هناك عدد كبير من الأشخاص يفضلون تجاوز وجبة الإفطار، والامتناع عن إدخال أي شيء من الطعام إلى المعدة، مباشرة بعد الاستيقاظ، أو الاكتفاء بأكلات خفيفة، مثل المكسرات، أو الحلويات، وذلك بعد مرور ساعات من بداية اليوم.
ويبقى هنا السؤال المطروح، والذي يعتبر شائكاً عند البعض، هو هل تفويت وجبة الإفطار فعلاً مضر بالصحة؟ أم أنه سلوك عادي يمكن اعتماده في حال أردنا ذلك؟
وهل فعلاً الإفطار المبكر يزيد من حالة الخمول، والرغبة في النوم مجدداً؟ أم أنه يساعد على تزويد الجسم بالطاقة اللازمة للقيام بالمهام بكل نشاط؟
هل الإفطار مبكراً مفيد أم مضر بالصحة؟
شهد تناول وجبة الإفطار، خلال السنوات الاخيرة، تراجعاً ملحوظاً، عند مختلف الفئات العمرية، حتى بين أولئك الذين كانوا يعتبرونها مرحلة مهمة لبداية اليوم بشكل سليم.
فيما أصبحت ظاهرة "الصيام المتقطع"، والتي يتم فيها تجاوز وجبة الإفطار، منتشرة أكثر فأكثر، من خلال تناول كميات طعام أقل، بالنسبة للأشخاص الذين يبحثون عن إنقاص الوزن، والحصول على جسم متناسق.
كما أنه خلال السنوات العشر الماضية انخفضت مبيعات حبوب الإفطار بنسبة 3.3% على أساس سنوي، وفقاً لشركة تحليل الأسواق "Kantar" الأمريكية.
وعلى الرغم من أنَّ هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطاينة تحث على الالتزام بوجبة إفطار صحية منتظمة، فإنَّ تقرير تحليل السوق حول عادات تناول وجبة الإفطار في المملكة المتحدة، الصادر عن شركة "Mintel"، أفاد بأنَّ أكثر من نصف البالغين (وتحديداً 51%)، الذين تناولوا وجبة الإفطار، أكلوا شيئاً سريعاً أثناء وجودهم خارج المنزل في عام 2022.
فيما قام عدد منهم بتأخير وجبة الإفطار أو دمجها مع وجبة الغداء وتناولها في أي وقت قبل منتصف النهار.
وتقول الدكتورة كيت برمنغهام، كبيرة العلماء في شركة "Zoe" لأنظمة التغذية الشخصية، وباحثة ما بعد الدكتوراه في كلية كينغز في لندن، إنَّ "حوالي 22% من 43 ألف شخص في مجموعة دراسة Zoe الصحية أفادوا بأنهم أهملوا وجبة الإفطار".
فيما أشارت دراسات مختلفة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك مراجعة من سنة 2021، نشرت في مجلة "Nutrients"، إلى أنَّ موعد تناول الوجبة الأولى في اليوم ليست له أهمية.
وذلك لأن تناول الوجبة الأولى في اليوم لا يؤثر كثيراً في تغيير قدرة الجسم على استقلاب الطاقة، ففي الواقع، لا توجد قاعدة تقول إنَّ الإفطار المبكر هو الأفضل للجميع، بل يجد بعض الناس أنَّ تناول وجبة إفطار كبيرة يساعدهم على التحكم في وزنهم والبقاء في صحة جيدة، في حين أنَّ البعض الآخر لا يفعل ذلك.
لكن في شهر يوليو/تموز الماضي، حذر مُعدّو بحث نُشِر في المجلة الدولية لعلم الأوبئة من أنَّ الأشخاص الذين يتناولون وجبتهم الأولى بانتظام بعد الساعة 9 صباحاً قد يكونون أكثر عرضة بنسبة 59% للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، مقارنة بأولئك الذين يتناولونها قبل الساعة 8 صباحاً.
واقترحت مجموعة أخرى من كلية ماونت سيناي للطب في نيويورك مؤخراً أنَّ الاستغناء عن بعض الوجبات له تأثير سلبي محتمل في قدرة الجسم على مكافحة العدوى.
وفي دراسة أخرى أُجرِيَت على 30 ألف شخص، أعلن فريق من جامعة ولاية أوهايو أنَّ أولئك الذين يتجنبون وجبة الإفطار يميلون إلى تناول طعام صحي أقل بشكل عام، ويفقدون العناصر الغذائية المهمة، بما في ذلك فيتامينات سي، ود، وب، ويفرطون في تناول السكريات والكربوهيدرات بقية اليوم.
ومن بين النتائج التي توصلوا إليها، قال فريق أوهايو إنَّ 15% من المشاركين الذين اعترفوا بتفويت وجبة الإفطار باستمرار كانوا "أكثر عرضة بدرجة كبيرة لعدم الوصول إلى الحد الأدنى من الأنظمة الصحية التي نأمل أن يتبعها الناس".
أسباب تفضيل تناول وجبة الإفطار من شخص لآخر
يتأثر تفضيلنا الفردي لوجبة الإفطار بعادات نمط الحياة أكثر مما يتأثر بالعوامل الوراثية. تقول الدكتورة كيت برمنغهام: "معظم الناس يتناولون وجبة الإفطار لأنهم يشعرون أنه يجب عليهم ذلك، ولأنها جزء من روتين حياتهم. ويرجع ذلك في الغالب إلى التكييف، وليس إلى علم الأحياء".
وعندما نختار تناول الطعام، يجب أن نحاول جعل أوقات وجباتنا منتظمة. نظراً لأنَّ ذلك يساعد في ضبط الساعات البيولوجية الفريدة والحفاظ على المرونة الأيضية، وقدرة الجسم على الاستجابة والتكيف مع متطلبات التمثيل الغذائي من خلال الحفاظ على مستويات الطاقة والتحكم في نسبة السكر في الدم، التي عادة ما نفقدها مع تقدمنا في السن.
وتقول الدكتورة كيت برمنغهام: "تُظهِر دراساتنا أنَّ الجوع في الصباح يتأثر بأشياء كثيرة؛ وهي: نوعية النوم، ومكونات العشاء الذي تناولته في الليلة السابقة، وصحتك الأيضية العامة". ومن المرجح أن يكون للتقلبات الكبيرة في نمط الحياة المنتظم تأثير في موعد تناول الطعام؛ ما قد يؤدي إلى تعطيل إيقاع الساعة البيولوجية.
إذا كانت هناك رسالة يمكن استخلاصها من جميع الدراسات العلمية حول وجبة الإفطار، فهي أنَّ روتين الوجبة ومحتواها هما المفتاح، على الرغم من أنه لا يوجد وقت واحد يناسب الجميع.
يقول البروفيسور تيم سبيكتور، المؤسس المشارك لشركة Zoe، ومؤلف كتابي "Food for Life- الطعام الأفضل للحياة" و"Spoon Fed -التلقيم": "إنَّ عدم تناول وجبتنا الأولى إلا بعد الشعور بالجوع هي طريقة رائعة للتجربة ومساعدتنا على فهم إشارات الجوع لدينا".
كما أوضح أنه يميل إلى تناول وجبة الإفطار في حوالي الساعة 11 صباحاً في معظم الأيام؛ "لمنح الأمعاء راحة طوال الليل، وهو ما ينجح بنسبة 80% من الوقت"، فيما غالباً ما يتجاهل الإفطار بشكل كامل في حال كان مشغولاً.
بينما على الجانب الآخر، تقول الدكتورة كيت برمنغهام إنها تتناول وجبة الإفطار روتينياً بحلول الساعة 8:30 صباحاً. وتوضح: "أحضّر الشوفان منذ الليلة السابقة في ثلاجتي، وعادةً ما أتناوله في الصباح قبل ممارسة الرياضة".
ما هي وجبة الإفطار المناسبة؟
يحمل المثل القديم "يجب أن نفطر مثل الملوك، ونتناول الغداء مثل الأمراء، ونتعشى مثل الفقراء" بعضاً من الحقيقة.
في سنة 2022، أظهرت ألكسندرا جونستون، أستاذة التغذية في معهد روليت بجامعة أبردين، وزملاؤها، في دراسة خاصة، أنَّ تناول كميات أكبر من السعرات الحرارية في الصباح قد يساعد على الشعور بجوع أقل طوال اليوم مقارنةً بتناولها في وقت لاحق من اليوم، لكن ذلك لن يؤثر بالضرورة في الوزن.
وتقول ألكسندرا جونستون: "ما قد يجعلك أقل عرضة للاستسلام للرغبة الشديدة في تناول الطعام لاحقاً خلال اليوم لا يعتمد على الكمية التي تأكلها فحسب، بل على نوعية ما تأكله أيضاً، إذ إنَّ وجبات الإفطار التي تحتوي على نسبة عالية من البروتين مثل الزبادي والبيض المخفوق أو العصير مع إضافة مشتقات الحليب أو التوفو؛ يمكن أن تجعلك تشعر بالشبع لفترة أطول".
ومن الواضح أنَّ الخيار الأفضل لا يتمثل في حبوب الإفطار المليئة بالسكريات والكربوهيدرات المُكرَّرة، مثل الخبز الأبيض، التي لا تحتوي إلا على القليل من الألياف والمواد المغذية.
في حين أنَّ العصيدة والبيض والشوفان المُجهَّز من الليلة السابقة هي خيارات أفضل، حسب البروفيسور سبيكتور، الذي يقول إنَّ وجبة الإفطار عامةً تحتاج إلى تغيير جذري في التفكير.
ويوضح: "يجب ألا نتعامل مع وجبة الإفطار باعتبارها نوعاً خاصاً من الوجبات، بل يجب أن نتبع فيها المبادئ الجيدة للأكل الصحي نفسها كما نفعل مع الوجبات الأخرى، وهذا يعني الكثير من التنوع النباتي، بما في ذلك الأطعمة مثل الفطر والفاصوليا والبقول والفواكه والخضراوات الموسمية، مثل التوت والتفاح والكمثرى، واغتنام الفرصة لتناول بعض الأطعمة المخمرة مثل اللبن ومخلل الملفوف، التي تعتبر مفيدة لصحة الأمعاء".
الفطور قبل التمرين أم بعده؟
يقول خافيير غونزاليس، أستاذ التغذية والتمثيل الغذائي في جامعة باث في بريطانيا، إنَّ قرار تناول الطعام قبل التمرين أو بعده يعتمد على ما تتطلع إلى تحقيقه.
لذلك إذا كنت تحاول اكتساب كتلة عضلية خالية من الدهون، فإنَّ التخلي عن تناول وجبة الإفطار أمر غير مجدٍ، لأنك تحتاج إلى إعطاء الأولوية للبروتين واستهلاك ما يكفي من السعرات الحرارية العادية لتعزيز قوة الجسم.
ومع ذلك، بالنسبة لأي شخص يهدف إلى تحسين صحته على المدى الطويل من خلال ممارسة الرياضة، فإنَّ أداء بعض التمارين الصباحية قبل الإفطار يعد أمراً جيداً.
ويقول غونزاليس، الذي يتناول العصيدة بعد تمرينه الصباحي: "تُظهِر أبحاثنا الخاصة أنَّ التمارين الرياضية قبل الإفطار توفر فوائد إضافية لصحة القلب والأوعية الدموية، مثل تحسين نسبة السكر في الدم، والتحكم في نسبة الدهون في الدم، ويبدو أنَّ هذه التأثيرات تكون مدفوعة بشكل أساسي بتأخير محتوى الكربوهيدرات والطاقة في وجبة الإفطار؛ لذا فإنَّ تناول القهوة السوداء قبل التمرين أمر جيد في هذا السياق".
إذا كنت تتطلع إلى تحسين أدائك الرياضي، فمن المهم تناول الطعام قبل الجري أو ركوب العجل، ويقول غونزاليس: "للحصول على الأداء الأمثل في نشاط يحتوي على بعض عناصر التحمُّل، فمن الحكمة تناول وجبة إفطار صحية مليئة بالكربوهيدرات قبل ساعة أو ساعتين. عندما أجرينا دراسة على ممارسي رياضة ركوب الدراجات من الذكور وجدنا أنَّ تناول مزيج من الكربوهيدرات المختلفة في وجبة الإفطار أدى إلى تحسين أدائهم، ونأمل الآن في استكشاف ما إذا كانت هذه التأثيرات نفسها تحدث في النساء".
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.