لأول مرة بالمغرب، شابة تضع مولودَها تحت الماء..ماذا تعرفين عن هذه التقنية الرائدة بالدول الغربية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/23 الساعة 12:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/31 الساعة 11:39 بتوقيت غرينتش

طفلَتُها المولودة حديثاً موضوعةٌ على صَدرِها، تمسح بيدٍ دموع الفرح والتأثر عن مُقلتَيها بينما تُمسِّد بالأخرى شَعر الصغيرة التي كانت هادئة وتتنفَّس بعمق. انتهت للتو فترة الحمل المُضنيَة التي مرَّت في ظروف جيدة، قبل أن تقرر استقبال مولودتها داخل حوض مائي دافئ بإحدى مصحات مدينة آسفي.

 

الشابة كوثر، ذات الـ 24 سنة، وجدت في هذه الطريقة ضالَّتها، وهي التي كانت مُتخوفة من آلام المخاض العسير خاصة وأنها تخوض أولى تجارب الحمل والولادة، "كنت خائفة جداً، وكان حلمي أن أضع ابنتي داخل حوض مائي بعدما شاهدت الكثير من أشرطة الفيديو لسيدات غربيات خُضن نفس التجربة وتحدثن عنها بإيجابية كبيرة" تقول الأم لـ"عربي بوست".

أما الدكتورة غيثة صبرا السويطي والتي أشرفت على هذه الولادة الأولى من نوعها بالمغرب، فأكدت أن كوثر ومنذ أن أفْصَحَت عن رغبتها، واظبت على التمارين الرياضية والمشي واعتماد نظام غذائي صحي، "كانت المصحة تعتزم التخلي عن الحوض المائي بسبب عدم إقبال المغربيات عليه، بعد أن أخبرتني كوثر برغبتها الولادة داخل الحوض، فضَّلنا الإبقاء عليه من أجلها وإزالته بعد الولادة مباشرة، إلا أن اهتمام المغربيات خلال اليومين الماضيين جعلنا نتريث قليلاً".

كل شيء عن الولادة تحت الماء!

الولادة في الماء، تقنية دارجة بشكل كبير لدى النساء الأوروبيات والأميركيات، إلا أن الكثير من العَربيَّات يجهلن عنها الكثير، فيما يبقى أول سؤال يتبادر إلى أذهانهنَّ، "ألن يغرق الطفل المولود حديثاً داخل الحوض المائي؟".

"قطعاً لا"، جاء جواب الدكتورة غيثة السويطي خلال حديثها مع "عربي بوست"، موضحة أن ولادة الطفل في الهواء، وهو الأمر المُعتاد بالنسبة للمغربيات والعربيات، تجعله يتنفس بشكل سريع ويبدأ في البكاء، وهو الوضع المختلف تماماً عند خروجه من الرحم إلى الماء.

تقول الأخصائية بأمراض النساء والتوليد لـ"عربي بوست"، "يخرج المولود إلى بيئة مُشابهة للرَّحم، ذلك أن درجة حرارة ماء الحوض هي نفسها درجة السائل السَّلوي، مُتراوحة ما بين 36 و37 درجة مئوية، ولن يتنفس الطفل حتى يشعر بالهواء وتغيير درجة الحرارة على بشرة وجهه، إذ أنه لا يزال يتنفَّس من خلال الحبل السري".

 

"يتم سَحب الطِّفل إلى السطح فوراً بعد الولادة، فبمجرد ارتفاع ضغط قناة الولادةَ عنه، يواجه الطفل ضغط الماء الأمر الذي يمنع إصابته باللهاث، فالأطفال الذين يولدون تحت الماء لا يصادفون الهواء الجاف وتغيير درجة الحرارة الذي يحفز رد فعل قوي عند البدء في التنفس، بل يكونون أكثر هدوءاً" تقول الطبيبة.

تجربة فريدة.. ولكن!

الاسترخاء وتسريع الولادة وتفادي تمزُّق المهبل، أهداف كانت تسعى إليها الأم الشابة، وهو ما تحقق عبر هذه الوسيلة، "كنتُ أحاول تفادي عملية تمزيق المنطقة القريبة من المهبل التي يلجأ إليها عادة الأطباء المغاربة أثناء عملية الولادة لتسهيل خروج رأس المولود، وهو ما وجدتُه متاحاً في الولادة داخل الماء، كانت تجربة فريدة ومميزة" تحكي كوثر بابتسامة على شفتيها وهي تحضن ابنتها.

