ثقة الطفل في نفسه تُعد بمثابة مفتاح العقلية والصحة النفسية السعيدة له على مدار حياته المستقبلية، فهي تحدد مدى نجاح الشخص، ومستوى رفاهيته وسعادته وقدرته على التأقلُم والتصرُّف حيال متغيرات الحياة.
وفي مختلف المراحل العُمرية يُؤثر ما تشعر به حيال نفسك على طريقة تصرفك وتعاملك مع المتغيرات، لذلك نستعرض في هذا التقرير أبرز الخطوات التربوية التي ينبغي للآباء اتباعها ومراعاتها من أجل بناء ثقة الطفل في نفسه وتقويتها خلال سنواته الأولى.
تعريف ثقة الطفل في نفسه وتبعاتها في بناء الشخصية
عملية بناء ثقة الطفل في نفسه هي عملية مستمرة طوال عمره، لكن أساساتها وقواعدها تبدأ في وقت مبكر، وتكون عندما ينظر الطفل إلى نفسه فيشعر بالراحة والرضا عن هذا الشخص الذي يرى انعكاسه.
ومنوط بشعور الرضا عن الذات قدرته على التفكير في أنه شخص قادر على تحقيق الأمور، ويمتلك العديد من القدرات والمواهب، ويستحق الحُب طوال الوقت، لذلك يُعد الآباء هم المصدر الرئيسي لإحساس الطفل بقيمة الذات وثقته في نفسه.
ويُعرّف موقع Young Minds التربوي أن من تبعات ثقة الأطفال في أنفسهم:
- امتلاك صورة إيجابية عن أنفسهم والتصرُّف بثقة.
- تكوين الصداقات بسهولة وعدم القلق من التواصل مع الأشخاص الجدد.
- اللعب في مجموعات أو بمفردهم بنفس الأريحية.
- سعيه لحل المشكلات بنفسه، وإذا لم يكن قادراً على ذلك طلب المساعدة بسهولة.
- قادر على الشعور بالفخر بإنجازاته الصغيرة.
- قادر على الاعتراف بالأخطاء والتعلُّم منها.
- لديه قابلية لتجربة وتعلُّم الأشياء الجديدة وقادر على التكيُّف مع التغيير.
أما إذا عانى الطفل من فقدان الثقة في نفسه فيكون لذلك آثار سلبية عديدة على سلوكه ومستوى حياته، وتشمل وفقاً لذات الموقع:
- امتلاك صورة سلبية عن نفسه، والشعور بالسوء ورؤية نفسه قبيحاً، أو غبياً، أو غير محبوب ومقبول من الآخرين.
- عدم الثقة في نفسه وفي الأمور الحياتية المختلفة.
- صعوبة تكوين الصداقات والحفاظ عليها، وعقدة الشعور بالاضطهاد من الآخرين.
- الشعور بالوحدة والعُزلة والانطواء.
- الميل إلى تجنُّب الخروج من حيّز الراحة أو ما يُعرف بـComfort Zone، والخوف من الأشياء الجديدة وصعوبة التعامل مع التغيير بأنواعه.
- عدم القدرة على التعامل مع الفشل بشكل جيد وصحي.
- الميل إلى الحط من قدر نفسه ووصم نفسه بصفات مذمومة مثل: "أنا غبي" أو "لا يمكنني فعل ذلك" أو "أنا فاشل".
- عدم الفخر بالإنجازات مهما بلغت، والشعور الدائم بأنه كان من الممكن تحقيق أكثر من ذلك.
- مقارنة أنفسهم باستمرار بأقرانهم بطريقة سلبية والحط من قدر الذات.
وفي العادة ينخفض احترام الذات لدى معظم الأطفال عندما يمرون بمراحل أو تحديات مختلفة في الحياة بدرجات متفاوتة، ويمكن أن يؤثر بدء مدرسة جديدة، أو نقل المنزل وبلد السكن، والتغييرات في الأسرة، والعديد من العوامل الأخرى على ثقة الطفل في نفسه، ولكن بدعم من الوالدين والبالغين الآخرين في دائرته يمكن لتلك الأحداث المؤثرة أن تمُرّ دون أن تتسبب في تشويه نفسية الطفل، بحسب Young Minds.
