كيف أصف شعوري بالطفل الأول؟

أول من أخبرت كان أمي.. قلت لها كأنني أجس النبض، أو أحاول التأكد من شيء ما بشكل غير مقصود: بدأت أشعر بحركة داخلي، قالت لي بيقين: نعم، بدأ في الحركة إذاً.. هذا وقته.. مبروك. لم أتأكد من جوجل متى يبدأ الجنين حركته، تأكدت من أمي،

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/19 الساعة 02:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/19 الساعة 02:47 بتوقيت غرينتش

الحقيقة أنني لم أشعر به، إلى أن بدأ أولى حركاته، وحتى لما بدأها، اعتقدت أنها اضطرابات معدة، أو أن هناك شيئاً ما يجري على نحو خاطئ.
ثم بدأت الحركة في الانتظام والتتابع، ولم تعد تبدو كاضطراب معدة بسبب أكلة خاطئة.

بدر إلى ذهني فجأة أنها قد تكون حركة الطفل، ثم في اللحظة التالية بدأت التعامل معها على هذا الأساس، لم أخبر زوجي عنها، ولم أهرع لهاتفي لأخبر الطبيب أيضاً على الرغم من انزعاجي السابق منها، الذي كان يصل لحد القلق أحياناً.

أول من أخبرت كان أمي.. قلت لها كأنني أجس النبض، أو أحاول التأكد من شيء ما بشكل غير مقصود: بدأت أشعر بحركة داخلي، قالت لي بيقين: نعم، بدأ في الحركة إذاً.. هذا وقته.. مبروك.
لم أتأكد من جوجل متى يبدأ الجنين حركته، تأكدت من أمي،
هذه هي أولى لحظات شعوري به شعوراً مادياً متأكداً.

لم تفضل مشاعر أمومتي فور علمي بالحمل، لم أتحول فجأة إلى شخص زائر لمتاجر ملابس الأطفال، أو باحث عن كل ما يجب وما لا يجب فعله، لم أسأل كل من خاض التجربة قبل عن أشياء وتحولات لا أدري كيفية التصرف بصددها.

مثلاً، لم أبدأ البحث على جوجل عما يخص حملي إلا عندما قال لي الطبيب: تناولي ما تشتهينه من المأكولات والمشروبات، ما عدا المياه الغازية، لم أثق في هذه المعلومة بشكل كامل فبدأت حينها في البحث عن أفضل الأطعمة للمرحلة التي أمر بها، كانت هذه هي المرة الأولى التي ألجأ فيها لجوجل.

كنت أريد الحفاظ على صحة الطفل، لكن دافعي الأكبر كان هو ألا أسمن بشكل مخيف، بشكل لا يمكنني من النظر إلى نفسي في المرآة، أو أن يهز الجزء اليسير المتبقي من ثقتي بنفسي.

في بداية الحمل، كانت أحلامي كلها تدور حول شكل جسدي، كيف سأبدو، وكيف سيتغير شكل جسدي وأنا التي أمضيت العامين الماضيين في محاولات متكررة لجعله متسقاً، ومُرضياً لي، لأتخلص من نقمي عليه تلك الفترة.. فقد كنت أحمله الكثير من المسؤولية، التي لم أتوقف حتى الآن لأتبين هل هو المذنب أم لا.
كنت أحلم بأن صدري يتضخم، بأن فخذي تكبران بين ليلة وضحاها فلا تتسع لهما أي من ملابسي.
أحلم بأن تمتلئ ذراعاي بالدهون فجأة، ودون سابق إنذار، أجدهما ثلاثة أضعاف حجمهما الأصلي، فلا أستطيع تبديل ملابسي والذهاب لعملي.

أحلام وأحلام تتضخم في جسدي، وتتضخم فيها مخاوفي، تخنقني، ثم أستيقظ من النوم وألقي نظرة على جسدي في المرآة، أجدني كما أنا، ولا أطمئن.
ما هو شعوري بطفلي الأول؟ هكذا كنت أشعر في أول ثلث من حملي.
أول حركة من جنيني كانت في أواخر الشهر الرابع أو بداية الشهر الخامس، أول حركة هي ما جعلتني أفكر به، آخذه في الحسبان، وأضعه في اعتباري، أول إشارة على وجوده بداخلي لم أتجاهله سابقاً، لكنني ببساطة لم أشعر به بشكل مادي واضح.
هل يخبرني هذا بشيء؟
هل أنا شخص واقعي للغاية، لا أقبل إلا بالحقائق والوقائع الملموسة؟

أفكر في هذا كثيراً، ربما لم يعد بداخلي مساحة كبيرة للخيال، أو الأشياء المعنوية، وربما كنت كذلك من البداية لكنني أنا من صبغت على نفسي صبغة حالمة ما، ولم أدرك الحقيقة إلا أخيراً.

المهم أنني الآن كما أنا الآن.. أريد الحقائق أكثر، أريد إثباتات أكثر حتى آخذ أي شيء بعين الاعتبار، ولا يبدو ما كنته سابقاً مهماً للغاية الآن.

ملاحظة صغيرة لا أدري موضعها هنا، ولكنني أعلم جيداً أن من يبحثون عن الحقائق أكثر، يتشككون أكثر، وتقل ثقتهم بما حولهم أكثر فأكثر.

أول ركلة من جنيني ولدت أول طيف لشعوري به، ولدت أول إدراك بوجوده، ولدت أولى محاولاته لفرض نفسه عليّ، ولدت أول تفكير في كيفية التعامل معه منذ الآن، أول شعور بأنني يجب أن أكون أكثر حرصاً، أكثر انتباهاً ومراعاةً، ولدت أول محاولة للبحث عما يجب عمله مع ساعات ولادته الأولى.

أول ركلة من جنيني ركلتني خارج نفسي ومخاوفي قليلاً، لتفسح المجال لشخص آخر يستحق الانتباه حتى وإن لم ألمسه بعد.
وما زلت أنتظر المزيد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد