من بين آلاف اللاجئين الذين تجمعوا في اسطنبول، تواجه الفتيات بعيداً عن أهليهن تحدياً خاصاً، سيما إن كانت تمر بتجربة الحمل والأمومة لأول مرة في بلد تعيش فيها عزلةً لغويةً قاسية.
هؤلاء 13 فتاة مصرية جمعتهن رحلة الحمل في اسطنبول في ذات التوقيت وذات الظروف، فاجتمعن في "غروب" مغلق على تطبيق WhatsApp، لتحكي كل منهن بين ثنايا الدردشة قصة "حوامل اسطنبول".
5 من هؤلاء الفتيات وضعن مواليدهن بالفعل بعيداً عن دعم الأهل والأمهات والثمانية الباقيات ما زلن ينتظرن الولادة ويمثل هذا الغروب للجميع فرصةً لتبادل الخبرات وطرح الأسئلة وتلقي الإجابات.
بالإضافة إلى نصائح الحمل والأمومة الاعتيادية، تشغل فتيات الغروب مشاغل إضافية سببها خصوصية المكان والظرف، ولذلك فالحوارات عموماً تدور حول ثلاثة موضوعات مختلفة.
1- غياب الأهل
واحدة فقط من الـ 13 فتاة كان باستطاعتها أن تكون برفقة أهلها في مصر أثناء الولادة. الولادة بحضور الأم هي إحدى المسلّمات الرئيسية في المجتمع المصري.
فتجهيزات المولود وإرشادات الوضع ونصائح التغذية والرضاعة هي حق حصري للجدة المصرية ومقدمة على رأي الطب ذاته.
الظروف بالنسبة لفتياتنا كانت مختلفة نتيجة ظروف البعد عن الوطن وعدم التمكن من العودة إلى مصر – لأسباب مختلفة – للولادة في حضن الأهل، فكان الحل هو استقدام الأم إلى اسطنبول، وهو ما يبدو حلاً منطقياً للوهلة الأولى.
لكن هذا الحل تقف أمامه عقبة قوانين التأشيرة، فرغم سهولة الحصول عليها لمن جاوز الـ 45 من العمر، فإنها تمنح الزائر شهراً واحداً فقط تحتار حواملنا في اختيار موعده الأمثل.
"أسبوعان قبل الولادة وأسبوعان بعدها"، تعلق إحدى الفتيات معتبرة إياه حلاًً وسطاً. لكن التحدي يبقى في معرفة توقيت دقيق للولادة تحصل خلاله الجدة على ميعاد وصول يضمن لها التواجد في نطاق الشهر كما هو مرتب.
ومع استحالة تحديد موعد بهذة الدقة، تطالب إحدى عضوات "غروب" الحوامل بتأشيرة خاصة من الحكومة التركية تحت بند "أم لإحدى حوامل اسطنبول".
يحتدم النقاش دائماً عند نقطة الأهل في "الغروب" ويصل في العادة إلى تعليقات ساخرة يغلفها حزن خفي، وقلق من احتمالية "الولادة وحيدة دون أمي".
2- مشكلة اللغة
يعرف الزائر قبل المقيم في تركيا أنه يندر أن تجد تركيًا يتحدث لغةً أجنبية، بل يقول البعض إن موظف شؤون الإقامة والهجرة ينظر إليهم مندهشاً إذا تحدثوا بأي لغة غير التركية التي لا يتقن سواها.
الموظف ينظر لهذا الأجنبي – يسمونه يابنجي – مستغرباً ومستنكراً أنه لم يتعلم التركية في بلاده، فما بالك بالمستشفيات التركية والأطباء الأتراك.
عناوين المستشفيات وعيادات التوليد التي تقدم خدمة المترجم المرافق هي إحدى المحاور الرئيسية لحوار حوامل اسطنبول.
أطباء التوليد الذين يمكن الثقة بهم عملة نادرة لأي حامل، أضف إليها عامل اللغة، وأسعار الكشف التي تتراوح ما بين 50 إلى 300 ليرة تركية (من 20 إلى 120 دولار أمريكي تقريباً)، هي المادة المعلوماتية الأولى في "الغروب" والتي تفوق في كثافتها على معلومات الحمل الأساسية ذاتها.
3- أسماء الأطفال
رحلة البحث عن اسم لطفلك لا يسبب له الإحراج لاحقاً في مدرسة تركية – فالإقامة هنا قد تطول حتى يدخل المدرسة -، وينبغي في هذا الاسم أيضاً أن يكون مقبولاً عربياً، وحل هذه المعادلة هو أحد شواغل حوامل اسطنبول.
فرغم تشابه بعض الأسماء التركية والعربية، فإن تحريف الاسم يبقى هاجساً. فاسم "أسماء" سيتحول على لسان الأتراك إلى "Essma"، وهو الاسم الذي ينادي به البائعون الأتراك على أي سائحة عربية.
في الغروب تجد قاموس الأسماء التركية، و بين الحين والآخر يخرج اسم يبدوا ذا معنى مثل "آزاد" ليتضح لاحقاً أنه فارسي ويعني "المفرج عنهم من السجن حديثاً".
أسماء أخرى مثل "سعد" سينطقونه بالتركية "Saat"، وهي تعني "الساعة" ما يعني أن أصحابه في المدرسة سيجعلونه مادةً للسخرية، ينبغي إذن مراعاة للاسم أن يكون الاسم هو "سعد الدين" حتى يكون مقبولاً في تركيا كـ "sadettin".
إحدى الحوامل ممن تتحدثن التركية تقول "الأسماء التركية معانيها جميلة ونطقها قاسٍ. أخاف أن أتحمس لأحدها فأجد أن ابني اسمه "كوركماظ" ، ويعني "الذي لا يقهر".
تترقب حوامل اسطنبول ضيوفهن الجدد بحماسة في دردشة خفيفة في "غروب" مغلق عليهن. دردشة تحمل آمالاً تهون آلام الحمل والولادة والحزن على ترك الأوطان، فترى فيهن قول أحمد شوقي:
هذا مقامُ الـأُمهاتِ، ** فهل قدرت الـأُمهات؟
لا تَلْغُ فيه، ولا تقل ** غيرَ الفواصلِ مُحْكَمات