كيف يمكن للآباء تقوية ثقة الطفل في نفسه؟
إذا قمت بتربية طفلك على أن يكون واثقاً من نفسه ولديه تقدير صحي لذاته فهذا يعني أن لديه فهماً واقعياً لنقاط القوة والضعف لديه، ويستغل نقاط القوة بشكل صحي، ويعمل بوعي على قبول نقاط الضعف ومعالجتها بالصورة المناسبة.
ونظراً لذلك من الضروري الانضباط عند محاولة بناء وتقوية ثقة الطفل في نفسه، ويتم ذلك من خلال التقنيات التربوية التالية:
الاستجابة والاهتمام
الاستجابة للطفل هي مفتاح القيمة الذاتية وثقة الطفل في نفسه، مثلاً يعطي الطفل إشارةً مثل البكاء، من أجل استجابة إطعامه أو تهدئته أو علاج مغصه. ومن المفروض أن يستجيب مقدم الرعاية بسرعة وثبات لاحتياجات الطفل الرضيع، ونظراً لتكرار نمط الاستجابة هذا آلاف المرات خلال سنواته الأولى، يتعلم أن إشاراته لها معنى: "شخص ما يستمع إليك ويحميك، وأنت جدير بالرعاية والاهتمام".
وبحسب موقع Ask Dr. Sears التربوي، لا تكون الاستجابة الأبوية للطفل فورية طوال الوقت، لكن النمط السائد هو الذي يحدد قدرة الطفل على الشعور بالثقة في والديه، وبالتالي ثقة الطفل في نفسه وقيمته عند أحبته.
من ناحية أخرى، فإن الطفل المنفصل أو الذي يتم تجاهله مُرتبك. إذا لم يتم تلبية احتياجاته ولم تتم الاستجابة لإشاراته أو الانتباه له من الأساس فإنه يشعر أن احتياجاته لا تستحق استجابة الآخرين، وهذا يؤدي إلى استنتاج مفاده "أنا لست جديراً بالاهتمام، أنا تحت رحمة الآخرين وفقاً لهم هم، وليس هناك ما يمكنني فعله للوصول إليهم".
ويقضي الأطفال الذين اعتادوا هذه الدرجة من الأمان والراحة باستجابة الآباء لاحتياجات سنواتهم الأولى باقي عمرهم بشعور أكبر بالأمان، ويتعاملون بشكل أفضل مع نكسات الحياة، والقدرة على تجاوز العقبات والوقوف من جديد.
قم ببناء ثقتك أنت في نفسك!
أثناء رعاية طفلك غالباً ما تشفي نفسك أيضاً، لأنك ترى حينها مشاكل ماضيك وتأثير الطفولة على سلوكيات حياتك.
وبالرغم من أن ثقة الطفل في نفسه أمر مُكتسب وليس وراثياً يتم تعلُّم بعض سمات الأبوة والأمومة وسمات شخصية معينة من الوالدين، مثل الغضب والخوف.
وبحسب Ask Dr. Sears، يمنحك إنجاب طفل الفرصة لتصبح الوالد الذي تتمناه لنفسك، وإذا كنت تعاني من تدني الثقة بالنفس، فاتخذ خطوات لعلاج نفسك وكسر هذا النمط.
مثلاً، حدِّد كيف أثَّرت تربية والديك لك في بناء ثقتك في نفسك، ثم حدِّد كيف أثَّرَا سلباً في صورتك الذاتية، وبناءً عليه اختر نمط التربية الملائم للطفل مع الاستعانة بأطباء الصحة النفسية خلال تلك الرحلة لتحقيق فهم أفضل.
