تتيح الرضاعة الطبيعية فرصاً عظيمة لدعم صحة الأمهات والرضع. وينطبق ذلك بصفة خاصة على فترة الجائحة الحالية، نظراً إلى قدرة الرضاعة الطبيعية على المساعدة في توفير الغذاء للرضع. كما تُثبت الأبحاث أن حليب الأمهات اللواتي شُفين من كوفيد-19 يشكّل مصدراً للأجسام المضادة لهذا الفيروس، كما أن حليب الأم يُعدُّ الغذاء الوحيد الذي ينشأ خصيصاً لإطعام البشر.
الرضاعة الطبيعية تعزز المناعة الذاتية
إلى جانب توفير الغذاء، يمنح لبن الأم حماية خاصة لجهاز المناعة. واكتشف العلماء إنزيمات وهرمونات وأجساماً مضادة وخلايا حية في لبن الأم، ويمكن لتلك العناصر ذات التأثير البيولوجي أن تتيح تطوير علاجات جديدة، ليس فقط لكوفيد-19، بل كذلك لأمراض المناعة الذاتية وداء السكري والسرطان.
ومع ذلك، من اللافت أننا لا نزال لم نفهم بشكل كامل تركيب حليب الأم، أو الأساس البيولوجي لآثاره الصحية المتعددة. وفي الواقع، نُشرت دراسات علمية تتعلق بالصداع أكثر من تلك المتعلقة بالرضاعة الطبيعية، وخصصت المعاهد الكندية للبحوث الصحية ومجلس بحوث العلوم الطبيعية والهندسة بكندا أموالاً لدراسة الذُّرة أكثر من تلك المخصصة لدراسة حليب الأم.
الرضاعة الطبيعية تقوّي الترابط بين الأم والطفل
تدعم عملية الرضاعة الطبيعية الترابط بين الأم والرضيع، وتساعد على الوقاية من سرطان الثدي والمبيض لدى الأمهات. ومن المؤسف أن غالبية الأمهات لا يتمكنّ من القيام بالرضاعة الطبيعية، ناهيك عن تنفيذ التوصيات التي تنصح بالرضاعة الطبيعية دون سواها لمدة ستة أشهر، تليها 18 شهراً من الرضاعة الطبيعية إلى جانب أطعمة أخرى.
يدعو ذلك إلى القلق بصفة خاصة خلال الجائحة الحالية؛ إذ قد تُفصَل الأمهات المصابات بكوفيد-19 عن أطفالهنّ حديثي الولادة (رغم توجيه منظمة الصحة العالمية بفعل عكس ذلك)، وكثيراً ما يكون تشجيع الرضاعة الطبيعية غير متاح بسبب إلغاء الزيارات الصحية العامة وتعليق خدمات الرضاعة في العديد من الأماكن.
عقبات تواجهها الرضاعة الطبيعية
تعلم جميع الأمهات أن تغذية الرُّضع مسألة معقدة، وكثيراً ما يثير ذلك مشاعر قوية تستند إلى التجربة الشخصية. ويمكن لتجارب الرضاعة الطبيعية الصعبة أو السيئة أن تثير مواقف متمثلة في "رفض الرضاعة الطبيعية".
وفي المقابل، يرفض بعض مؤيدي الرضاعة الطبيعية الاعتراف بأن الرضاعة الصناعية تُعتبر -بالنسبة لبعض الأسر- ضروريةً لأسباب طبية أو شخصية أو مجتمعية أو اجتماعية واقتصادية. وتسبب هذه المواقف المتطرفة توتراً للباحثين الذين يعملون من أجل إعداد إرشادات شاملة تستند إلى الأدلة لتغذية الرضع.
كذلك تسبب الشراكات الصناعية توتراً في هذا المجال، لأن قطاع صناعة أغذية الرضع كثيراً ما ينتهك اﻟﻣدوﻧﺔ اﻟدوﻟﻳﺔ ﻟﻘواﻋد ﺗﺳوﻳق ﺑداﺋﻝ حليب اﻷم، وقد تفاقمت الانتهاكات أثناء الجائحة. ومع ذلك، بسبب نقص تمويل أبحاث الرضاعة الطبيعية، غالباً ما يواجه العلماء الاختيار بين التمويل الذي يقدمه القائمون على هذه الصناعة أو عدم وجود تمويل على الإطلاق.
ما الذي يمكن عمله
بطبيعة الحال، لا يمكن وجود توافق تام بين جماعات تأييد الرضاعة الطبيعية والأوساط البحثية، ولكن ينبغي إيجاد أرضية مشتركة لدعم صحة الأم والطفل بأفضل شكل.
إذ ينبغي للحكومات ومنظمات التمويل غير الهادفة للربح الاعتراف بأهمية الرضاعة الطبيعية وحليب الأم، واستثمار المزيد من الموارد في هذا المجال.
أما الباحثون، فينبغي عليهم تكوين فرق متعددة التخصصات لدراسة حليب الأم كنظام بيولوجي، والتفكير بشكل شامل بخصوص "تحديات الرضاعة الطبيعية" في سياق النظم الاجتماعية المعقدة، مثل أوجه عدم المساواة الاجتماعية، وسياسات إجازة الأبوة، وصعوبات الرضاعة، ولبن الأم المتبرع به.
كما ينبغي أن تشارك الشركات والباحثون وجماعات الدفاع عن الرضاعة الطبيعية في إجراء بحوث على الرضاعة الطبيعية ولبن الأم وإعداد تقارير بالنتائج.
كما يتعين على جميع الفئات أن تتواصل بشكل فعال بين بعضها البعض، ومع قطاعات الرعاية الصحية والقطاعات البحثية وقطاعات الدولة. ويعني ذلك توفير أو تقاسم موارد واضحة لنقل أدلة علمية خالية من تضارب المصالح، موجهة إلى كل الجماهير المستهدفة، مثل صحائف الوقائع الموجهة إلى صانعي السياسات، ومقاطع الفيديو التفاعلية الموجهة إلى العامة، ومخططات بيانية للمعلومات الموجهة إلى مقدمي خدمات الرعاية الصحية.
ينبغي للجهات المختصة كذلك تكذيب الادعاءات والمعلومات المضللة التي لا أساس لها، مثل الادعاءات الصحية غير المثبتة التي تضعها شركات صناعة أغذية الرضع على منتجاتها، أو الشائعات حول انتقال كوفيد-19 عن طريق الرضاعة الطبيعية، عندما لا يكون هناك دليل على حدوث ذلك.