أن تظهر الإناث أكثر طيبة وأقل شراً وعنفاً من الرجال في كتب الأطفال، فهذا أمر غير مفاجئ، ولكن المفاجئ حقاً أن هناك نشطاء غاضبين من هذا، ويبدو أنهم يريدون تقديم مزيد من الشخصيات النسائية الشريرة في الكتب التي تشكل عقلية الصغار.
وذكر تقرير صحيفة The Guardian البريطانية أن الذكور يتولّون الأدوار الرئيسية في كتب الأطفال المُصوَّرة ضعف الإناث، ويُمنَحون أجزاء أكثر من الحوارات، وفقاً لبحثٍ أجرته مؤسسة Observer للأبحاث، يُسلِّط الضوءَ على التمييز غير النظامي على أساس الجنس، الذي يظهر مُتأصِّلاً بوضوحٍ في مواد القراءة الخاصة بالأطفال الصغار.
وكشف تحليلٌ مُتعمِّق لأشهر 100 كتاب أطفال مُصوَّر في 2017، جرى تنفيذه في ورقةٍ بحثية بالتعاون مع شركة Nielsen الأميركية لأبحاث السوق، أنَّ شخصيات الذكور تهيمن على معظم الكتب، وتظهر غالباً في أدوارٍ ذكورية نمطية، بينما تُفتَقَد شخصيات الإناث في خُمس الكتب الموضوعة بالقائمة.
وتضم قائمة الكتب الأفضل مبيعاً لعام 2017 كتباً مثل الكتاب المحبوب دائماً The Gruffalo، وGuess How Much I Love You، وDear Zoo والذي يُشار فيه إلى كل الحيوانات بالضمير المُذكَّر كما لو كان الأمر تلقائياً.
هذا النهج المتبع إزاء الجنسانية حاضرٌ بالتساوي في الكتب الأفضل مبيعاً المنشورة حديثاً مثل: You Can't Take An Elephant on the Bus، وThe Lion Inside، وSupertato، وThe Day The Crayons Came Home، وThe Lost Words، وThe Koala Who Could، وThere's A Monster in Your Book؛ إذ لم تحتو أيٌّ منها على شخصياتٍ مُؤنَّثة.
تجربة عملية: مكتبة خاوية تكشف التمييز
ومؤخراً، أجرى مؤلفا كتب الأطفال؛ إيلينا فافيلي وفرانشيسكا كافالو، تجربة مكتبية بعنوان "الحقيقة القبيحة لكتب الأطفال"؛ لتوضيح هذه النقطة.
التجربة عرضت في فيديو أُعيدت مشاركته في فيسبوك أكثر من 460K مرة، يفتح مع لقطة من مكتبة مزدحمة بمئات من الكتب الشعبية للأطفال. ثم، واحدة تلو الأخرى، تقوم الأم وابنتها -ببطء- بإزالة كل عنوان لا يحتوي على شخصيات ذكور.
إجمالي الكتب التي تمت إزالتها: ثلاثة
ولكن، ماذا يحدث عندما يذهبون إلى إزالة الكتب التي تخلو من الشخصيات الإناث، إجمالي الكتب التي تمت إزالتها: 76.
من يتكلم أكثر؟
وفي كل الكتب، كان الذكور يحظون بفرصة الحديث بنسبة 50% أكثر من الإناث، وفاق عدد الشخصيات الذكور عدد الشخصيات الإناث في نصف القصص التي وصلت لقائمة أفضل 100 كتاب.
هذا إضافةً إلى أنَّ عدد الشخصيات التي مُنِحَت معظم أجزاء الحوار والأدوار الرئيسية في القصة من الذكور، كان ضعف الإناث. وفي المتوسط، كانت هناك 3 شخصيات من الذكور في كل قصة مقابل كل شخصيتين من الإناث.
وأحياناً تصبح النسبة أعلى، فكتاب Mr Men in London، على سبيل المثال، الذي نُشِرَ عام 2015، فيه 13 شخصية من الذكور، وشخصيَّتَين فقط من الإناث.
وقالت المؤلِّفة والرسامة لورين تشيلد، الحاصلة على عدة جوائز وكاتبة سلسلة Charlie and Lola المُصوَّرة: "لم يفاجئني البحث. فنحن نرى هذا في التلفاز والأفلام كذلك، لكنَّه يعطيك رسالةً عن الطريقة التي يراك بها المجتمع. لو حصل الأولاد على الأدوار الرئيسية في الكتب -الطيبة منها والشريرة- وحصلت الفتيات على الأدوار الجانبية، فهذا يُؤكِّد أنَّ هذه هي الطريقة التي يسير بها العالم، وحينها يصعب الشعور بالمساواة".
طلب غريب : نريد أن نكون شريرات
يبدو أن هناك تمييزاً كمِّيّاً ضد الإناث؛ إذ كانت الشخصيات الرئيسية ذكوراً بنسبة 50% أكثر من الإناث،
ولكن هناك في المقابل تمييز نوعي ضد الذكور؛ إذ إن الأشرار الذكور أكثر بـ8 مراتٍ مقارنةً بالأشرار الإناث، ولكن هذا عدَّه الباحثون والنشطاء تمييزاً لصالح الذكور أيضاً.
فحسب الدراسة، صوّر كتابٌ واحد فقط، وهو Peppa and her Golden Boots، شخصيةً مُؤنَّثة شريرة واحدة تُمثِّل بمفردها، وهي شخصية بطة تسرق أحذية بيبيا بيج وتأخذهم إلى القمر.
أيُّ الحيوانات يرتبط بالذكور وأيها بالإناث؟.. حقل آخر للتمييز
وأظهر المسح أنَّ 40% فقط من الشخصيات التي مُنِحَت نوعاً مُحدداً كانت بشرية، لكن البقية كانت -على سبيل المثال- شخصيات حيوانات، وطيوراً، وأقلام تلوين، وخضراوات، وهياكل عظمية. ولُوحِظَ التحيز على أساس الجنس أكثر بين هذه المخلوقات، ففي المرات التي كشف فيها الكاتب جنس مخلوقٍ ما، كان ذكراً بنسبة 73%.
والأكثر من هذا، أنَّ الذكور كانوا يُجسَّدون عادةً كشخصياتٍ قوية، ومُتطرِّفة، وربما كوحوش خطرة مثل التنانين، والدببة، والنمور، بينما مالت الإناث إلى أن تُجسَّد في جسدٍ أصغر حجماً، ومخلوقاتٍ أضعف، كالطيور، والقطط، والحشرات.
محاولة للإنصاف لا تلقى الاستجابة الكافية
وقال ديردري مكدرموت، ناشر القصص المُصوَّرة في شركة Walker Books البريطانية المستقلة، إنَّ معظم القصص الجديدة تُجسِّد الإناث في شخصياتٍ قوية، لكنها -للأسف- لم تصل لقائمة أفضل المبيعات.
فبين قائمة أفضل 100 كتاب، نُشِرَ نصفها فقط خلال السنوات الخمس الماضية. وأضاف كذلك: "يعود الآباء إلى الكتب التي يعرفونها، ويثقون بها من طفولتهم. يجب أن يسعوا لترشيحاتٍ من الكتب الجديدة. لو أراد أحدهم وضع فتاة ضعيفة في كتبنا، فسنضربه على رأسه".
لكنَّ الكتب الجديدة التي تكسر التقاليد تحقق مبيعاتٍ جيدة، فكتاب The Detective Dog لجوليا دونالدسون، والذي تدور قصته حول كلبة شجاعة تساعد صديقاً ومُعلماً ذكرين، احتل المرتبة الأولى بقائمة أكثر الكتب مبيعاً العام الماضي (2017).
