هل يميل طفلك إلى ترك المهام والأنشطة التي ينخرط فيها مهما كانت سهلة أو غير مُعقدة بشكل يجعلك قلقاً من أن يكبُر ليصبح شخصاً ناضجاً ملولاً، قليل الصبر والإصرار والمثابرة في حياته الشخصية؟
لحسن الحظ هناك العديد من الدراسات في علم النفس التي بحثت في كيفية تحفيز وتعزيز قدرات الإصرار والمثابرة عند الأطفال، ووجدت أن هناك بعض الأنماط التربوية التي من شأنها تقوية تلك السمات عن طفلك منذ سنّ مبكرة.
التدخُّل المستمر لإتمام المهام عن الطفل يفقده المهارة
ووجد تقرير نشرته مجلة تنمية الطفل أن المثابرة عند الأطفال والإصرار على إتمام مهمة صعبة يتضرران بصورة جذرية عندما يتولى شخص بالغ المسؤولية عنهم كلما واجهوا المشكلات.
ووجدت إحدى الدراسات التي ذكرها التقرير، وتم فيها ملاحظة 34 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 4 و8 سنوات، أن الآباء الذين يميلون إلى تولي مسؤولية إتمام مهمة صعبة عن طفلهم، كانوا هم الأكثر عرضة لتصنيف أطفالهم على أنهم أقل إصراراً ومثابرة.
فيما فحصت دراسة تجريبية أخرى على 150 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 4 و5 سنوات، إلى أي مدى يتسبب تولي أحد الوالدين للمهام عن أطفالهم في ثبات الأطفال أو تعزيز صبرهم وإصرارهم على تحقيق الأمور.
وأشارت نتائج هذه التجربة بحسب مجلة Psychologytoday، إلى أن الأطفال أصبحوا أقل قدرة على المثابرة والصبر على نشاط معين عندما يتدخل الآباء لمساعدتهم، في مقابل مساعدة الآباء لأطفالهم شفهياً فقط كتوجيه ومساعدة دون تدخُّل لإتمام المهام.
ولفتت النتائج كذلك إلى أن الأطفال يميلون إلى اكتساب تلك السمات عندما يراقبون الكبار يفعلون مثل هذا الأمر بدورهم، بمعنى أنهم يكتسبون سمات الإصرار والمثابرة كلما كان آباؤهم معتادين على الصبر في إتمام المهام أمام أولادهم.
كيف يمكن تعزيز سمات الإصرار والمثابرة عند الأطفال؟
لفت موقع Aha Parenting التربوي إلى أنه أحياناً قد يرغب بعض الآباء في أن يكون طفلهم أقل إصراراً، خاصة خلال سنواته الأولى، لكي يستجيب ويستسلم بشكل كامل لوالديه.
لكن حقيقة الأمر أن المثابرة هي صفة رائعة في الإنسان، ومن الضروري تعزيزها لدى الأطفال منذ السنوات الأولى لكي يكبروا ويصبحوا أشخاصاً بالغين قادرين على تحديد ما يريدونه من الحياة، والإصرار والمثابرة على تحقيقه مهما قابلوا من صعاب.
وبالرغم من أنها قد تكون سمات شخصية مُكتسبة بصورة طبيعية في شخصية الطفل أو موروثة، إلا أنه من الممكن تعزيز سمات الإصرار والمثابرة عند الأطفال من خلال التدريب والتجربة والإصرار على النجاح.
ولتعليم المثابرة، من المهم أن تجد أولاً طرقاً يحدد بها طفلك أهدافه، على سبيل المثال تحديد هدف توفير المال لشراء لعبة معينة، بعد ذلك قم بتوضيح الخطوات التي سيتبعها الطفل لتحقيق الهدف، وكذلك التأكيد على قيمة تحقيق الهدف والشعور بالسعادة عند إنجاز كل خطوة، ثم ابحث عن طرق لتكرار تلك العملية، مع مراعاة اختيار أهداف صغيرة في البداية.
ويقترح الخبراء بحسب موقع Horizon Education Centers، أن تسمح لطفلك باختيار الأهداف بنفسه، ومن ثم يمكنك مساعدته أو مساعدتها في وضع خطة لتحقيقه. وهذا لأنه من المرجح أن يعمل طفلك بجهد أكبر إذا أراد تحقيق هدف معين.
كذلك كن نموذجاً للمثابرة دوماً أمامه، وشارك بعضاً من أهدافك الخاصة ثم أظهِر لطفلك كيف قمت بتحقيقها.
مكافأة المثابرة عند الأطفال وتوفير فرص لاكتساب تلك السمة
تقدّم الرابطة الوطنية لتعليم الأطفال الصغار أيضاً خطوات محددة لتعزيز المثابرة عند الطفل، وتشمل ما يلي:
- زوّد طفلك بأنشطة متعددة لتحديه، مثل ألعاب الرياضيات التي تقدم العديد من طرق حل المشكلات، والتي تحدد جوائز معينة عند حلّها.
- لا تحاول "إصلاح" المشكلة بنفسك أو دفعه بعجلة للوصول للنتيجة؛ بل يجب أن يكون هدفك هو بناء الثقة في طفلك حتى يتمكن من حل المشكلة، من خلال المثابرة والصبر حتى النهاية.
- تقديم التوجيه الملائم إذا لاحظت أن طفلك يشعر بالإحباط والغضب؛ أحد الأمثلة على ذلك هو تثبيت لوحة الألغاز لطفلك و/أو اقتراح أنه قد يكون من المثير للاهتمام معرفة ما سيحدث إذا تم قلب قطعة اللغز بطريقة أخرى، وهكذا.
- استمر في إعطاء ملاحظات إيجابية لطفلك وشجعه على المثابرة وكافئه.
