماعية والعاطفية التي يتعامل معها الآباء على أنها سلوكٌ سيئ. فقد ربطت الدراسات مشاهدة الوسائط الرقمية للأطفال الصغار، مع تأثيرات سلبية مثل العدوان الجسدي المتكرر وعصيان القواعد والغش والسرقة والتخريب.
كما يمكن أن يؤدي تعلُّق الأطفال بالشاشات إلى قيام الطفل بسلوك تمثيلي الهدف منه أن تقوم بتشغيل التلفاز له أو إعطاءه جهاز الآيباد أو الهاتف، خاصة أن أعداداً كبيرة من الآباء يستخدم الأجهزة الرقمية من عمر مبكر جداً لا يتجاوز الأربعة أشهر كطريقة ناجحة لتهدئة الرضيع أو تهدئة نوبة غضب الطفل.
الآثار طويلة الأمد للتلفاز على النوم والنشاط البدني
إن زيادة وقت التعرض للشاشات عند الأطفال ينبئ بآثار سلبية على صحة الطفل على المدى الطويل بشكل عام، ولكنها تؤثر بشكل خاص على مجالين مهمين في نمو الأطفال وتطورهم الصحي: النوم والنشاط البدني.
لا تسبب الوسائط الرقمية السِّمنة لدى الأطفال، لكنّ الدراسات وجدت أنَّ تعرض الأطفال مرتبط بمخاطر أكبر. فقد وجدت دراسة أجريت عام 2014 زيادة في مؤشر كتلة الجسم لكل ساعة إضافية من وقت الشاشة للأطفال الصغار في الأسبوع.
يحدث هذا بطريقتين: عن طريق قضاء وقت أمام الشاشة كان يمكن أن يقضيه في نشاط بدني، وعن طريق الوسائط الرقمية التي تشتت انتباه الأطفال أثناء وجبات الطعام، لدرجة أنهم لا يدركون الشعور بالامتلاء. وقد يلعب التطور العاطفي المثبط الذي نوقش أعلاه دوراً أيضاً في زيادة خطر الإصابة بالسمنة لدى الأطفال.
يميل الأطفال الذين يقضون وقتاً طويلاً أمام الشاشة إلى النوم في وقت متأخر ويستغرقون وقتاً أطول للنوم وينامون لساعات أقل من أولئك الذين تعرضوا أقل للشاشات.
يُعد فقدان النوم أمراً مهماً: ففي كل ساعة يقضيها الطفل باستخدام جهاز لوحي، يحصل الرُّضَّع والأطفال الصغار على 15.6 دقيقة نوم أقل، ويفقد الأطفال الأكبر سناً 26.4 دقيقة من النوم كل ليلة في المتوسط. مع العلم أنّ الأطفال الرضع يحتاجون من 12 إلى 15 ساعة من النوم يومياً، والأطفال الذين تتراوح أعمارهم من عام إلى عامين يحتاجون من 11 إلى 14 ساعة، لذلك فإن كل دقيقة ضائعة مهمة.
لماذا ننتظر حتى عمر سنتين؟
بعد سن الثانية وخلال سنوات ما قبل المدرسة، يتعلَّم بعض الأطفال بعض المهارات من التلفزيون التعليمي. يمكن للبرامج المصممة جيداً تعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم بشكل بسيط. كما يمكن للبرامج الهادفة تعليم الطفل مهارات مثل حل المشكلات والسلوك الاجتماعي الإيجابي.
يستفيد الأطفال أكثر من البرامج التفاعلية مثل Dora the Explorer و Sesame Street عندما يجيبون عن أسئلة الشخصيات. لذلك ينصح الأطباء بانتقاء البرامج التفاعلية الهادفة والمناسبة لنمو الطفل العقلي واتباع توصيات الأكاديمية بهذا الخصوص.
توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال
أصدرت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) مجموعة من الإرشادات لاستخدام الوسائط المرئية بناءً على مرحلة نمو الطفل. بالنسبة للأطفال الذين تقلُّ أعمارهم عن 24 شهراً، الأفضل تجنُّب استخدام وسائط الشاشة بخلاف الدردشة المرئية كمكالمات الفيديو مع الأقارب.
يجب على أولياء أمور الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 شهراً والذين يرغبون في إدخال الوسائط الرقمية اختيار برامج عالية الجودة ومشاهدتها مع أطفالهم ومساعدتهم على فهم ما يرونه. بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وخمس سنوات، يجب تحديد استخدام الشاشة لمدة ساعة واحدة يومياً للبرامج عالية الجودة.
مرة أخرى، يجب على الآباء مشاهدتها مع أطفالهم. بالنسبة للأطفال الذين تبلغ أعمارهم ستة أعوام أو أكثر، يجب وضع حدود ثابتة، والتأكد من أن وقت الشاشة لا يعيق النوم والنشاط البدني.