تنتج الإصابة بحمى التيفوئيد (Typhoid fever) عن بكتيريا السَلْمونيلا التيفية، التي تعيش في مجرى الدم فور دخولها إلى الجسم. وهي عدوى تهدد الحياة، لاسيما حياة الأطفال، لأنها تنتقل عن طريق المخالطة اللصيقة أو الاتصال المباشر ببراز المُصاب.
تنتشر حمى التيفوئيد عادةً عن طريق الأغذية والمياه الملوثة؛ لذا هي نادرة في المناطق التي تُعالَج فيها المياه لقتل الجراثيم، ويُجرى التخلص فيها من النفايات البشرية بطريقةٍ صحية. الولايات المتحدة مثال على البلاد التي يندر فيها انتشار الحمى التيفية.
أدى تحسين الأوضاع المعيشية، وبدء استخدام المضادات الحيوية، إلى تسجيل انخفاضٍ شديد في معدلات المرض والوفيات الناجمة عن حمى التيفوئيد في البلدان الصناعية. لكن مع ذلك، لا يزال المرض من أكبر مشكلات الصحة العامة في عدة مناطق نامية.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن أكثر المناطق التي تشهد حالات تفشٍ منتظمة من التيفوئيد، تقع في أقاليم أفريقيا، وشرق المتوسط، وجنوب شرق آسيا، وغرب المحيط الهادئ.
ووفقاً لتقديرات عام 2019، فإن الحمى تصيب 9 ملايين شخص، وتتسبب بوفاة حوالي 110 آلاف شخص كل سنة. وترتفع مخاطر الإصابة بها في صفوف الفئات السكانية التي تفتقر إلى المياه المأمونة، وخدمات الصرف الصحي الكافية.
أعراض التيفوئيد
من المرجح أن تبدأ أعراض التيفوئيد ببطء، فهي غالباً ما تظهر بعد أسبوع إلى 3 أسابيع من التعرّض للبكتيريا، يعني من 7 إلى 30 يوماً. وفي المراحل المبكرة من المرض، تكون الأعراض عبارة عن حمى، وألمٍ في البطن، مع شعورٍ عام بالتوعك.
ولكن يُمكن أن تشمل الأعراض المُبكرة ما يلي:
- حمى منخفضة، لكنها ترتفع تدريجياً، وقد تلامس 40 درجة مئوية.
- الإسهال أو الإمساك.
- الضعف والإرهاق.
- آلام في العضلات.
- الطفح الجلدي.
- القشعريرة.
- ألم المعدة.
- الصداع.
وقد تتضمن أعراض التيفوئيد المبكرة السعال أيضاً، إضافةً إلى فقدان الشهية، والتعرق. لكن بعد بضعة أسابيع من بداية الأعراض، يمكن أن تؤدي حالات حمى التيفوئيد غير المعالَجة إلى الأمعاء المثقوبة، ما قد يؤدي إلى التهاب الصفاق.
تسبّب حمى التيفوئيد مشكلات في الأمعاء. فقد يشعر المصابون بما يلي:
والجدير بالذكر أن في حالات التيفوئيد الخطيرة غير المعالجة يمكن أن تؤدي إلى الأمعاء مثقوبة؛ ما قد يؤدي إلى التهاب الصفاق؛ وهو عدوى تصيب الأنسجة داخل البطن، وهي قاتلة بنسبة تتراوح بين 5 و62%، وفقاً لموقع Cleveland Clinic الطبي.
وفي حال لم تلحظ أعراض التيفوئيد في وقتٍ مبكر، فعليك الانتباه من الأعراض التالية:
- عدم القدرة على التفاعل مع العالم.
- انتفاخ البطن بشكل كبير.
- عدم القدرة على التركيز.
- برازٌ دموي.
- التشوّش.
جميع تلك المضاعفات تُشير إلى أن المرض شديد الخطورة، وعليك مراجعة الطبيب فوراً. ومن المهم الإشارة إلى أن بعض الأشخاص قد تعاوده أعراض التيفوئيد، حتى بعد بضعة أسابيع من زوال الحمى.
أسباب التيفوئيد
يحدث التيفوئيد بسبب الإصابة ببكتيريا السالمونيلا التيفية، التي يلتقطها الفرد من خلال الطعام ومياه الشرب الملوثة، فتخرج البكتيريا من الجسم عن طريق البراز والبول؛ لذا يُنصح بغسل اليدين بعد الدخول إلى الحمام.
ففي حال عدم غسلهما جيداً، يُمكن للبكتيريا أن تنتقل من اليدين إلى الأغراض التي تلمسها، والأشخاص التي تتعاطى معها بشكلٍ وثيق. كما يمكن لغسل الفاكهة والخضراوات أن يتسبب بانتشار البكتيريا، في حال استخدام المياه الملوثة.
وحين نتحدث عن مياه ملوثة، فذلك يشمل: مياه الشرب، ثلج مصنوع من مياه غير مُعالَجة، غسل الخضراوات أو الفواكه -التي تؤكل من دون إزالة قشرتها- بمياه غير مُعالَجة.
تدخل السالمونيلا التيفية عن طريق الفم، وتبقى في الأمعاء من أسبوع إلى 3 أسابيع، من دون أن يستطيع الجهاز المناعي مقاومتها، ثم تشق طريقها بعد ذلك عبر جدار الأمعاء إلى مجرى الدم، فتنتقل إلى الأنسجة والأعضاء الأخرى.
غالباً لا يُسمح للأشخاص، الذين ثَبُتَت إصابتهم بالتيفوئيد، من مخالطة الأطفال وكبار السن، حتى تخرج البكتيريا من جسمهم. مع الإشارة إلى أن المرض لا ينتقل عبر التقبيل.
عدد قليل من المتعافين قد يظلّ حاملاً للبكتيريا في جسمه، حتى بعد علاج التيفوئيد بالمضادات الحيوية. ويُعرف هؤلاء باسم "حاملي المرض المزمنين". ورغم عدم ظهور أعراض التيفوئيد عليهم، فإن البكتيريا لا تزال موجودة في برازهم، ويمكنهم نقلها.
علاج التيفوئيد
يمكن علاج المرض بالمضادات الحيوية، التي تعمل على قتل البكتيريا المسبّبة للعدوى، أي السالمونيلا. وفي هذا الإطار، تُستخدم أنواع مختلفة من المضادات الحيوية لعلاج التيفوئيد، وقد تُستخدم وحدها أو مجتمعة.
ومن بين هذه الأدوية، ما يَلي:
- مركبات الفلوروكوينولون: قد تكون هذه المضادات الحيوية، بما في ذلك السيبروفلوكساسين (Cipro)، الخيار الأول. فهي تمنع البكتيريا من نسخ نفسها. لكن يمكن لبعض سلالات البكتيريا أن تكون مقاومة للمضادات الحيوية.
- مركبات السيفالوسبورين: هذه المجموعة من المضادات الحيوية تمنع البكتيريا من بناء جدران خلوية. ويُستخدم فيها نوع واحد، وهو السيفترياكسون (Ceftriaxone)، في حال وجود مقاومة للمضادات الحيوية.
- المضادات الحيوية الماكروليدية: هذا النوع من المضادات الحيوية يمنع البكتيريا من إنتاج البروتينات. ويُستخدم نوع واحد، وهو الأزيثروميسين (Azithromycin) في حال وجود مقاومة للمضادات الحيوية.
- مركبات الكاربابينم: هذه المضادات الحيوية تمنع البكتيريا أيضاً من بناء جدران خلوية، لكنها تُستخدم لعلاج المرض الشديد، الذي لا يستجيب للمضادات الحيوية الأخرى.
