الأكيد أن رسومات الأطفال لها معانٍ تخبرنا الكثير عما يفكرون فيه دون أن يستطيعوا التعبير عنه، وليست مجرد شخبطات بلا هدف. ولكن السؤال هو إلى أي مدى قد يكون الأمر جاداً؟ هذا ما تخبرنا به هذه القصة الصادمة الأقرب للخيال، لكنها مع كل أسف حدثت بالفعل قبل عامين.
إذ اكتشف والدان برازيليان في العام 2018 أن ابنتهما تتعرض لاعتداء جنسي من قبل كاهن كان يدرس لها اللغة الإنجليزية بسبب رسوماتها. إذ كانت الرسومات تظهر الطفلة ملقاةً على سرير، وهناك رجل يميل عليها، أو شخص يبعد ساقيها عن بعضهما، وبعد ذهاب الأبوين لطبيب نفسي لفهم سبب رسم الطفلة لهذه الرسومات، خصوصاً مع رفضها شرح السبب لوالديها، خمن الطبيب أن الطفلة البالغ عمرها وقتها 5 سنوات كانت تتعرض لاعتداء جنسي من قبل الكاهن البالغ عمره 54 عاماً، وأقر بذلك بالفعل بعد محاكمته.
توجد معان وراء رسومات الأطفال
يميل معظمنا إلى النظر إلى رسومات الأطفال بنوعٍ من السخرية، وأنها مجرد شخبطات غير منتظمة للطفل، ورغم أنه لا يوجد تفسير واضح خلف بعض رسومات الأطفال، لكن كثيراً منها قد يشرح ما إذا كان الطفل حزيناً أو غاضباً أو قلقاً حول شيء ما، أو يتعرض للتحرش والتعنيف.
فمع بداية القرن العشرين، مال علماء النفس إلى افتراض أن الأطفال قادرون على تصوير أشياء واقعية عن طريق الرسومات، وأن الأشياء البسيطة التي قد يرسمونها قد يكون لها معنى.
فمثلاً، يشيع رسم الأطفال للأشخاص بأسلوب سمكة "الشرغوف"، حيث يرسمون رأساً دائرياً مع بروز الذراعين والساقين من الرأس دون وجود هيكل للجسم، وهذا لأنهم يرون تركيب الإنسان بهذا الشكل البسيط.
تدعم إيلين وينر، أستاذة علم النفس في كلية بوسطن والتي تعمل أيضاً مع Project Zero التابع لكلية هارفارد للدراسات العليا، وهي مجموعة بحثية تركز على تعليم الفنون- الاعتقاد بوجود معانٍ وراء رسومات الأطفال، وترى أن الأطفال يفهمون جيداً مدى واقعية رسوماتهم، وأحياناً يرسمون الأشياء بطريقة مختلفة عن الواقع فقط لأنهم يرغبون في تكوين معنى لها في نظر الشخص الذي سيرى هذه الرسومات.
إذ قالت لمجلة The Atlantic الأمريكية: "يفضل الأطفال أحيانًا رسم شيء ما بطريقة معينة حتى عندما يعرفون أنه يجب أن يبدو مختلفاً، أو حتى عندما يكونوا قادرين على رسم الشيء بطريقة أكثر واقعية". وأوردت مثالاً على طفلة سألها والدها عن سبب رسمها الإنسان عبارة عن رأس وذراع وأقدام دون جسد، قالت إنها تعرف أنه يوجد جسد للإنسان لكنها تحب أن ترسم الأشخاص بهذه الطريقة.
لكنهم أيضاً قد يرسمون الأشياء مختلفة لأنه ليس لديهم قدرات لرسمها بشكل آخر، أو يكونون في عجلة من أمرهم. إذ قال ديفيد باريزر، أستاذ التربية الفنية بجامعة كونكورديا في مدينة مونتريال الكندية، إنه في بعض الأحيان قد يرسم الأطفال الضفادع الصغيرة ببساطة "لأنهم في عجلة من أمرهم ويريدون القيام برسم مجموعة منها".
القصص والرموز في رسومات الأطفال
يعتقد العلماء أن تطوير رسومات الأطفال يمكن أن يؤدي إلى اتجاهات لا تعد ولا تحصى وهذا يشمل الأشكال والرموز التعبيرية، مثل الخرائط والرسوم البيانية والرموز، وستختلف قطعاً حسب الثقافات التي نشأوا فيها، وإن كان هناك ثقافة مشتركة بين الأطفال وطريقة تفكيرهم في هذه السن الصغيرة. إذ وجد الخبراء أن الأطفال في اليابان مثلاً كانوا يرسمون شخصيات بشرية ذات وجوه على شكل قلب وعيون كبيرة، وذلك لتأثرهم بشخصيات الأنمي اليابانية (مانغا).
كما أن الأطفال أكثر انفتاحاً منا على تخيل الأشياء التي لا يرونها، فقد يحاولون التعبير عن الأصوات والعاطفة والأشياء غير المرئية في الرسومات، فقهم لا يرسمون الأشكال الواقعية فقط، بل ما يتخيلونه عما لا يرونه لكن يدركون وجوده.