بهذا الخصوص، توضح الدكتورة غيثة الفكرة قائلة، "إن كمية الماء الموجودة داخل الحوض تخفف الضغط عن المعدة والظهر ما يجعل الألم أقل بكثير، وتكون المرأة أقل عرضة للتوتر، فيما يُوسِّع الرحم بسرعة كبيرة كما ينزلق الطفل دون الشعور به ويخفِّض نسبة تمزق الجهاز التناسلي عند المرأة التي لا ألجأ إليها غالباً، فضلاً عن كون الولادة في الماء ممتعة أكثر للطفل الذي يكون أقل عرضة للالتهابات خصوصاً التهابات الجهاز التنفسي."

وبالرغم من الإيجابيات الكثيرة للولادة في الماء، إلا أن من النساء من لا يتوجب عليها اتخاذ هذه الخطوة، إذ لفتت الدكتورة غيثة صبرا السويطي إلى أن النساء اللواتي يملكن تاريخاً طبياً متعلقاً بتعقيدات الولادة غير منصوحات بهذه الطريقة، داعية الحوامل إلى استفسار الطبيب عن هذه الطريقة ومدى ملاءمتها، تفادياً للإصابة بأي نزيف مهبلي غير متوقع أو غير عادي، أو التعرض للعدوى بسبب السوائل والدماء التي تخرج إلى الماء مع الطفل وغيرها.

ولادة دون ألم!

لم تمرّ ولادة الطفلة داخل الماء مرور الكرام، إذ انهالت الأسئلة على الطبيبة التي أشرفت رفقة طاقم طبي متكامل على الولادة، فيما انبرت أخريات إلى البحث عن كل المعلومات المتعلقة بها كما إيجابياتها وسلبياتها.

الدكتورة منى خرماش، اختصاصية أمراض النساء والتوليد بمستشفى الشيخ زايد بالعاصمة الرباط، أوضحت أن هذه التقنية تدخل في إطار التحضير للولادة دون ألم، على اعتبار أن المخاض والولادة أمور فيسيولوجية ومن الممكن السيطرة على مستوى الألم أثناءها والتخفيف من الأحاسيس السلبية المُرافقة بطرق مختلفة، منها الموسيقى والغناء والحركات الرياضية والتنويم المغناطيسي وغيرها.

وتقول المتحدثة لـ "عربي بوست"، إن للإنسان علاقةً وطيدة مع الماء الذي تنبني عليه مجموعة من المعتقدات والثقافات، كالمسيحيين مثلا والإغريق والثقافات الشرقية كاليابان والصين على سبيل المثال، والمرأة عادة حين ترغب بالاسترخاء بداية المخاض تأخذ حماماً ساخناً.

"البداية تكون منذ الشهور الأولى للحمل حيث تُوجَّه المرأة الحامل لممارسة الرياضات المائية لتكتمل العملية بالولادة داخل الحوض المائي، إلا أنه ليس جميع النساء يمكنهن ذلك" تقول خرماش.

وتوضح المتحدثة، أن هذه الطريقة بالدول الأوروبية وبأميركا، مُقنَّنة عبر قوانين صارمة منظمة للولادة داخل الحوض المائي، إذ من الواجب أن يكون الماء المستخدم نقياً ودافئاً مع اتخاذ مجموعة من التدابير والاحتياطات منعا للعدوى والتعفنات، بالإضافة إلى احترام معايير قياسات الحوض ما يوفر الراحة للمرأة في مخاض ويضمن سلامتها وسلامة جنينها.

الطفلة الصغيرة ووالدتها تتمتعان بصحة جيدة، إذ استطاعَتا الانتقال نحو المنزل بدون أية مشاكل. وفي الوقت الذي قرَّرت فيه كوثر أن لا تكون آلام المخاض العسيرة عائقاً نفسياً وجسدياً أمام مُعاودة تجربة الحمل ما دامت ستضع مواليدها القادمين داخل الحوض المائي الذي بات شهيراً بمدينة آسفي وبالمملكة، لن تنسَى الدكتورة غيثة صبرا السويطي أبداً دموعها ودموع الطاقم الطبي لحظة خروج الطفلة إلى الوجود سالمة ووضعها على صدر والدتها.