في السنوات الأخيرة، أصبحت بكتيريا السالمونيلا التيفية حصينة جداً تجاه المضادات الحيوية، كما هو الحال مع عدد من الأمراض البكتيرية الأخرى؛ الأمر الذي صعّب علاج التيفوئيد.
على سبيل المثال، أصبح المرض مقاوماً للأمبيسيلين، والكوتريموكسازول. حتى السيبروفلوكساسين، وهو أحد الأدوية الرئيسية لعلاج التيفوئيد، صار لا يُقاوم إلا 35% من بكتيريا السالمونيلا.
كذلك، يُمكن للسوائل أن تساعد في منع جفاف الجسم الناتج عن الحمى والإسهال. وفي حال تضرر الأمعاء، قد يحتاج الفرد إلى عملية جراحية لترميمها.
الوقاية من التيفوئيد
يساعد توفّر المياه المعالَجة على تجنّب التعرض لبكتيريا السالمونيلا المعوية، كما تساعد السيطرة على الفضلات البشرية في تجنّب التعرض للبكتيريا. ومن المهم أن يحرص الأشخاص الذين يحضّرون الطعام، ويقدّمونه، على غسل أيديهم جيداً طوال الوقت.
ويمكن للأشخاص تلقي لقاح مضاد للحمى التيفودية، إذا كانوا يعيشون في مكانٍ تنتشر فيه. ويوصى باللقاح أيضاً، إذا كنت تخطط للسفر إلى منطقة ترتفع فيها مخاطر الإصابة.
يتوفر لقاحان للتيفوئيد للأشخاص من عمر السنتين وأكثر.
- أحدهما يُحقن في جرعة واحدة قبل السفر بأسبوعٍ واحد على الأقل.
- والآخر يؤخذ عن طريق الفم في شكل 4 كبسولات، بحيث يتناول الشخص كبسولة واحدة كل يومين.
ويُعطى اللقاح المتقارن المضاد للتيفوئيد والمكوّن من المستضد المُنقّى، كجرعة واحدة، حقناً للأطفال اعتباراً من سن 6 أشهر وللبالغين حتى سن 45 سنة أو 65 سنة (حسب اللقاح).
اثنان من اللقاحات خضعا لاختبار الصلاحية المُسبق، من جانب منظمة الصحة العالمية منذ كانون الأول/ديسمبر 2017، ويجري إدراجهما في برامج تمنيع الأطفال في البلدان التي يستوطنها التيفوئيد.
تتناقص فاعلية هذه اللقاحات تدريجياً بمرور الوقت؛ لذا يلزم تكرار التحصين؛ ونظراً لأن اللقاح لا يوفر الحماية الكاملة، فيجب اتباع الإرشادات التالية:
- عدم استخدام مياه الشرب غير المُعالَجة، واشرب المياه المعبأة، مع الإشارة إلى أن المياه المُكربنة المعبأة أكثر أماناً من تلك المعبأة غير المُكربنة. ومن المهم ألا تطلب الثلج في الأماكن التي لا تثق بها، وأن تستخدم المياه المعبأة في زجاجات عند غسل الأسنان، وأن تتجنّب ابتلاع الماء عند الاستحمام.
- تجنّب تناول الفاكهة والخضراوات النيئة التي لم تعقمها بنفسك، ومن ثم تغسلها بمياه مُعالَجة مُكربنة.
- اغسل يديك جيداً وبشكلٍ متكرر، بالصابون والماء الساخن، فهذه الطريقة المثلى لمكافحة العدوى. اغسلهما قبل تناول الطعام أو تحضيره، وبعد استخدام الحمّام. ومن المهم أن تحمل معك معقماً للأيدي، يحتوي على الكحول، واستخدامه في حال عدم توفر الماء والصابون.
- اختر الأطعمة الساخنة، وتجنّب الأطعمة المخزّنة أو المقدّمة في درجة حرارة الغرفة. فالأطعمة الساخنة عادةً ما تكون أقلّ خطورة من النيئة.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.