أنتَ مرآة طفلك
ثقة الطفل في نفسه لا تُبنى فقط على إدراكه لنفسه، بل على رؤية المقربين منه لشخصيته، وهذا ينطبق بشكل خاص على الأطفال في سن ما قبل المدرسة الذين يتعلمون عن أنفسهم من ردود فعل والديهم. مثلاً هل تُشعر طفلَك أنه ذكي، شجاع، جميل ومحبوب؟
عندما تعطي طفلك انعكاسات إيجابية له يتعلم منك كيف يفكر في نفسه ويرى ذاته، كما سيعتمد عليك أيضاً في إخباره متى يكون سلوكه سلبياً، هكذا يكون رد فعلك نفسه بمثابة وسيلة للانضباط والتربية، وفقاً لـAsk Dr. Sears.
كن واقعياً لكن لا تنسَ اللعب
يلفت ذات الموقع إلى أنه لا يمكنك أن تكون منتبهاً ومبتسماً لطفلك طوال الوقت. يجب أن يعرف الطفل أن الوالدين يمرّان أحياناً بوقت صعب، وهذا يُنمّي حساسية الطفل تجاه مشاعر دائرته المقرّبة ويجعله أكثر وعياً.
وتذكّر أن اللعب مع طفلك سيُخبرك بالكثير عن نفسك، وعنه في الوقت نفسه، إذ يعطي وقت اللعب رسالة للطفل مفادها: "أنت تستحق وقتي، أنت شخص ذو قيمة".
ومن المعروف أن الأطفال يتعلمون من خلال اللعب أكثر من أي وسيلة أخرى في سنواتهم الأولى، كما يحسّن سلوك الطفل عبر تقوية مشاعره بالأهمية والإنجاز.
وخلال اللعب قم بتعزيز شعور الطفل أنه مميز بصبّ كل التركيز عليه، لأن الأطفال قادرون على الشعور بعدم تركيز آبائهم معهم، ما سيُهدر ساعات اللعب ويُفقدها تأثيرها الإيجابي على الوالدين والطفل على حدٍّ سواء.
خذ خطوةً للوراء واترك له بعض القرارات
هناك طرق أفضل لبناء احترام الذات عند طفلك بخلاف الثناء على كل شيء يقوم به. ويقول جيم تيلور، مؤلف كتاب أطفالك يستمعون: 9 رسائل يحتاجون لسماعها منك، إنه للقيام بذلك عليك أن تتعلم التراجع خطوة للوراء، والسماح لطفلك بالمخاطرة واتخاذ الخيارات وحل المشكلات والالتزام بما بدأه وتحمُّل مسؤولية أفعاله بوعي.
ولفت الكاتب وفقاً لموقع Today's Parents التربوي، إلى أنه عندما يتخذ الأطفال خيارات مناسبة لأعمارهم، فإنهم يشعرون بمزيد من القوة والثقة في أنفسهم. على سبيل المثال، يمكن للأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن عامين البدء في التفكير في عواقب قراراتهم عند اختيار معطف الشتاء، أو عند رفض تناول الطعام في أوقات الوجبات اليومية، لأنه إذا ما شعر بالبرد والجوع فسيتعلم حينها الفارق بين الدفء والبرودة، والجوع عند عدم الأكل، وبالتالي يتحكمون في المرة التالية عند اتخاذ القرار بشكل أكثر وعياً ومسؤولية.
شجِّع مهاراته وقدراته الخاصة
لتعزيز ثقة الطفل في نفسه شجِّع مواهبه ومهاراته المختلفة، لأن الاستمتاع بنشاط واحد يعزز صورة الطفل الذاتية، وينتقل هذا إلى نقاط أخرى في صورته عن نفسه وسلوكياته وقدرته على تحقيق الإنجازات.
لذلك ينصح موقع Ask Dr. Sears بالتعرّف على مواهب الطفل ومساعدته في تعزيزها، حينها ستجد أثر هذا التشجيع يُترجم في مستواه الدراسي، وانضباطه سلوكياً، وتحليه بالأخلاقيات الحميدة التي يراها فيمن حوله.
