قد يكون موضوع المقال هذا صادماً بعض الشيء، إلا أنّ الحاجة أصبحت ملحّة لنشر مفهوم المساواة بين المرأة والمرأة في المجتمعات ككل. فبعد كفاحٍ دام طويلاً لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، أصبحنا اليوم بجاجةٍ إلى رفع شعارٍ جديد ألا وهو "المساواة بين المرأة والمرأة"، والذي لا يتم تحقيقه إلا عندما تتمتع المرأة والأخرى بنفس الحقوق والفرص في جميع قطاعات المجتمع.
لقد شهدت المرأة في الآونة الأخيرة ازدياداً ملحوظاً في التمييز في العمل. فأصبحت نسبة حصول المرأة التي ترتدي الحجاب على عمل قليلةً جداً مقارنة بالنساء غير المحجبات ويرتدين ملابس كاشفة. ولا بدّ بأنّ تجاربي الشخصية التي سأوردها الآن تنطبق على كل النساء في جميع أنحاء العالم، وهذا الهجوم موجّه للمجتمع ككل.
سأبدأ بعرض مفهوم المساواة أولاً من حيث وجهة نظر أرباب العمل. دُعيت منذ أسابيع إلى مقابلة عمل في مجال اختصاصي لتعييني في منصبٍ معين وكانت المقابلة ناجحةً بعض الشيء، إلا أنني تلقّيت بعد ذلك رسالةً تفيد برفض تعييني في هذا المنصب وذلك بسبب ارتدائي للحجاب، وليتبين لي بعد فترة من الوقت بقيام مسؤول الشركة بتعيين فتاة ذات لباسٍ مغري وأصغر سناً في المنصب نفسه. ومن الواضح أنها مبتدئة تفتقر إلى الخبرة ولا تزال في طور التدريب.
تقبلت ذلك الواقع ببعض الأسى ومضيت في بحثي عن عمل آخر، والتقيت بعد بضعة أيامٍ بصديقةٍ لي تعمل في مجال التعليم وأخبرتها بأنني أرغب في تقديم السيرة الذاتية الخاصة بي للعمل كمعلمة، ولكن ردّها كان جارحاً وصادماً بعض الشيء بأن العملاء قد لا يرغبون بأن تقوم معلمةٌ محجبةٌ بتقديم الدروس لهم.
لماذا اختلفت القيم وانقلبت المفاهيم؟ من حقّي ومن حق كل من يرتدي ملابس محتشمة بالعمل. ماهو المفهوم الخاطئ الذي يتبعه أصحاب الشركات اليوم بتفضيل هؤلاء النساء اللواتي يقمن بإظهار مفاتنهن؟ من حقهن العمل نعم، ولكن ليس من حق أرباب العمل تمييزهم على النساء اللواتي يرتدين الحجاب. هل سيحصلون على عملاء أكثر حين يقومون بتوظيف من هنّ أكثر إغراءاً؟ هل تمثيل صورة الشركة يعتمد على المظهر والشكل أم على الخبرات والمعارف؟ الدعاية الناجحة لأي شركة كانت تعتمد على الفكر الواسع والعلم والمعرفة وليس على نوع الملابس. أي نجاح سيحقّقه رب العمل إذا كان هدفه الأول هو المظهر وليس العلم والخبرات؟
وللأسف تقوم بعض النساء اليوم بتبني المفهوم ذاته خشية فقدان مناصبهن بسبب أفكارٍ ومعتقداتٍ خاطئة مبينة على نفس الأساس بأن المرأة المحجبة لا تصلح للعمل. فقد التقيت بصديقةٍ أخرى لي تعمل بشركة ما مع زميلاتها اللواتي يعملن أيضاً في شركاتٍ مختلفة بمناصب مهمة والبعض منهن كن يمتلكن شركات خاصة بهن وكن مسلمات غير محجبات. وأثناء حديثنا، صرّحن بشكل عفوي عن رغبتهن بارتداء الحجاب. أبديت إعجابي وتشجيعي لهن، ولكن أبدين بعد ذلك خوفهن من خسارة العديد من العملاء المهمين إذا ما قمن بارتداء الحجاب.
بقدر ما ابتهجت برغبتهن بارتداء الحجاب بقدر ما أُصبت بالخيبة من هذا التصريح الأخير، وكأن البلد لا تحتوي الملايين من المسلمات المحجبات اللواتي يبحثن عن شركاتٍ مماثلة لإجراء عقود خاصة معهم. فكما يوجد عملاءٌ غير مسلمين يوجد الملايين من العملاء المسلمين. أم نسين أنه من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه؟ ومن يدري بمجرد ارتداءها الحجاب أن يمنّ الله عليها من الخيرات والبركات أكثر مما كانت تتوقع.
فلنرفع إذن شعار "أنا محجبة ومن حقي أن أعمل. كفاءتي في العمل لا يحددها شكل ولا مظهر وإنما شهادات وخبرات."
ولا بدّ أن أوضح في النهاية بأنني لم أكتب هذا المقال كنوع من الهجوم على النساء اللواتي يرتدين الملابس الكاشفة، فكل شخص له الحرية في اختيار ما يرتدي من ملابس حسب دينه ومعتقداته، وإنما كان رداً على المفاهيم التي سادت اليوم بتفضيلهن على غيرهن من النساء، كما أنه موجه أيضاً للنساء اللواتي يعتقدن بأن الحياة ستتوقف بمجرد ارتداءهن للحجاب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.