لا يفترضُ بي أن أكون محتاجاً إلى موفور بيانٍ، ولا إلى كثير مشقة؛ كي أؤكد أنَّ الخالق -سبحانه وتعالى- لا يمكنُ أن ينحازَ لبعضِ خلقِهِ على أساس الجنس أو النوع أو اللون!
لكنَّني وحين ناقشتُ بعضَ المنتسبين للعلم والدين، وجدتُهم يعانون عنصريةً بغيضة، وينسجون على منوال إبليس حين قال مخاطباً رب العالمين: "أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقتَه من طين"!
هذا والقرآن العظيم واضحٌ غاية الوضوح في تكريم المرأة وإنصافها، وفي عدم التفريق بينها وبين الرجل؛ قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً من ذكرٍ أو أُنثَى وهوَ مُؤمِنٌ فلنُحيِيَنَّهُ حياةً طيِّبَةً ولنجزِيَنَّهُم أجرَهُم بأَحْسَنَ ما كانُوا يَعمَلُون) [النحل: 97].
وقد قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في خطبة حجة الوداع: (أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلَّغت! اللهم فاشهد).
ورغم هذه التصريحات الواضحة التي جاءت بها نصوص الشريعة الإسلامية (الكتاب والسّنّة) فإن تراثنا الإسلامي يزخر بتعداد أوجه تفوق الرجل على المرأة في بعض الأمور، بينما يندر -بكل أسف- أن تجد العكس!
وعلى سبيل المثال: فلو بحثت في محرك "جوجل" عن "رفع المرأة صوتها على زوجها" فسوف تجد عشرات الفتاوى والبحوث والمقالات، لكنَّك لن تجدَ شيئاً فيما يتعلق برفع الرجل صوته على زوجته.
يقول بعضهم مفسراً: لأن رفع المرأة صوتها على زوجها سوء أدب، وهذا الفهم المتهافت نابعٌ من الخلط بين ما هو "شرعي" وما هو متعلق بوقع البيئة، أو موروث الثقافة، وقد فهم هؤلاء أن المرأة تابع، وأن الزواج ليس علاقة مشاركة وتفاهم ومودة ورحمة واحترام متبادل، بل هو علاقة مرؤوس برئيس، أو موظف بمديره!
والحقُّ أن رفع الصوت سوء أدب، سواءٌ أكان ذلك من جانب المرأة تجاه الرجل أو الرجل تجاه المرأة: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ) [لقمان: 19].
وأما في حالة نشوب نزاعٍ، فالقرآن الكريم يخبرنا بوضوح: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء: 59]، وإذا استفحل الخلافُ بين الزوجين: (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35]، ولم يقل لنا إن رأي الذكر نافذٌ على رأي الأنثى بمجرد الذكورة!
هذا والقرآن الكريم ينهانا عن تمنِّي ما فضّل الله به بعضنا على بعض: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [النساء: 32].
وجميعنا يعرف أوجه تفضيل الذكر على الأنثى، فبماذا فضَّل الله الأنثى على الذكر؟
أوجز الجواب في النقاط التالية:
– ميَّزها الله بنفخ كل روحٍ جديدةٍ في رَحِمِهَا، وجعل لها بمشقة الحمل وألم الولادة ووجع الإرضاع ثواباً عظيماً.
– تميزت عن الزوج بحقِّ حضانة الطفل (ذكراً كان أو أنثى)؛ لأنها أصبر عليه منه، وأكثر حناناً وعطفاً ورأفةً ورحمةً وحرصاً، وأقدر على تنشئته وتهيئته وتربيته وتعليمه.
– تميّزت بالتدبير والكيد، وبأنها أملك لنفسها فيما يتعلق بالشهوة منه، وأكثر أمناً من الوقوع في الحرام منه، ثم بقدرتها على إغوائه والسيطرة عليه وسلب لُبِّه متى أرادت.
– أحلَّ لها التزين بالذهب والحرير، وحرّم ذلك على الرجل.
– تفوقت على أخيها الذكر في الميراث (على خلاف ما يتوهمه البعض)؛ لأنه مطالبٌ بالمهر وتأثيث بيت الزوجية، ولا تلزم هي (شرعاً) بشيء من ذلك.
– تفوقت على زوجها فيما تكسبه من عملها إذا عملت، فماله ليس له بل هو مطالبٌ بالإنفاق عليها وعلى أبنائهما منه، أما مالها فلها وإن هي أنفقت منه عليه وعلى أبنائهما (مختارةً) كان ذلك صدقةً تنال بها جزيل الثواب من الله تعالى.
– تنالُ أجر صلاتِها كاملةً رغم انقطاعها عنها في أيام الحيض، ولا تطالب بتعويض ما يفوتها منها، وتنالُ أجر صوم رمضان كاملاً رغم أنها تعوض ما يفوتها من أيامه بعد انقضائه.
وأخيراً وليس آخراً..
أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأم ثلاث مرات، فيما أوصى بالأب مرة واحدة، هذا والقرآن العظيم حين أوصى بالوالدين كان ذلك في خمسة مواضع، لكنه ركّز خطابه في سورة الأحقاف (الموضع الخامس) على الأم فقط دون الأب؛ لعِظَم منزلتها (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ ) صدق الله العظيم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.