أنت الآن إلى نفسك أقرب

شكراً لذاتنا، صورتنا الأقرب إلى الحقيقة، شكراً لذاتنا وعد صورة المرآة الصادق فينا، ذاتنا حقيقتنا الواضحة في منتديات الوهم إن كانت بصيرتنا قادرة على رؤيتها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/28 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/28 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش

إنْ رسمت يوماً ظل جسدك على الأرض بعصا الأمنيات، فأنت الآن إلى أمنيتك أقرب.. وإنْ زرت يوماً قاع بئر التجربة الموحش وعدت بعدها إلى السطح متناسياً صدى الألم في روحك فأنت إلى نفسك أقرب..

نحن على بعد أمنية من أنفسنا..
درس المحلل النفسي "جاك لاكان" لحظة لقاء الطفل بصورته أمام المرآة على أنها لحظة زمنية دقيقة للغاية، حيث يلتقي الطفل ما هو أبعد من صورته الجسدية ويدرك أن صورته في المرآة ليست صورته النهائية، وينظر إلى جسده بشيء من العدائية متخطياً ضعفه ومحدودية حركته ومشيه البطيء، وكأن بصيرته المتيقظة أكثر نمواً من جسده، ليرى في عمق نفسه صورته الحقيقية، وكأن ذاك الجسد الصغير ليس إلا وهماً يراه الآخرون من حوله، أما هو فيرى القوة الكامنة فيه وتكامل شخصه القادم مع الأيام، يرى صورته بلمحة مستقبلية حيث ينمو فيه الأمل والخيال رغم كل التناقض. إرادتنا للتغيير تتجلى فينا منذ تلك اللحظة، تذّكر حين تنظر إلى المرآة أن تتحدث إليها على سجيتك، فالذي أمامك ذاتك وليس جسدك.

تلك المرآة قِبلة النفس الأولى..
لطالما اختلفت الصورة التي نرى فيها أنفسنا عن الصورة التى يرانا بها غيرنا، في كل شخص نلقاه شخص آخر وحده يعرف من يكون، حياتنا تبدأ بحلم يسكن جوفنا وتنتهي بتحقيقه، نتربص بأمنياتنا من خلال المرآة ذاتها ولكن على هيئة مغايرة، أتمنيتَ أن تكون كذلك القوي القادر على إبداء رأيه دون لعثمة التردد، الذي يجمع القوة والمال والحكمة؟ أو تمنيتِ أن تكوني كتلك الجريئة التي تفرض حضورها بكلماتها وآرائها أينما حلت؟ أو كتلك الأم، أو المبدع الذي اختزل العالم ببضعة ألوان؟ نحن في الحقيقة لا نتمنى أن نكون كغيرنا، وإعجابنا ليس بهم بل بأنفسنا التي رأيناها من خلالهم ونسعى لأن نكون على تلك الهيئة، لطالما شعرنا بأن أبطال الروايات والأفلام تشبهنا ولم يلحظ أحد من حولنا ذلك الشبه، لأننا كنّا أبعد عن أنفسنا المنحوتة الآن بالنضج والملتهبة بآثار التجارب والأيام، والتي أهدتنا أخيراً النسخة الأفضل منا.

أذكر حين التقيت حديثاً بزميلتي في الدراسة قبل خمس عشرة عاماً، قالت وهي تودعني: لم نتغير كثيراً لكننا الآن أجمل، لعلها أرادت أن تقول نحن الآن أقرب إلى شخصياتنا الحقيقية.

تصل أحلامنا سن اليأس قبل النضوج، لأننا اعتدنا البحث بعيداً عن أقرب الأشياء إلينا، فلا تأتمن أحداً على أحلامك وارجع إلى مرآتك الداخلية. حتى البوذية.. العقيدة ذات العدد الكبير من الأتباع، والتي تأثر بها وبتعاليمها الكثير حتى وإن لم يعتنقوها كديانة، فإن جلّ ما دعت إليه هو التأمل للوصول للنفس واستغراق التفكير، وهو التعبد حسب تعاليمهم حتى يُدرك الإنسان طبيعة بوذا الكامنة في نفسه، وبوذا يعني "الرجل المتيقظ"، تاركاً كل ما حمل من مفاهيم وقيود وقناعات، عليه فقط أن يجد نفسه، يقول الماستر بيشينغ "بيتك الثمين هو نفسك، فإن به كل ما تحتاج".

نفسك في الطريق المقابل لك، تمضي للقائها دون موعد، فالعمر استثمار رأس ماله التجربة، والأيام هي الأرجل السحرية التي تحملكم إلى أنفسكم التي تحلمون.

أنت لنفسك إن كنت تدركها، وكل يوم إلى نفسك أنت أقرب..

شكراً لذاتنا، صورتنا الأقرب إلى الحقيقة، شكراً لذاتنا وعد صورة المرآة الصادق فينا، ذاتنا حقيقتنا الواضحة في منتديات الوهم إن كانت بصيرتنا قادرة على رؤيتها.

وأنا حين أدون فكرة أكون إلى نفسي أقرب..

أما إن كنت تلعن الندى الذي غادر خلف شعاع الشمس بعد أن انتظرك في أحلك ساعات الليل، فأنت الآن إلى نفسك أبعد..

والبعض إلى سراب النفس أقرب..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد