نشاهد كل يوم اختراع التكنولوجيا المستمر الذي يُبهِر أبناءنا، لكن ثقافة "النقر بدلاً من التحدث" أصبحت تقلقنا فعلاً، وأصبح من العسير وضع قوانين في المنزل (قائمة على ما يراه خبراء التنمية والصحة العقلية).
"كثيراً ما يسأل الآباء والأمهات عن نصائح عملية في هذا الشأن"، تقول هايلاي فان زواننبرغ المتخصصة بالطب النفسي للأطفال والمراهقين قبل أن تضيف: " النصائح يجب أن نكون مدعومة بـ(البرهان) وبخبرتي الإكلينيكية في علاج الصحة العقلية لدى الأطفال. لذا، فإنه يطيب لي أن أنشر هذا الأمر".
ربما لن يكون من المفاجئ لمعظمنا أن 32% من نسبة الأطفال البالغة أعمارهم بين 8 سنوات و 11 سنة، وأنّ 79% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 15 عاماً يمتلكون هواتف ذكية لأنفسهم، وفقاً لهيئة Ofcom للاتصالات. وعليه فإن الأطفال لا يبرحون أرضاً ولا يطأون موطئاً إلا ولديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت، ليلاً ونهاراً.
وأضافت زواننبرغ "أخبرني ابني، البالغ 11 عاماً، بأن 4 من أصدقائه يـَلـِجُون الإنترنت لِلّعب في منتصف الليل بالليالي التي يكون في صباحها يوم دراسي؛ لأن والدِيهم لا يأخذون منهم أجهزة الحاسوب اللوحي "آيباد" وأنهم "يثقون بهم". يحتاج الفتيان في سِنّ المراهَقَة، بالمتوسط، إلى 9 ساعات من النوم ليلاً، لكنّ كثيرين منهم لا ينامون إلا 7 ساعات أو 7 ساعات ونصف الساعة فقط بسبب استخدامهم للإنترنت".
و"يخبرني كثير من الشباب بأنهم يوقِظون أنفسهم ليلاً؛ حتى لا يفوِّتوا على أنفسهم أي رسائل"، تقول الإخصائية النفسية قبل أن تقدم النصائح التالية".
النصيحة رقم 1:
النوم المجدِّد للنشاط أمر بالغ الأهمية للصحة العقلية، مهما كان عُمر طفلك. أبعدْ الأجهزة الإلكترونية عن أطفالك قبل النوم بساعة على الأقل (وإياك أن تترك الأجهزة لتُشحن في غُرف نومهم).
النصيحة رقم 2:
أبعِدْ أي جهاز رقميٍّ عن أي طفل لم يتجاوز السنتَين. تشير البحوث التي أجرتها مؤخراً الأكاديميةُ الأميركية لطب الأطفال إلى أن فوائد الاستخدام الرقمي للأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين تكون محدودة إن لم تكن معدومة.
أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين إلى 5 سنوات، فإن الدراسةَ ذاتَها التي أعدتْها تلك المنظمة المِهْنية لأطباء الأطفال في الولايات المتحدة، تقول إن مهارات التفكير الأكثر تعقيداً بالنسبة للمَدرَسة -مثل المثابرة والإبداع والتفكير المَرِن- يمكن تعلُّمُها جيداً من خلال أساليب اللعب الاجتماعي غير المنظَّم، وليس من خلال الأجهزة الرقمية.
لذا، فإن حَدّ استعمال الأطفال المتراوحة أعمارُهم بين سنتين و5 سنوات لتلك الأجهزة ينبغي أن يكون ساعةً واحدة في اليوم (وتحت الإشراف). وبالنسبة للأطفال ما بين 5 و 10 سنوات، فإن حَدّ الاستعمال يبقى أيضاً قريباً من الساعة في اليوم بقدر الإمكان؛ أما المراهقون ذوو عُمر 10 سنوات وأكثر، فيجب أن يظل استخدامهم لها أقل من 3 ساعات في اليوم.
النصيحة رقم 3:
إياكَ أن تفترض أن طفلك يلعب لُعبة "آمنة" على الإنترنت. فإنهم قد يستوعبون حقيقةَ كثيرٍ من المعلومات غير المفيدة أو الخطيرة، وقد لا يستوعبونها. وبالنسبة للفتيات، فإن هذا قد يشمل معلومات عن بعض الأنظمة الغذائية القاسية.
