لطالما تساءل الإنسان عن الجمال ومفهومه على مر العصور، وقدم تعريفات وأيقونات للنساء أكثر جمالاً، فترى الملكة "شيشي" في الصين القديمة، و"كليوباترا" في مصر الفرعونية. لكننا لا نجد لتلك الأيقونات وجه شبه أو مقياساً واحداً ثابتاً ليجعلها الفاتنة الأوحد. يعزى ذلك لكون الإجابة عن تعريف الجمال أشبه بالزئبقية، تتغير وتفلت من العقل البشري طيلة الوقت، نظراً لتطور الحياة وتغير الرموز وتحول المنطلقات ووجهات النظر، ما يجعل الأمر غير مستقر مع مرور الأزمنة.
ومن نافلة القول إن مسألة الجمال كانت مصدر اهتمام لدى جميع الحضارات البشرية، وإن كانت تبدو للبعض أمراً سطحياً أو موضوعاً أنثوياً يرتبط بالنساء واهتماماتهن، ولكنه في الحقيقة هاجس مجتمعي كانت له القدرة على أن يتطور وتتغير تعريفاته مع التاريخ السياسي والاقتصادي والثقافي لكافة الشعوب شرقاً وغرباً. فالجمال ليس كما قيل حكراً على النساء، بل مسألة تهم الجنسين.
ومع مرور الوقت، بات الجمال قوة حقيقية في التعبير والإقناع والإغواء وغدا من أبرز علامات التقدم الحضاري لكل المجتمعات، مهما اختلفت ألسنتها ولغاتها وعاداتها وتقاليدها.
ثالوث الغواية والجاذبية والحنكة
في الحضارة الفرعونية، كانت فكرة المرأة المثالية طاغية وكانت الجميلة الفرعونية تتحلى برقة الملامح وبكحل عين يبرز سوادها ويزيدها سحراً وجاذبية للناظرين لها. الملكة نفرتيتي كانت إحدى أيقونات تلك الحقبة التاريخية، وإلى الآن لا تزال صورتها رمزاً للأنوثة الطاغية، فتراها المرأة التي تحمل باقة من الزهور في ذراعيها، وتتلقى إكسير الحياة من خلال الإله عنخ، إله الحياة لدى الفراعنة، بالإضافة إلى ذلك الثعبان الذي يزين جبهتها، ويدعى أوريوس، وهو رمز الجاذبية والقوة لدى الفراعنة.
يقول المؤرخان محمد فياض وسمير أديب في كتابهما "الجمال والتجميل في مصر القديمة": "المرأة الفرعونية كانت تدرك جيداً كيفية الموازنة بين ملامح وجهها، من خلال وضع بعض اللمسات الجمالية مثل الكحل وطلاء الشفاه، الذي كانت تضعه مستخدمة فرشاة، بالإضافة إلى استخدامها للحلي والمصوغات التي تتخللها رسومات دقيقة ذات أوجه فنية مختلفة، مستمدة من أشهر الأزهار مثل زهرة اللوتس والنخيل". كما برعت المرأة المصرية القديمة في صناعة كافة أنواع العطور، التي كانت تستخرجها من النباتات العطرية.
إتقان فنون التجميل والغواية والعناية بالجسد لم تكن هي المقاييس الوحيدة لتجعل من المرأة "فاتنة عصرها"، إذ كان التعليم والحنكة السياسية والذكاء مقومات مهمة لتجعل منها محط أنظار، كالحاكمة كليوباترا التي تربعت على عرش الفراعنة، وكان لها دور في إدارة الصراعات السياسية آنذاك.
الجمال لدى اليونانيين القدامى
يفسر هيرقليطس الجمال على أنه مادة الحقيقة، لذلك كان يطرح فكرة الحقيقة للوصول إلى شكل من أشكال الجمال، أما ديموقريطس فهو يرى أن طبيعة الجمال في الترتيب الحساس للتناغم والتناغم بين الأجزاء، نحو الكل. لذلك هناك توازن معين مهم بالنسبة له.
التناغم بين أعضاء الجسد بطريقة حسابية دقيقة كانت قاعدة تطبق على الأجساد الأنثوية والذكورية، تلك الأجسام التي عليها أن تتحلى بالرياضة واللياقة البدنية، ويتجلى لنا ذلك من خلال تماثيل النساء التي تبرز فيها العضلات والأطراف الرياضية بطريقة مضبوطة، تؤكد رشاقة القوام والنحالة والقوة. ويعود لمدى تعلق اليونانيين القدامى بالرياضة باعتبارها مصدراً للحياة وللرخاء البشري.
يذكر أن امرأة إسبرطة كانت تمارس أنشطة رياضية كالفروسية والركض والقتال ، وترتدي سترة قصيرة مثل الرجال. يحمل اللاهوت دوراً مهماً في مخيال الشعوب، وهو وراء التشبث في هذا النموذج الأنثوي الرياضي الكامل غير المنطبق على أرض الواقع، إذ إن التماثيل الحقيقية المشابهة للواقع ظهرت منذ بداية القرن الخامس .
عذراء القرون الوسطى
يرمز للجميلات في تلك الفترة بـ"العذراوات" لأن مفهوم الجمال حينها كان مرتبطاً أساساً بطقوس السيدة مريم العذراء، وبالأخوات في الكنيسة اللواتي وهبن حياتهن لخدمة الثالوث المقدس.
في تلك الفترة كانت الكنيسة هي الممسكة بزمام أمور المجتمع وبتعاليمه التي انعكست على مفهوم القبح والجمال حينها، فتسمع عن حظر الماكياج بحجة أنه يخفي عمل الله، وفرض الملابس الفضفاضة والطويلة على النساء لإخفاء فتنة الجسد، والسماح فقط باللون الأحمر على اعتبار أنه لون إلهي حسب بعض المصادر.
ويظهر هذا التعفف في تمثيل مريم العذراء بشكل عام، التي تظهر دائماً خالية من كل بعد أنثوي حسي ببشرة شاحبة للغاية، ترمز إلى النقاء، ولكن أيضاً للثروة والخمول، إذ فُرض على النساء أيضاً تشميع جباههن من أجل إبقاء وجوههن أكثر شباباً قدر الإمكان، بالإضافة إلى التأكيد على جمالية العيون.
طوال العصور الوسطى، كان للكنيسة تأثير كبير على حياة الناس، بما في ذلك مظهرهم الجسدي. على عكس الاعتقاد الشائع حول عدم وجود القواعد الأساسية للنظافة، كان للأديرة وأماكن الحج الكبرى أماكن خاصة للاستحمام، حيث يمكن للفقراء أن يرتادوا الحمامات العامة، والأغنياء يمكنهم الحصول على حوض استحمام خاص بهم.
الفاتنة في صحراء لا حدود لها
يقول امرؤ القيس: حجازية العينين مكية الحشى .. عراقية الأطراف رومية الكفل
تهامية الأبدان عبسية اللمى .. خزاعية الأسنان درية القبل
فاتنة العرب هي المتحررة الفاعلة والمؤثرة في مناخها الصحراوي المترامي الأطراف، هي الجليلة التي هام بها كليب وهي بنت الطوارق، التي تقول: "نحن بنات طارق نمشي على النمارق، الدرر في المخانق والمسك في المفارق".
وهي دعد ابنة أحد أمراء الجاهلية، التي طلبت الزواج بشاعر يقول فيها أجمل الوصف، وكانت تتلقى القصائد، حتى إنها لم تنطلِ عليها كذبة أحد الشعراء الذي نسب القصيدة الفائزة له، وقالت إنه قاتل بعلها، وظلت تلك القصيدة الشهيرة باسم " القصيدة اليتيمة".
جمال الخصور والخطوات المثيرة والقدرة على البوح بالعشق والعيون الحوراء والقوام الممشوق والنسب العريق يجعل العربية الأجمل، والمغروسة في الذاكرة كنخيل البوادي الباسقات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.