ومن الضروري معرفة أن الأطفال الذين لم يتم تزويدهم بأنشطة صعبة تتحدى قدراتهم، أو الذين يتلقون ردود فعل سلبية أو قاسية حيال ثقتهم بأنفسهم يميلون إلى إظهار دوافع أضعف وأقل. وينطبق الشيء نفسه على الأطفال الذين يتلقون المديح المفرط مثل "أنت ذكي جداً" حتى لو لم يحاول أن يبذل جهداً، وكذلك عند التحكُّم المفرط في بيئته وتقييد حريته في التفكير واتخاذ القرارات.
توقع من طفلك المثابر أن يقاومك في بعض الأحيان
إذا كانت لدى طفلك شجاعة الإصرار على قناعاته فقد يصبح ذلك دافعاً مرهقاً لك عندما يعصى أوامرك أو يصرّ على أمر في غير مصلحته، وغالباً ما يكون في تلك الحالة غير منفتح على البدائل.
ومع ذلك الحل الأصوب في التعامل مع هذا النمط السلوكي هو صبرك أنت في التعامل مع المشكلة، ومعرفة أنه مع تقدُّمه في السن سيكتسب المرونة والخبرة.
فقط توقع نوبات غضباً أكثر من المعتاد خلال سنوات الطفولة المبكرة، خاصة إذا كنت تعمل على تعزيز تلك السمة فيه بشكل دائم.
امنحه فرصة الشعور بالحزن والإحباط
من أجل تعزيز المثابرة عند الأطفال توقّع أنهم سيعانون في لحظات كثيرة من الإحباط والمشاعر المُختلطة. وبالتالي يجب عليك التعاطف معه تغيراته النفسية خلال الرحلة، وتأكد من معرفة ما يريده ولماذا يريده، وفي نفس الوقت ضع بعض الحدود الصارمة لكي لا يتحول الموضوع إلى تسلُّط.
وبحسب موقع Aha Parenting التربوي، فإن صرامة تلك الحدود التي وضعتها ستزيل أي احتمالية لتطويره سمات مثل العند والتسلُّط وحُب السيطرة، ومع ذلك استعد أنه سيشعر بالحزن وخيبة الأمل أحياناً.
وهذا يعني أنه قد ينفجر من الحزن، لكن هذا شيء جيد؛ إذا كنت تستطيع البقاء متفهماً، فسوف تظهر لك خيبة أمله، ويتعلم المرونة للنجاة من خيبات الأمل في المستقبل.
وبالوقت سيتعلم الطفل أنه لن يحصل دائماً على ما يريد، ولن يحقق دوماً ما يتمناه، لكنه سيحصل على شيء أفضل في حقيقة الأمر، وهو أن والديه يتفهمان رغباته ومعاناته ويحبونه بدون شروط.
في النهاية، سيكون ابنك هو الشخص الذي يحقق أحلاماً كبيرة رغم كل الصعاب، لأن الأشخاص المثابرين فقط هم من يمكنهم فعل ذلك.
لتعزيز المثابرة عند الأطفال يجب تقديم الدعم العاطفي
إذا كان طفلك يريد ترك تدريب كرة القدم بعد أول أسبوع، فاستمع إلى أسبابه وامنحه أذناً مصغية فعلاً. ربما لا يكون الأمر كما تعتقد، وهو يفضّل الجري فحسب، عوضاً عن التنافسية في ألعاب الكرة الجماعية. وهذا أمر جيد أن يتعلم الطفل ما يريد وأين يكمن شغفه.
أما إذا أراد الطفل إنهاء كل شيء يبدأه من أنشطة أو هوايات، فهذا قد يعني أن هناك شيئاً ما يعترض طريقه، ومن شبه المؤكد أن الأمر يكمن في بعض المخاوف، خاصة إذا كان الطفل يميل للامتناع عن كافة المهام الجديدة بالنسبة له.
لذا ساعده في التغلب على تلك المخاوف من خلال اللعب معه وإمضاء وقت قيّم من الحكي والتواصل لمساعدته على التعبير، ولا تنسَ إخباره أنك شخصياً تقترف بعض الأخطاء، وأنه أمر طبيعي، وبشري تماماً عدم الرغبة في القيام بالأمور أحياناً.
ولكن ماذا لو بكى الطفل وواصل رفض القيام بالمهام والأنشطة التي تمنيت أن يمارسها؟ تأكد أنه أمر ما يحدث أكثر مما أنت على دراية به. مثلاً هل المعلم أو المدرب يخيفه بطريقة ما؟ هل يتنمر عليه أحد زملائه؟ هل يحدث شيء مزعج؟ لكن في معظم الأوقات بمجرد أن يبدأ الطفل في الاستمتاع بالنشاط وتحقيق ولو جزءاً بسيطاً من التفوق فيه سيسعد لمجرد تجاوزه لهذه العقبات، وسينتهي به الأمر بحبها والرغبة في ممارستها أكثر. وحتى لو لم يحدث ذلك فستتعلم أنت من خلال تلك التجربة عن رغبات جديدة في شخصيته وأمور متعلقة بتفضيلاته ومواهبه.
لا تتجاهل الحصول على اللعب والاستراحة
من الذكي دوماً عند محاولة تعزيز سمات المثابرة عند الأطفال أن نتذكّر الحصول على قسط وافر من الراحة واللعب، لكي يستعيد الطاقة والرغبة في معاودة المحاولة.
ويشدد موقع Aha Parenting على ضرورة تعليم طفلك أن يراقب مزاجه، وأن يأخذ قسطاً من الراحة عندما يحتاج إلى ذلك. وعاجلاً أم آجلاً سيحقق تفوقاً وإنجازاً في اكتساب سمات الإصرار وقوة العزيمة.