مع تسجيل أول حالة من مرض "زومبي الغزلان"، الذي يعرف كذلك باسم الهزال المزمن، عبَّر عدد من العلماء والخبراء الطبيين عن قلقهم من انتشاره بين البشر؛ إذ إن هذا المرض الذي لا تظهر أعراضه بسرعة، يمكن أن يؤدي لمشاكل صحية كبرى، أبرزها تلف الدماغ، والوفاة كذلك، في حال لم يتم علاجه بشكل سريع.
فما هو مرض "زومبي الغزلان"؟ وما أعراضه؟ ولماذا سُمي بهذا الاسم؟ وما هي المخاوف الطبية المتعلقة به في حال انتشاره؟
ما هو مرض زومبي الغزلان؟
مرض الهزال المزمن، أو زومبي الغزلان، عبارة عن مرض معدٍ عصبي مميت يصيب الغزلان والحيوانات البرية، وقد تم اكتشافه حديثاً مطلع سنة 2022، في ولاية كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا المرض يعتبر من بين أخطر الأمراض المعدية، ولا يوجد علاج له ولا طريقة لاختبار الحيوانات المصابة به في المراحل الأولى.
كما أنه بمجرد وصول العدوى إلى أحد الحيوانات البرية، لم يتم التوصل إلى أي طريقة من أجل وقاية بقية الحيوانات ومنع انتشاره.
ما الذي يحصل للغزلان المصابة؟
عادةً ما يبقى الغزال المصاب على قيد الحياة لمدة تتراوح بين 18 شهراً إلى عامين، وذلك لأن هناك فترة حضانة طويلة للفيروس الذي لا تظهر فيها الأعراض عادةً.
ولكن مع تقدم المرض، سوف تبدأ الحيوانات في الظهور بمظهر مختلف ومخيف بعض الشيء، كما أنها سوف تفقد الكثير من وزنها كلما زاد المرض في التوغل بجسمها.
أما خلال ما يقارب ستة أسابيع من وفاة الغزال، سوف يبدو وكأنه بلا هدف وغير مدرك للخطر في حال كان قريباً منه، كما أن لعابه يسيل بشكل دائم، ويقف بشكل غريب وكأنه فاقد للتوازن.
وتعتبر هذه الأعراض السبب في تسمية الهزال المزمن بـ"زومبي الغزلان"،
ومع تقدم المرض، تصبح الحيوانات معرَّضة للاصابة بأمراض أخرى، وأقل قدرة على حماية نفسها، وأكثر عرضة لخطر افتراسها أو اصطيادها، إذ غالباً ما تنفق قبل أن تتحول إلى زومبي.
متى تم اكتشاف مرض زومبي الغزلان؟
تم اكتشاف مرض الهزال المزمن لأول مرة في منتصف الستينيات عندما بدأت الغزلان المسجونة في كولورادو تظهر عليها أعراض توصف عموماً بأنها "الهزال".
وأرجع الباحثون ذلك إلى تعرضها للإجهاد، وقد استمر هذا التفسير العلمي إلى حدود أواخر السبعينيات، عندما قامت الطبيبة البيطرية للحياة البرية، بيث ويليامز، بإجراء تشريح للغزلان التي نفقت بسبب متلازمة مماثلة.
ووجدت آفات دماغية تتفق مع اعتلال الدماغ الإسفنجي القابل للانتقال، وهي أمراض الجهاز العصبي التي تصيب الحيوانات والبشر على حد سواء.
وفي عام 1978، شارك ويليامز وطبيب الأمراض العصبية ستيوارت يونغ في كتابة أول ورقة علمية تُصف مرض الهزال المزمن، إلا أن السبب المؤدي له بقي لغزاً لم يتم حله.
وبعد مرور عام، كان طبيب الأعصاب، الدكتور ستانلي بروسينر، يدرس أمراض البريون، واكتشف أن بروتيناً صغيراً جداً يمكن أن يصبح مشوهاً ومقاوماً لقدرة الجسم على تفكيكه.
إذ إنه يدخل الخلايا، ويخدعها للدخول إليها بشكل متكرر، لينتقل بعد ذلك إلى الجهاز اللمفاوي والجهاز العصبي، وفي النهاية ينتقل إلى الدماغ، حيث تتجمع كتل صغيرة وتتسبب في حدوث هذا المرض.
أخطار انتقال الهزال المزمن إلى البشر
دائماً ما يتم تشخيص أمراض البريون على أنها مميتة، لكنها لا تؤثر على جميع الحيوانات، إذ غالباً ما تصيب الثدييات، والحيوانات الشبيهة بالغزلان.
إذ يمكن في حال انتقالها إلى البشر أن تسبب مجموعة من الأمراض الخطيرة، من بينها مرض كروتزفيلد جاكوب، وهو مرض يتطور بشكل مشابه لمرض الزهايمر المتسارع، أو تلف الدماغ الذي يؤدي إلى الوفاة.
ويتشابه مرض الهزال المزمن مع جنون البقر، الذي يدخل بدوره في خانة أمراض البريون، إذ إنه بالرغم من أنه لم يصِب عدداً كبيراً من البشر، إلا أن مَن أصيبوا به تعرَّضوا لكروتزفيلد جاكوب.
وبالرغم من عدم تسجيل أي حالة بشرية لمرض زومبي الغزلان، فإن العديد من التجارب العلمية أظهرت أنه يمكن أن ينتقل إلى ثدييات أخرى.
وفي هذه الحالة قد يصيب البشر في حال تم تناول لحوم الحيوانات المصابة، كما قد يؤدي ظهوره في هذه الحيوانات إلى تطوير سلالات جديدة منه.
لماذا تصعب مكافحة أمراض البريون؟
بسبب بنيتها وحقيقة أنها لا تحتوي على مادة وراثية، فإن البريونات مثل تلك التي تسبب مرض الهزال المزمن، أي أنها غير قابلة للتدمير تقريباً.
ويتطلب تفكيك البريون أو تغيير طبيعته تركيزاً عالياً جداً من محلول الكلور أو حرارة تتجاوز 1800 درجة فهرنهايت، والتي تعادل 980 درجة مئوية.
إذ بمجرد ترسبها في البيئة الطبيعية من خلال البول أو البراز، يمكن أن تنتشر وتستمر بريونات هذا المرض لعقود طويلة.
وهذا ما تثبته إصابة بعض الغزلان بمرض زومبي الغزلان سابقاً، بالرغم من إزالة تلك المريضة من الحظائر، وذلك بسبب انتقال المرض عن طريق التربة الملوثة.
فيما يعود سبب آخر لانتشار المرض إلى أن الغزلان حيوانات اجتماعية جداً، فهي دائماً ما تعتني بنفسها ويلعق بعضها بعضاً.
وخلال موسم التزاوج في الخريف، تبحث هذه الحيوانات عن رفاق للتكاثر، من خلال تتبع آثار رائحة بعضها، ولعق التربة التي مرت منها.
ولأن المرض لا يقتل بسرعة، فإن الحيوانات المصابة قادرة على التكاثر لمدة موسم أو موسمين، وبالتالي لا يوجد ضغط قوي في الانتقاء الجيني لصالح تطور المناعة على مستوى القطيع.
وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الحيوانات المصابة بهذا المرض يمكنها أحياناً نقل البريون إلى صغارها قبل الولادة.
في بعض الأماكن التي يحدث فيها مرض زومبي الغزلان، قد يتراوح معدل الإصابة من 1% إلى 5% فقط، وقد لا يكون تأثير المرض على القطيع واضحاً، حتى للصيادين.
ماذا يحتاج الصيادون إلى معرفته لتفادي العدوى؟
نظراً لأن الغزلان المصابة غالباً ما تبدو بصحة جيدة عند النظر إليها بالعين المجردة، حتى من مسافة قريبة، فإن الطريقة الوحيدة للتأكد من خلوها من المرض هي اختبارها، وعادةً ما يتم ذلك عن طريق تحليل العقد الليمفاوية.
مع انتشار المرض وإجراء المزيد من الأشخاص لاختبار الغزلان، قد يستغرق الأمر أسابيع للحصول على النتائج، وهذا ما يجعل معرفة سلامتها من عكس ذلك أمراً صعباً.
لكن يجب الانتباه إلى عدم صيد أي حيوان مريض، سواء كان غزالاً أو غيره، لأنه قد يسبب في الإصابة بالمرض وانتشاره بشكل سريع جداً دون معرفة ذلك في البداية، خصوصاً بالنسبة للحيوانات التي يتم استهلاك لحومها بشكل دائم، مثل الأبقار والخرفان.