تخيَّل الموقف التالي: ابنك يلعب مع مجموعة من أطفال معارفك وأقاربك، ثم يضرب طفلُك طفلاً آخر على رأسه بلعبته. دورك الآن أن تطبق العقاب، كي لا يعيد الطفل السلوك الخاطئ. فهل تضعه في ركن الأشقياء؟ هل تعتقد أن هذا العقاب بالعزل والنبذ سيلقّنه درساً أم سيزيده غضباً؟
صار أسلوب الآباء المعتاد بإرسال الطفل إلى غرفته أو عزله حتى يمكنه التفكير في أفعاله، أسلوباً جدلياً على نحو زائد.
إذ يقول البعض إنها ممارسة غير فعالة؛ بل ربما تكون ضارة. ولكن على الجانب الآخر، التحذير اللطيف لن يحدَّ من السلوك السيئ، ولا بد من طريقة تعليم فعالة لكبح السلوكيات الضارة أو المؤذية.
أليس الأطفال بحاجة إلى تعلُّم المزيد عن العواقب سواء أكانت
إيجابية أم كانت سلبية؟ فما العمل إذن؟
موقع PureWow تواصل مع خبيرَي تربية؛ للاطلاع على سبل العقاب المناسبة، وتوصَّل
إلى الاستنتاجات التالية.
الأسباب المناهضة للعقاب بالعزل في ركن الأشقياء
تقول بوني كومبتون، معالِجة الأطفال المتخصصة بالمشاكل السلوكية: "عندما تعطي طفلاً وقت عقاب بالعزلة، فإن الرسالة التي ترسلها هي: إذا أسأتَ التصرف، فسأحتاج فصلك عن العائلة، وعن نشاط ما، وعن أصدقائك".
وتضيف: "بينما يُقصد من وقت العزلة مساعدة الأطفال للتفكير في (إساءة التصرف)، لا يغير هذا العقاب السلوك في المعتاد".
وتجادل في واقع الأمر بأن الأطفال لا يهدأون حقاً في أثناء وقت العزل، أو يفكرون فيما فعلوه من خطأ. وبدلاً من ذلك، يميلون إلى التفكير في مدى ظلم والديهم.
تكشف إحدى الأمهات قائلة: "مرَّ ابني بمرحلة كان يضرب فيها
أخته الصغيرة طوال الوقت، وهو ما أزعجها وأزعجنا كثيراً".
وتضيف: "جرَّبنا كل شيء كي نُثنيه عما يفعل، وكان العزل مما جربنا. لكنه لم
ينجح، لأنه كان يجلس هناك ويبكي. وعندما ينتهي وقت العزل، كان يضربها
مجدداً".
تقول بوني إن أوقات العزلة قد لا تكون غير مثمرة وحسب؛ بل قد تكون مدمرة أيضاً، لأنها تسهم في شعور الانعزال والهجر.
وتوضح أن الأطفال ربما يرون أوقات العزل على أنها نتيجة لكونهم "سيئين" للغاية، لدرجة أن والديهم لا يريدونهم بالجوار. وهذا بدوره، يزيد من توترهم ويسبب مزيداً من نوبات الغضب السلوكية.
بدلاً من ذلك، تقترح بوني أن نعطي الطفل وقتاً للمشاركة بدلاً من العزلة (سنُفصّل المزيد عن هذا فيما يلي).
ولكن قبل أن تمنع أوقات العزل للأبد، اقرأ بعض الأسباب المقنعة التي قد تجعلك تتمسك بها كأحد بنود وقوانين التربية.
الأسباب الداعمة للعقاب بالعزل
تجادل جينيفر كولاري، معالِجة الأطفال، ومؤلفة كتاب Connected Parenting: How to Raise a Great Kid،بأن العقاب بالعزل أمر مهم.
وتقول: "أطفالك ينظرون إليك ليعرفوا إن كنت المسؤول وتسيطر على الموقف أم لا". وأضافت: "إنهم يحتاجون حدوداً ليشعروا بالأمان".
وتنصح جينيفر بأنه يجب ألا تفكر في نفسك بوصفك والداً. وبدلاً من ذلك، انظر إلى نفسك بوصفك بديلاً للفص الجبهي في الدماغ.
يعد الفص الجبهي مسؤولاً عن التعبير العاطفي، وحلّ المشاكل، والأحكام. وإليك حقيقة طريفة: لا يكتمل نمو الفص الجبهي حتى عمر 18 أو 19 عاماً. وأضافت: "لذلك يبقى الأطفال مرتبطين بنا، ونؤدي وظيفة المخ البديل بينما يكبرون".
تقول جينيفر بصفتها معالِجة، إنها ترى أعداداً متزايدة من الأطفال الذين يعانون مع التنظيم العاطفي، أي العمل الذي من المفترض أن يؤديه الفص الجبهي.
وتوضح أن هذا بسبب أنهم لم يتعلموا عن العواقب. لذا فإن وقت العزلة أو إعادة
الانضباط -كما تفضّل تسميتها- يمثل أداة قيّمة لتأدية هذا على وجه التحديد.
