علاقة الحب بين الذكر والأنثى هي أمر قديم قدم الإنسان ذاته، وتفسير الحب بدأ منذ أن عرف الإنسان التفكير المنطقي، ومحاولة تفسير هذه المشاعر التي تدفع كُلاً من الرجل والمرأة إلى التعايش كانت محور أبحاث مطولة في أكثر من فرع من فروع العلوم الإنسانية.
وإذ يقترن الحب الرومانسي دائماً -أو في أغلب الحالات- بممارسة العملية الجنسية المرتبطة بالتناسل في المقام الأول؛ والمتعة الحسية في المقام الثاني، تساءل الكثيرون عن طبيعة الحب وعلاقته بالجنس، وإذا ما كان يمكن للإنسان هل يمكن للإنسان أن يحظى بحب رومانسي بدون ممارسة الجنس ؟ إليك ما يخبرنا به العلم على ألسنة بعض الخبراء والمتخصصين.
البداية.. كيمياء المخ
قبل طرح التساؤل المباشر، يمكننا البدء بالأساسيات عن علاقات الحب الرومانسية وكيفية حدوثها داخل أمخانا -وليس قلوبنا- فبحسب الحوار المنشور في موقع Vox، تقول هيلين فيشر أستاذ علم الأجناس الحيوي عن التأثير الذي يحدث في أمخاخنا أنه وبعد إجراء تجارب على أكثر من 100 زوج من المتحابين حديثاً؛ وُجد في نتيجة مسح المخ لديهم لإفرازات بنسب عالية لهرمون (الدوبامين) الشهير بمسؤوليته عن الشعور بالبهجة والسعادة وتحديداً في جزء من المخ يدعى Ventral Tegmental Area أو منطقة التجويف السقيفي، ومن ثم يقوم الهرمون بالانتشار في أجزاء المخ الأخرى لتحفيز الجسم وحثه على التزاوج.
وبسؤال فيشر عما إذا كان هذا التأثير يختلف في أمخاخنا عند ممارسة العملية الجنسية قالت؛ الدافع الجنسي عند الإنسان يرتبط بمنظومة هرمون التستوستيرون سواء لدى الرجل أو المرأة؛ أما الشعور بـ (الحب) يرتبط بشكل أساسي بالدوبامين؛ وأنها ترى أن الحب هو محفز أساسي تطور لدى الإنسان عبر آلاف السنين للتركيز على شريك واحد فقط للتزاوج؛ أما الجنس كغريزة فهو يدفع الإنسان للبحث عن الشريك المناسب من بين أكثر من شريك.
عمليتان مختلفتان لهما أثر مشابه.. نوعاً ما
بحسب ما نشر موقع Psychology Today عن نتائج أكثر من 20 دراسة علمية متخصصة حول الأثر الدماغي للحب والجنس؛ تبين أن المناطق التي تنشط في الدماغ أثناء شعور الأشخاص سواء بالحب أو اختبار انجذاب جنسي هي: المهاد، والحصين والقشرة الحزامية الأمامية. ولكن المثير في الأمر أن المخ لا يعطي الاستجابة ذاتها لكلا العمليتين.
فأثناء اختبار مشاعر الحب استجاب القسم الداخلي من منطقة إنسولا Insula في المخ؛ بينما أثناء الشعور بالانجذاب الجنسي استجاب الجزء الخلفي من إنسولا، أي بعبارة أخرى فقد قامت مشاعر الحب بتنشيط أكبر وأقوى لمنطقة التجويف السقيفي. أي أنه برغم تشابه (مسار) العمليتين في كيمياء الأمخاخ؛ إلا أن رد فعل المخ يختلف.
اللاجنسيين.. توجه جنسي أم اضطراب جنسي؟
ربما تكون قد صادفت مصطلح Asexuality أو (اللاجنسية) في قراءاتك، وهو يعني تماماً ما يشار إليه به؛ انعدام الشعور بالانجذاب الجنسي تجاه الآخرين؛ وهو توجه برز بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين بعدما ارتفعت عدة أصوات تنادي بأن انعدام الشعور بالانجذاب الجنسي تجاه الآخرين هو (توجه جنسي) Sexual Orientation طبيعي مثله مثل التوجه الجنسي المثلي، أو المغاير وأنه ليس اضطراباً أو مرضاً نفسياً؛ وهو الأمر الذي لم تظهر أبحاث أكاديمية قوية تدعمه؛ وإن نُشرت بعض مراجعات وتجارب وأبحاث فريدة متناثرة (ترجح) أنه ربما يكون توجهاً جنسياً وليس نوعاً من (الاختيار) أو (الاضطرابات النفسية)؛ إذ أقر بعض اللاجنسيون أنهم أحياناً يشعرون (برغبة) جنسية غير قوية أو متغيرة الإيقاع.
وبحسب ما يُصر اللاجنسيون عليه؛ أنهم باستطاعتهم الوقوع في الحب بشكل طبيعي بل والاستمتاع بالحميمة لكن ليس عن طريق الجنس؛ وأن ارتباط شخص لاجنسي بلاجنسي آخر هو أكثر ما يمكنه أن يُنجِح علاقة حب رومانسية؛ وأن الحب لا يعني الجنس دائماً.
ماذا يعني هذا كله، هل يمكننا أن نحب بدون جنس؟
بعيداً عن التوجه اللاجنسي؛ وبالنسبة للأشخاص العاديين فإن العيش في علاقة رومانسية بلا جنس هو أمر صعب؛ وقد ينتج عنه اختلافات؛ لأن الأشخاص بدورهم يختلفون وتختلف رغباتهم؛ فإذا حدث وكان الدافع الجنسي عند أحد الطرفين أكبر من الآخر تحدث مشكلة عدم تفاهم جنسي، وكذلك إذا قلّت الرغبة، مما يؤدي بالطبع إلى برود العلاقة، وخفوت المشاعر؛ أو تراكم الرغبة الجنسية بشكل سيئ.
وبخلاف عدم التفاهم الجنسي، فإن احتمالية استمرار الشريكين في الشعور بالحب تجاه بعضهم البعض قائمة؛ ففي دراسة نشرت عام 2017 أجريت على أزواج في أعمار الخمسينات والستينات تضمنت المسح الدماغي؛ تبين أن أجزاء المخ التي تنشط أثناء الشعور بالحب لاتزال تنشط بعد مرور أكثر من 21 عاماً على الوقوع في الحب، وبعد خفوت النشاط الجنسي بدرجة كبيرة.
إذاً للإجابة على السؤال الأساسي إذا ما كان من الممكن للإنسان أن يحظى بعلاقة حب رومانسي بدون أن يمارس الجنس كفعل جسدي للتعبير عن هذا الحب؛ فالإجابة ليست في كلمة واحدة بالإيجاب أو النفي؛ فالأمر يعتمد في المقام الأول على التواصل بين الشريكين ومعرفة مدى توافق رغباتهما؛ فمثلاً إذا وقع شخص عادي في حب شريك لاجنسي؛ هنا يمكننا القول بأن رؤية المشاكل لن تكون عسيرة.
وإذا ما شعر طرف في العلاقة بخفوت الرغبة الجنسية بعكس الشريك فهناك مشكلة لا محالة؛ بينما قد يعيش زوجان لاجنسيان حياة سعيدة بلا جنس تماماً.
وقد تستمر مشاعر الحب في التواجد بقوة حتى بدون أي علاقات جسدية وبعد مرور سنوات طويلة على بدء العلاقة. الخلاصة الهامة هنا هو أن فعلي الحب الرومانسي وممارسة الجنس مرتبطان بشكل كبير ومتشابك؛ وفصلهما أمر ليس مستحيل الحدوث.