ثقة الطفل في نفسه خلال مراحل المدرسة
في المدرسة، قد يقارن الأطفال أنفسَهم بأصدقائهم وزملائهم في الفصل. وفي هذا العمر يميل تقدير الذات عند الطفل إلى الارتباط بالعديد من الأشياء، بما في ذلك مستواه الدراسي، وصداقاته، وتفاعله مع أقرانه، ومستواه في النواحي الفنية والمهارية.
وقد تُضعف التحديات المدرسية ثقة الطفل في نفسه، ويشعر بأنه أقل قدرة من الآخرين للمرة الأولى، لكن هذا سيساعده على تعلم أنه ليس بحاجة إلى أن يكون مثالياً لكي يحظى بالحُب والتقدير والإعجاب.
وفيما يلي بعض الطرق التي يمكن من خلالها مساعدة الطفل في مرحلة المدرسة في تعزيز صورته الذاتية، بحسب موقع Raising Children التربوي:
منح المزيد من الحب والعناق في نهاية اليوم الدراسي.
ملاحظة مجهود الطفل وشجاعته في التعامل مع المواقف المختلفة والصعبة خلال اليوم الدراسي.
شجِّع طفلك على المحاولة مرة أخرى عندما لا تسير الأمور كما هو مخطط لها في المرة الأولى. ويمكنك أن تقول "استمر، جرّب مرة أخرى، أعتقد أنه يمكنك فعلها"، هذا أيضاً يبني مرونة الطفل ومثابرته.
عزِّز علاقةً جيدةً بين المدرسة والمنزل من خلال التحدث مع المعلم لمعرفة مستوى طفلك. من الجيد أيضاً أن تنخرط في الحياة المدرسية إذا استطعت، وأن تبدي اهتماماً بواجب طفلك المدرسي والواجبات المنزلية.
الثناء الإيجابي والحُب غير المشروط
رغم شيوع إساءة استخدام الثناء مع الأطفال، فإنه عندما يكون محدداً ومناسباً فهو عامل قيم لتعزيز ثقة الطفل في نفسه.
إليك كيف تمدح طفلك بطريقة صحيحة وفقاً لموقع Kids Health:
لا تبالغ في الثناء: المديح الذي لا يكون مُستحقاً لا يحقق هدفه، على سبيل المثال، إخبار طفلك بأنه متفوق رغم رسوبه سيجعله يعلم أنك غير صادق، وأن شعوره بالاعتزاز والفخر بنفسه مزوّر وغير واقعي.
من الأفضل أن تقول "أعلم أن هذه لم تكن أفضل نتائجك، لكن لدينا جميعاً أيام راحة وتعب، أنا فخور بك لأنك لم تستسلم وستحاول أكثر في المرات المقبلة".
تجنب تركيز المديح على النتائج، مثل الفوز بنتيجة معينة في مباراة كرة قدم بمدرسته، أو أن يحقق درجات علمية معينة، أو أن يتّصف بصفة بعينها، أن يكون رياضياً أو ذكياً مثلاً.
بدلاً من ذلك، قدِّم الثناء وفقاً لجهده المبذول، ومستوى التقدُّم، والسلوك العام.
ومع هذا النوع من المديح يبذل الأطفال جهداً أكبر في الأشياء، ويعملون على تحقيق الأهداف بسبب إحساسهم بالتشجيع، وهي الأمور التي من شأنها مساعدة الطفل في تحقيق النجاحات بالفعل.
امتنع تماماً عن الانتقاد والمقارنة بالآخرين
الرسائل التي يسمعها الأطفال عن أنفسهم من الآخرين تُصبح هي صوتهم في الحديث مع أنفسهم، وترديد كلمات مثل "هل أنت غبي؟ أنت كسول جداً، أو أنت غير مُجتهد مثل فلان صديقك"، كل ذلك ضار وغير مُحفز البتة.
وهي رسائل سلبية تُدمر ثقة الطفل في نفسه، وتضرّ احترامه لذاته، وعوضاً عن ذلك ركّز على ما تريد من الطفل تحقيقه، وعلِّمه بصبر كيف يمكن تحقيقه في المرة المقبلة، بحسب Kids Health.