لا تريدين البكاء، لكنك تشعرين بالدموع قادمة، هي خلف جفونك مباشرة، وفي بضع رمشات ستصبح على وجهك فيراها الآخرون، وهو ما لا تريدينه في تلك اللحظة. كيف تتحكمين في دموعك وتفسحين المجال للكلمات أن تقود مهمة التعبير.
نعم، البكاء صحي تماماً وهو أمر يجب عليك فعله من وقت لآخر، لكن هذا لا يعني تركها تتدفق في أي وقت وفي أي مكان.
على سبيل المثال: عندما يوجه المدير ملاحظة، أو عندما تطالبك صديقتك باعتذار لانزعاجها من شيء قمت به أو قلته، أو عندما يشرع الشريك في محادثة صادقة (من القلب للقلب)، فتبدأ الدموع في قيادة الدفة لتأخذ الحوار إلى غير مكانه المقصود.
البكاء في أي من تلك السيناريوهات يؤدي إلى تدهور الأمور بسرعة كبيرة.
يقول عالم النفس المتخصص في التوتر والقلق ستيف أورما إنه من الضروري الإدراك والاقتناع بأن المناقشات الأكثر صعوبة- على الرغم من كونها غير مريحة- لا تتطلب في الواقع البكاء.
في كثير من الأحيان، يأتي بكاؤنا مما يسميه علماء النفس "استحضار الكارثة"، أي تفسير الأشياء بشكل أساسي على أنها أسوأ مما هي عليه بالفعل.
ولكن في المقابل، لا يعني البكاء بالضرورة المبالغة في رد الفعل في كل مرة.
يقول أورما لموقع مجلة Women's Health: "تأتي ردود فعلنا العاطفية من كيفية تفسيرنا للموقف، وليس من الحقائق المحيطة بالموقف".
على سبيل المثال فإن البكاء عند الجدال مع الزوج تعبير عن الخسارة، حتى لو كان اللاوعي.
لذلك عندما تبكين لأن شريكك يقول إنه غاضب منك، فقد تبكين لأنك تفسرين غضبه على أنه بوادر فقدانه.
لكن الإجهاد المكبوت وتقلبات الهرمونات يساهمان في ظهور الدموع بشكل عفوي، كما يقول الطبيب النفسي في مستشفى سانت جوزيف الأمريكية، جاياني ديسيلفا.
ماذا يحصل فعلياً في تلك اللحظة؟
يمكن أن يبدو الخلاف كأنه تهديد، فيخشى الإنسان في تلك اللحظة أن يضطر إلى التخلي عن شيء ما: وجهة نظر، طريقته المعتادة أو أنه على صواب، أو ربما حتى القوة؛ ومن ثم ينطلق الجسد من أجل القتال، عن طريق تحفيز الجهاز العصبي الودي.
هذه استجابة طبيعية، لكن المشكلة هي أن أجسادنا وعقولنا ليست جيدة بشكل خاص في التمييز بين التهديدات القادمة من شعورك بخطر الفشل في مشروع ما وحدوث خطر حقيقي يهدد الحياة!
في الحالتين، يرتفع معدل ضربات القلب ومعدل التنفس وتتقلص العضلات، ويتحرك الدم في الجسم بعيداً عن الأعضاء، بحسب ما نشرته جامعة هارفارد في ورقة علمية.
لا شيء من هذه العوارض المتصاعدة يضعك في الإطار الذهني الصحيح لحل النزاع.
فإذا دخل جسمك في وضع "القتال أو الهروب" أو ما سماه العالم النفسي دانيال جولمان "اختطاف اللوزة الدماغية"، فقد يفقد الإنسان إمكانية الوصول إلى قشرة الفص الجبهية، وهي الجزء المسؤول عن التفكير العقلاني في الدماغ.
ولأن اتخاذ قرارات عقلانية هو بالضبط ما تحتاجين إلى القيام به في محادثة صعبة وحرجة، فجميع هذه التفاعلات تزيد الأمر سوءاً.
ولا تفقدين القدرة على التفكير بوضوح فحسب، ولكن من المحتمل أن يلاحظ الطرف الآخر علامات التوتر؛ إذ يصبح لون الوجه أحمر وتتسارع وتيرة الكلام، وبسبب الخلايا العصبية المرآتية التي تجعلنا "نلتقط" مشاعر شخص آخر، يبدأ الطرف الآخر بالشعور بالطريقة نفسها.
وفي لحظات، تخرج المحادثة عن مسارها ويشتد الصراع.
ويبقى السؤال: كيف تتحكمين في دموعك؟
يوصي أورما بالاختلاء مع نفسك وإجراء محادثة حماسية قبل أي حوار مهم، إلى جانب تمارين النفَس العميقة وعقد النية على تمالك الأعصاب.
وعندما تجلسين لإجراء المحادثة غير المريحة، ركِّزي على ما يقوله الطرف الآخر، ولا تقعي حبيسة افكارك.
كوني واعيةً وحاضرةً ذهنياً لكل ما يقال، وشارِكي في المحادثة والتفاعل وردود الفعل، ولا تسمحي لذهنك بأن ينجرف بعيداً بالأفكار.
وإذا بدأت المخاوف أو القلق بالظهور، فاطرحي أسئلة للمساعدة في التخفيف من حدّتها، وتأكَّدي من فهمك لما يقوله الشخص الآخر (وليس ما تخشين قوله)، قبل أن تغادري الغرفة.
وأخيراً يقول أورما: "إذا ركزت على الحقائق، فستتوافق ردود فعلك العاطفية مع الواقع"، ولكن إذا كان هذا يعني الحاجة للبكاء، فابكي.