ومع ذلك، يُظهر المسح أنَّه حتى الكتب الأكثر مبيعاً الصادرة حديثاً لم تنج من النمطية؛ إذ تابع المؤلفون والرسامون إبعاد كل الشخصيات المؤنثة بنسبة 20% تقريباً من الكتب الأكثر مبيعاً خلال السنوات الخمس الماضية.
وقال نيك شارات، الكاتب والرسام لكتب الأطفال التي حققت أفضل المبيعات مثل Shark In The Park، وDon't Put Your Finger In the Jelly, Nelly، إنَّه يعتقد أنَّ سماع حقائق كهذه "مفاجئٌ للغاية هذه الأيام وفي هذا الوقت".
وأضاف: "أنا أفكر في النسبة بين شخصيات الذكور والإناث، وأرى أنَّ هذا جزء من المهمة. أنت لا تنسى القصص المصورة التي استمتعت بها في طفولتك، فهي تبقى معك بقية حياتك".
وتابع قائلاً إنَّه "لدى الرسامين والمؤلفين فرصة عظيمة لكسر الصورة النمطية، وإنَّنا نحتاج إلى أن نعالج هذه القضايا، ولا يبدو في هذه اللحظة أنَّنا فعلنا اللازم".
الحيوانات الأليفة من الإناث.. شيء غير لطيف
تتوافق نتائج البحث مع نتائج مسح جرى على 1444 قطعة ملابس في 12 سلسلة محلات شهيرة، نشرها مناصرا المساواة بين الجنسين؛ هانا وليو غراسيا، الأسبوع الماضي.
وكشف المسح أنَّ الحيوانات على ملابس الأولاد تميل إلى أن تكون مفترسة وشرسة مثل الأسود والحيتان، بينما تكون الشخصيات على ملابس الفتيات عادةً صغيرة، وغير مؤذية، وأليفة، أي فرائس لتلك الحيوانات الشرسة.
كيف تؤثر هذه الأنماط سلباً على الأطفال؟
وجدت جيس جاي، الناشطة لأجل إنهاء النمطية على أساس الجنس مع حركة Let Toys Be Toys، أنَّ البحث مثيرٌ للقلق.
إذ قالت: "لو صار الثعلب أو التيرانوصور (هي) ( الثعلبة أو التيرانصورة) فستبقى القصة جيدة كما هي. نسمع كثيراً عن الآباء الذين يغيّرون الضمائر وهم يقرأون القصص لأطفالهم بصوتٍ عالٍ".
وتابعت: "هذا يُجهز الأطفال ليروا أنَّ هيمنة الذكور أمرٌ عادي؛ لذا حين تأخذ المرأة أقل من نصف الحوار، يشعر البعض بأنَّ هذا كثير. فبقلة أدوار الإناث، لن تكون هناك مساحة للشخصيات النسائية أن تكون متعددة الأبعاد. ونقص الشخصيات النسائية الشريرة يعكس انزعاجاً واسع النطاق من فكرة وجود نساء سيئات السلوك".
الأم تظهر أكثر من الأب.. ولكن هذا ليس أمراً جيداً
وتعهُّد شخصيات الإناث البالغات بأدوار الرعاية أمرٌ شائع في القصص، فعدد المعلّمات ضعف عدد المعلمين. وظهرت الأمهات كذلك ضعف عدد الأباء. على النقيض، بالكاد قدمت بعض الكتب شخصياتٍ لآباء، إلا حين تكون هناك أمٌ بجانب الأب، ولم يظهر آباء وحيدون سوى في 4 كتب فقط.
وعلّقت داي على هذا، قائلةً: "يعكس هذا نسخةً مشوهة عن العالم، وهو أمرٌ سيئ للأولاد كما للبنات. فنقص ظهور الآباء سيوجِّه الأطفال الذكور بعيداً عن الاهتمام بسلوكيات التربية والرعاية".