من المحزن أن أطفالاً بعُمر التاسعة أو العاشرة يَفِدُون عليّ في عيادتي بسبب إيذائهم لأنفسهم، فأسألهم أين تعلموا فِعلَ ذلك، وإجاباتهم المتقاربة تكون دائماً "على الإنترنت".
حاولْ أن تنظر فيما يفعله طفلك على حاسوبه أو على هاتفه الذكي. تحدَّث معهم حول الإعلانات والمعلومات المغلوطة، أو أي صور محسَّنَة رقْمياًّ، كتلك التي يتعرضون لها باستمرار.
راعِ أن يكون استخدام الحاسوب في نطاق محيط الأسرة، حتى يدرك الأطفال أنه بإمكانك أن تطّلع على ما يفعلونه في أي وقت.
من السمات الرئيسية لسِنّ المراهقة تطويرُ الهوية الذاتية، فيفعل الفتيان ذلك باختبار الأشياء، ورؤية ما "يحبه" الناس فيهم وما "يكرهونه" منهم، وإجراء المقارنات. وأفضل الطرُق لفعل ذلك يكون على الإنترنت؛ لأن الاستجابة فيه تكون فورية. لكننا نعلم حق العلم أن الناس يميلون إلى وضع صورٍ رقْمية مثالية لأنفسهم هناك. ونتيجةُ ذلك أن الفتيان يسعَوْن إلى كَمال زائف في حياتهم، وفي أنفسهم، وهذا مضر بثقتهم لأنفسهم.
النصيحة رقم 4:
التشجيع على فِعل الأنشطة التي تشتمل على لقاء الناس ورؤيتهم، مثل التلاقي بالنوادي، أو مشاركة الأصدقاء، أو التبضع في الأسواق. وكل هذه الأمور تُعد فرصاً لبناء الثقة بالنفس، وتتيح للفتيان عقدَ مقارنة اجتماعية صحية بعيداً عن العالَم الرقْمي.
أشاهد في عيادتي ازدياداً في اضطرابات القلق. ويبدو هذا عند عدد متزايد من الشُّبان اليافعين الذين لم يتعلموا المهارات الاجتماعية المطلوبة للتفاعل المباشر مع الآخرين؛ لذا فإنهم يصابون بالقلق والاضطراب عندما ينخرطون في دنيا الناس. فيكافحون من أجل معرفة أشياء، كالمساحة الشخصية بين الأشخاص التي هي مطلوبة لعقد الحوارات، وكيفية قراءة تعبيرات الوجه والإشارات الانفعالية؛ بل إن بعض هؤلاء يرون في الأحاديث القصيرة أمراً مستحيلاً.
النصيحة رقم 5:
راعِ أن يقضي أفرادُ الأسرة وقتاً كافياً معاً، وحبذا لو كان نظاماً يوميّاً متبَعاً، وطقساً ثابتاً في نهاية الأسبوع وفي أثناء العطلات. وبصفتكم آباء و"قدوةً" لأبنائكم، فإن استخدامكم للتكنولوجيا ينبغي أن يكون محدوداً أيضاً، لذا فلا تقضوا جُلّ وقتكم على هواتفكم الذكية، وتأكدوا من إجراء أحاديث قصيرة مع الأبناء وعقد بعض المحادثات عن العالم المحيط معهم. فإنكم بذلك تعلمونهم مهارات حيوية.
النصيحة رقم 6:
على الرغم من أن الشباب يميلون إلى تخطي الحدود وينفعلون بغضب عارمٍ في بعض الأوقات حول قواعد "ظالمة للغاية" في نظرهم، فإن هذه التحكّمات والقيود تجعلهم يشعرون بالأمان. وبصفتكم آباء، فأنتم تفعلون الصواب حتماً بوضعكم حدوداً واضحة وثابتة حول التكنولوجيا الحديثة، لذا لِيكُنْ شعوركم دائماً مفعماً بالثقة بتنفيذ تلك القواعد، بصرف النظر عن العواقب قصيرة المدى التي قد تتسبب فيها. أبناؤكم سوف يشكرون لكم صنيعَكم هذا في نهاية المطاف.
– هذا الموضوع مترجَم عن النسخة الإنكليزية لـ"هافينغتون بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.