الأسبرين، المعروف بشكل أساسي كمسكن للآلام ومضاد للحمى، يحمل إمكانيات قد تتجاوز الاستخدامات التقليدية المعروفة له. بجانب دوره في تخفيف الألم وخفض الحرارة، يُظهر الأسبرين أيضاً خصائص قد تجعله سلاحاً قيماً في مواجهة بعض الأمراض الخطيرة، مثل السكتات الدماغية والنوبات القلبية، بفضل تأثيره على سيولة الدم.
مع ذلك، فإن الإمكانيات المذهلة لهذا الدواء لا تتوقف عند هذا الحد؛ إذ تشير الأبحاث الحديثة إلى دور محتمل للأسبرين في مكافحة أنواع معينة من السرطان، خاصة سرطان القولون والمستقيم. في هذا السياق، نسلط الضوء على كيفية إسهام الأسبرين في تحسين استجابة الجهاز المناعي وتقليل انتشار الخلايا السرطانية، ما يفتح آفاقاً جديدة للوقاية من السرطان وعلاجه.
الأسبرين والوقاية من سرطان القولون والمستقيم
الأسبرين يُعتبر مسكناً فعالاً لآلام العضلات والصداع، ويمتاز بخصائصه المضادة للحمى. يُساهم أيضاً في تحقيق سيولة الدم عند استخدامه بجرعات منخفضة، ما يسهم في تقليل خطر تشكل جلطات دموية قد تؤدي إلى السكتات الدماغية أو النوبات القلبية. دراسات حديثة تلمح إلى إمكانية استخدامه في الوقاية من سرطان القولون والمستقيم.
سرطان القولون والمستقيم، الذي يصيب الجزء الأخير من الأمعاء الغليظة والمستقيم، يُعد من بين أكثر أنواع السرطان شيوعاً ومن الأسباب الرئيسية لوفيات السرطان عالمياً، حيث شُخصت به 1.9 مليون حالة جديدة في العالم خلال عام 2020، ومن المتوقع ارتفاع هذه الأرقام. وفي الولايات المتحدة، شهدت العقود الأخيرة زيادة ملحوظة في معدلات الإصابة بهذا النوع من السرطان بين الأشخاص دون الخمسين عاماً، ما يشير إلى زيادة في حالات الوفاة بين الشباب بسبب هذا المرض، وفقاً للمعهد الوطني للسرطان.
أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة السرطان أن المصابين بسرطان القولون والمستقيم الذين يتناولون جرعة يومية من الأسبرين لديهم فرص أقل لانتشار السرطان إلى الغدد الليمفاوية وأظهروا استجابة مناعية أكثر فاعلية ضد الأورام. هذه النتائج تشير إلى أن الأسبرين يمكن أن يعزز القدرات الدفاعية للجهاز المناعي في التعرف ومكافحة الخلايا السرطانية.
أكدت الدراسات أن هذا التأثير كان غير متوقع نظرًا للاستخدام الرئيسي للأسبرين كمضاد للالتهابات. وأشار المصدر إلى أن الأسبرين قد يكون له دور آخر عبر تحفيز الجهاز المناعي على المراقبة والتدخل المبكر الذي قد يمنع أو يؤخر تطور سرطان القولون والمستقيم.
يعمل الجهاز المناعي على مراقبة الجسم بحثًا عن الخلايا غير الصحية ويقضي عليها كما يفعل مع البكتيريا أو الفيروسات. وحسب سيندي كين، جراحة بجامعة ستانفورد، "يقوم الجهاز المناعي بالتعرف على الخلايا السرطانية والقضاء عليها". البيانات المتعلقة بتأثير الأسبرين على السرطان في تطور مستمر، وأن هناك العديد من الأسئلة التي لا تزال بحاجة إلى إجابات حول كيفية تأثير الأسبرين في منع تطور السرطان والمرضى الذين قد يستفيدون منه.
يجب على الأشخاص الذين يفكرون في تناول الأسبرين بانتظام للوقاية من سرطان القولون والمستقيم أن يحرصوا على توازن الفوائد مع المخاطر المحتملة، مثل النزيف في الجهاز الهضمي، كما يوضح جيف مايرهاردت، طبيب الأورام والمدير المشارك لمركز سرطان القولون والمستقيم بمعهد دانا فاربر للسرطان في بوسطن.
الأسبرين والحماية من السرطان
حسب العديد من الدراسات التي أجريت على الأسبرين وعلاقته بإمكانية مساعدته في الوقاية من سرطان القولون والمستقيم وتأخير انتشاره، لكن رغم كل الدراسات التي أجريت عليه لا تزال الآلية التي يقوم بها هذا الأخير في محاربة هذا المرض غير معروفة، لهذا السبب يصعب معرفة من هم المصابين الذين بإمكانهم الاستفادة من خصائصه.
حسب آخر التحليلات التي اجريت سنة 2020 والتي تحتوي على أكثر من 45 دراسة رصدية ارتبطت الجرعة المنخفضة، التي تتراوح بين 75 و100 ملليغرام، بانخفاض خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم بنسبة 10%. وارتبطت جرعة منتظمة قدرها 325 ملليغرام بانخفاض بنسبة 35 %.
بالإضافة إلى ذلك أظهرت الدراسات وجود صلة ما بين تناول هذا العقار وتأخر تقدم هذا المرض بالإضافة إلى ذلك يساعد أيضاً في خفض احتمالية الوفاة لدى المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بالفعل بسرطان القولون والمستقيم.
وفي دراسة أخرى نشرت على مجلة National geographic حصل الباحثون على أنسجة من قرابة 250 مريضاً خضعوا لعمليات جراحية لمعالجة سرطان القولون والمستقيم، 12% منهم تناولوا جرعة يومية من الأسبرين للوقاية من هذا النوع من السرطان.
تُظهر النتائج أن تناول الأسبرين كان مرتبطًا بنقصان انتشار السرطان إلى الغدد الليمفاوية وزيادة توغل الخلايا المناعية في الأورام. تشير هذه البيانات إلى أن الأسبرين يعزز الاستجابة المناعية بشكل يسمح للخلايا المناعية بالدخول إلى كتلة الورم ومحاربة الخلايا السرطانية بكفاءة.
هذه الفاعلية المحتملة للأسبرين تعطي دلائل على أنه يمكن أن يكون له دور فعال في إبطاء تطور السرطان من خلال تعزيز وظيفة الجهاز المناعي في الكشف ومكافحة الخلايا السرطانية بفاعلية أكبر.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.