فمثلاً قد يحاول الطفل رسم شاحنة، فيحرك ذراعه على طول الصفحة ويرسم خطاً سريعاً طويلاً ويبدأ في تكبير وتصغير الخطوط، ويخبرك في النهاية أنه رسم شاحنة، بينما أنت لا تشاهد سوى مجموعة خطوط لا تعطي أي شكل واضح، لكن إذا شاهدت العملية من وجهة نظره، فقد جسد الضوضاء والحركة التي يفهمها عما تصدره الشاحنة.
وهذا يقول لنا إن الأطفال قد لا يرسمون أشياء محددة، بل يرسمون آلية عمل هذه الأشياء، ويروون قصصاً عنها. لكن لا تتوقع أن يخبرك الطفل دائماً بتفاصيل القصة التي نسجها في عقله بينما كان يرسم، فعندما تسأله عما رسمه، قد يسمي لك عناصر محددة رسمها، لكنه لن يخبرك دائماً بما كان يتصوره عن هذه الأشياء والقصة التي نسجها في مخيلته.
كما أنهم يرسمون الأشياء وفق إحساسهم بقيمتها وليس وفقاً لشكلها الحقيقي فقط. فقد يرسم نفسه بنفس حجم الشخص البالغ رغم أنه يدرك الفرق في الأحجام، إلا أن هذا يعني بالنسبة له تقديره لأهميته، أو ربما الرغبة في الشعور بالقوة مثل الكبار، أو حتى يُمكن في بعض الحالات أن يكون نتاج إحساسه بالعجز، فعوض ذلك في خياله بالرسومات.
مراحل الرسم لدى الأطفال
هناك مراحل مختلفة لرسومات الأطفال ولا يسهل تفسير معانيها جميعاً، لأن بعضها تكون قصصاً في عقول الأطفال لكنهم يعبرون عنها في شكل خربشات غير مفهومة، وقد قسمها موقع Novak Djokovic Foundation المتخصص بتربية الأطفال إلى ثلاث مراحل.
الخربشة (2-4 سنوات): في هذه المرحلة، لا توجد واقعية في الصور، ستجد الرسومات في الغالب مجرد علامات على الصفحة، لذلك لا تتوقع أن تتمكن من رؤية أشكال معينة تشبه سيارة أو منزلاً.
ما قبل التخطيطي (4-7 سنوات): في هذه المرحلة يحاول الأطفال إنشاء أشياء يرونها بأعينهم. قد يرسمون أبسط الأشياء، مثل الوجوه والأشكال اللاصقة والسيارات والشاحنات والأشجار والمنازل. عادة لا توجد تفاصيل واقعية لهذه الرسومات. لكنهم في نهاية المرحلة، يبدأون في إضافة أشياء معينة تميز أفكارهم، مثل الزهور أمام المنزل أو الملابس على أشكال العصا.
تخطيطي (بعد عمر الـ 7 سنوات): في هذه المرحلة قد تتضمن الرسومات أشكالاً واضحة ومفهومة ويمكن تفسيرها، مثل رسم المحيط من خلال طيور النورس البحرية ونجم البحر وكرة الشاطئ والأشخاص الذين يرتدون ملابس السباحة وما إلى ذلك. كما ستجده يضيف كلمات ورموزاً لإعطاء المزيد من الرسائل لشرح الرسم، فمثلاً يمكن أن يرسم حسنة أو نمشاً في وجه شخص، وعصافير بتفاصيل أكثر وضوحاً تقف فوق الشجرة، والمزيد من التفاصيل العميقة والواقعية.
وطبعاً، هناك اختلافات بين ما يرسمه الذكور والإناث نتيجة اختلاف طريقة تفكيرهم ونظرتهم للأشياء، فربما تفضل الإناث رسم القلوب والزهور، لكن الأولاد يرسمون الخطوط المستقيمة والمربعات والمثلثات، جنباً إلى جنب مع السيارات والحافلات. وهذا أيضاً ينطبق على الألوان، فقد تفضل الفتيات الألوان الوردية والألوان الدافئة عموماً، بينما يميل الأولاد للألوان الأكثر برودة مثل الأزرق.
في النهاية، هذه التفسيرات تقول لنا إن الأطفال لديهم ما يخبروننا به، وليسوا مجانين! بل حتى إنهم مثلوا مصدر إلهام، أو ربما لديهم شيء مشترك مع فنانين يعتبرون مصدراً للإلهام. هل تذكر تلك المرة التي رأيت فيه لوحة تشكيلية لم تفهمها جيداً، ماذا قلت وقتها؟ "يستطيع ابني أن يرسم مثلها"، نعم، هذا لأن الأطفال مثل الفنانين التشكيليين هنا، يعبرون عن المشاعر والأشياء غير المادية في رسومات وألوان.