كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Microbiology وجود صلة بين تغير بكتيريا الأمعاء لدى الأطفال والإصابة بالتوحد.
ويُعرف أن الأشخاص المصابون بالتوحد هم أكثر عرضة للإصابة بمشاكل في الجهاز الهضمي مقارنة بالأشخاص غير المصابين بهذا المرض. هذه المشاكل يمكن أن تشمل اضطرابات مثل الإمساك، الإسهال، والانتفاخ، وأحياناً تكون هذه مزمنة وتؤثر بشكل كبير على جودة حياة المصابين بالتوحد.
واضطراب طيف التوحد (ASD) هو مجموعة من الاضطرابات العصبية التطورية التي تؤثر على التواصل والسلوك. يُظهر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب اختلافات ملحوظة في التفاعل الاجتماعي والتواصل، بالإضافة إلى وجود أنماط سلوكية واهتمامات مقيدة ومتكررة.
العلاقة بين بكتيريا الأمعاء والتوحد
وبعد تحليل أكثر من 1600 عينة براز من أطفال تتراوح أعمارهم بين 1 إلى 13 عاما، وجد الباحثون عدة "علامات" بيولوجية متميزة في عينات الأطفال المصابين بهذا الاضطراب.
وقال تشي سو، الباحث في جامعة هونغ كونغ الصينية والمؤلف الرئيسي للدراسة، إن الآثار الفريدة لبكتيريا الأمعاء والفطريات والفيروسات وغيرها يمكن أن تكون في يوم من الأيام أساساً لأداة تشخيصية.
وقال إن الأداة التي تعتمد على المؤشرات الحيوية يمكن أن تساعد المتخصصين في تشخيص المرض في وقت أقرب، ما يتيح للأطفال الوصول إلى العلاجات الأكثر فعالية في سن أصغر.
وقال سركيس مازمانيان، الباحث في الميكروبيوم في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: "إذا تمكنّا من الوصول إلى شيء يمكننا قياسه بخصوص هذا المرض – مهما كان – فهذا تقدّم كبير".
العوامل المحتملة للاضطراب
وعلى مدى عقود من الزمن، قام الباحثون بدراسة الجينوم البشري والتاريخ الطبي وعمليات مسح الدماغ بحثاً عن مؤشر موثوق لهذا المرض، ولكن بنجاح محدود. وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء على اختبارين تشخيصيين يعتمدان على برنامج تتبع العين، وهو ما قال الدكتور سو إنه يتطلب مشاركة كبيرة من طبيب نفسي.
وفي السنوات الخمس عشرة الماضية، بدأ بعض الباحثين في التحقق ما إذا كان البراز، الذي يمثل نافذة على تريليونات الفطريات والبكتيريا والفيروسات التي تعيش في الأمعاء، قد يقدم إجابة أوضح حول مؤشرات هذا المرض. وحتى الآن، اعتمدت معظم تلك الدراسات على مجموعات صغيرة من التجارب، وكثيراً ما كانت تسفر عن نتائج مختلطة.
قال جاسبار تارونشر أولدنبرج، عالم الأحياء الدقيقة الذي نشر بحثاً تاريخياً حول هذا الموضوع العام الماضي، إن فكرة أن ميكروبيوم الأمعاء قد يلعب دوراً في تطور مرض التوحد لا تزال مثيرة للجدل بين الباحثين.
وعلى عكس الدراسات السابقة التي ركزت بشكل أساسي على البكتيريا المعوية، قام الباحثون بتوسيع نطاق دراستهم ليشمل الكائنات الحية الدقيقة الأخرى في الأمعاء، مثل الفطريات والعتائق والفيروسات، بالإضافة إلى العمليات الأيضية المرتبطة بها. وقد تمكن العلماء من تحديد 31 توقيعاً بيولوجياً ميزت بين المجموعات المختلفة.
بعد ذلك، في مجموعة جديدة تماماً من العينات، قام الباحثون بفحص ما إذا كان من الممكن استخدام هذه العلامات لتحديد عينات البراز التي تنتمي إلى أشخاص مصابين بالتوحد بدقة. وأشار الدكتور سو إلى أن النموذج قدم تنبؤات صحيحة في جميع الحالات تقريباً.
ورغم أن النتائج، التي نُشرت في مجلة Nature Microbiology، جديدة، إلا أن الخبراء يقولون إنهم متحمسون لأنها يمكن أن تساعد على معالجة تزايد الأشخاص الذين ينتظرون الكشف عليهم.
ويبدأ اضطراب طيف التوحد عادةً في مرحلة الطفولة المبكرة، وغالباً ما يظهر قبل سن الثالثة. يُعتبر التشخيص المبكر والتدخل العلاجي مهمين لتحسين النتائج وتطوير المهارات اللازمة. كما يعتمد العلاج على الاحتياجات الفردية وقد يشمل العلاج السلوكي، والتدخلات التعليمية، والنطق، وغيرها من الأساليب المصممة لدعم الأفراد في حياتهم اليومية وتحسين جودة حياتهم.