دعونا نضرب مثالاً بخطف طفلك لعبة من يد طفل آخر. فإن عاقبة هذا أن لا أحد سيحب اللعب معه.
وباصطحابه بعيداً عن الموقف أو ما يُعرف بوقت العزلة، سيتعلم أنه إذا كان عدائياً، فسيفسد وقت اللعب الخاص به، ولن يمرح بعد الآن.
وعندها سيغير سلوك أو تقنية اختطاف الألعاب.
تقول جينيفر: "إذا لم تُعلّم الأطفالَ العواقبُ، فستعلّمهم الحياة. والحياة مُعلم أشد قسوة".
الطريقة الأكثر فاعلية للاستفادة من الوقت المنعزل
ولَّت الطريقة القديمة لتنفيذ أوقات العزلة. وتقول جينيفر إن علينا تذكّر أن هناك اختلافاً بين العواقب والعقاب. إذا جعلت وقت العزلة عقاباً "ستجلس هناك وتفكر فيما فعلت!"، فإن هذا لن ينجح أبداً، لكل الأسباب التي ذكرناها في الأعلى.
بدلاً من ذلك جرِّب أن تعطي الطفل وقتاً للمشاركة. وإليك الكيفية: وقت المشاركة يعني أن نأخذ استراحة عائلية معاً، لنعيد تنظيم صفوفنا.
تقول بوني: "إن وقت المشاركة يسمح للطفل بتهدئة عقله وتقليل الشعور بالارتباك العاطفي، في حين أنه لا يزال مرتبطاً بوالديه".
لذا إذا كان طفلك في منتصف وقت غضب، يمكنك أن تأخذه إلى مكان هادئ وتقول شيئاً مثل: "أعلم أنك غاضب. دعنا نأخذ نفَساً عميقاً لنهدأ ثم يمكننا أن نتحدث عما تشعر به".
يمكن أن تعلّم أوقات المشاركة الأطفال كيف يهدئون أنفسهم وكيف ينظمونها.
إعادة عملية الضبط. قد تكون جينيفر من مؤيدي وقت العزلة، لكن نسختها من وقت العزلة
نسخة محدثة.
فهي تؤيد "اعتراضاً سلوكياً لطيفاً" تسميه إعادة الضبط. بمعنى آخر، لا
تَصِح في وجه أطفالك وترسلهم إلى غرفتهم؛ بل اصطحبهم بعيداً عن الموقف دون أن تفعل
الكثير في هذه الأثناء، ولوقت قصير يتراوح بين 10 و20 ثانية بالنسبة للأطفال الأقل
من 4 سنوات، أو لمدة دقيقتين للأطفال الأكبر.
وبعد ذلك، عندما تعتقد أنهم استغرقوا الوقت الكافي بعيداً عن الموقف، اسمح لهم بالاستمرار في اللعب، ورحِّب بهم بأذرع مفتوحة، حتى تسهل عودتهم دون أي شعور بالخزي.
ربما ستحتاج تكرار هذا الأمر مرتين، لكن طفلك سيدرك في النهاية أن هذا الفعل يعني أنه لن يستمر في المرح، وعندها سيتغير سلوكه.
خلق مساحة آمنة للطفل. قد تكون الحياة والمشاعر كبيرة ومربكة بالنسبة للطفل. ولهذا تقترح بوني وجينيفر خلق مساحة تهدئة (مثل رُكن في الخزانة أو كرسيٍّ بغرفة المعيشة)، حيث يمكنهم الذهاب إليها عندما تزيد الأمور عليهم قليلاً.
الوقت الحالي ليس مناسباً لإلقاء محاضرة. تريد من طفلك أن يعرف أنَّ
ما فعله كان خاطئاً، لكن محاولة الحديث إليه في خضم نوبة الغضب لن ينجح أبداً.
تقول بوني: "ببساطة، قل له إنك قريب لتحبّه وتدعمه في حين يتعلم تهدئة
أنفسهم". وتتفق جينيفر مع ذلك وتقول: "دع إعادة الضبط تتحدث عن
نفسها".
بإمكان الوالدَين فعل الأمر أيضاً. يتعلم الأطفال بالتقليد بعد كل شيء. لذا إذا شعرت بأنك متَّقداً، فخذ 5 دقائق لتهدأ (اذهب للتمشية أو جرِّب بعض تمارين التنفس) قبل أن تعاود المشاركة مرة أخرى.
أو يمكنك تجربة أحد أوضاع اليوغا المناسبة مع الأطفال. فعلى كل حال، لن يؤذيهم قليلٌ من وضعيات القط والبقرة!
في الواقع، مهما كان حب الوالدين للطفل، ومهما كانت العلاقة ودية ووثيقة بينهما، إلا أنه من الضروري معاقبته عندما يسيء التصرف. يمكن الاطلاع في هذا التقرير على طرق معاقبة الطفل دون إيذائه.