يعتقد كثيرون حول العالم في الأبراج وتأثير تاريخ ولادة الشخص على تكوين الشخصية وتحديد العديد من الخصائص الأخرى بداية من الذوق والرغبات، وصولاً إلى فرص النجاح في وظائف معينة أو حتى التنبؤ بالمستقبل.
ما لا يدركه معظم الناس أن شهر الميلاد يؤثر بشكل خاص على مستوى صحة الإنسان أيضاً، إذ يمكن أن يتحكم في عدد من العوامل التي من شأنها أن تؤثر على صحة الشخص العامة أو حتى قابليته لتطوير الأمراض.
تأثير شهر الميلاد على جسم الإنسان
بعيداً عن علوم الفلك والتنجيم، يؤثر موعد الميلاد بشكل كبير وجذري على صحة الأطفال أثناء طور الأجنّة في رحم الأم، وبعدها خلال الأشهر الأولى من ولادتهم.
ومن بين العوامل المؤثرة درجة حرارة الطقس ونقاء الهواء وشيوع نوعيات محددة من الحساسيات الموسمية وحتى درجة حرارة الشمس ومدة سطوعها خلال اليوم.
في الواقع، وفقاً لدراسة نشرتها مجلة جاميا (JAMIA) الأكاديمية للأبحاث، يمكن أن يرتبط شهر الميلاد حتى بأمراض مختلفة قد يصاب بها الشخص طوال حياته.
حيث اكتشفت أبحاث على نحو 55 مرضاً مختلفاً، أن نسبة الإصابة بها وتطويرها خلال مرحلة معينة من العُمر، تعتمد بشكل كبير على الشهر الذي وُلد فيه الإنسان.
وكما اتضح تباعاً أيضاً، يرتبط شهر الميلاد بأكثر من مجرد نِسب تطوير الأمراض، إذ يمكن أن يؤثر على الصحة الجسدية والعقلية بعدة طرق مثيرة للاهتمام.
ويتكهن الباحثون بأن المرض الموسمي يمكن أن يكون وراء هذا التباين، إما عن طريق تعزيز دفاعات الجسم الداخلية أو إلحاق الضرر بها في وقت مبكر من حياة الإنسان.
وبينما يؤدي ضوء الشمس إلى إنتاج فيتامين د في الجسم، فإنَّ نقصه في الأشهر الأولى من الحياة قد تكون له آثار طويلة الأمد على الصحة العقلية والبدنية.
ومن ثم قد يتصرف شهر الميلاد كمؤشر على فترات التعرض المبكر لعوامل مختلفة، مثل التعرض للأشعة فوق البنفسجية، وفيتامين د، ودرجة الحرارة، والتعرض الموسمي للفيروسات والحساسية التي قد تؤثر على نمو الجنين في الرحم وعلى صحة الأم الحامل وعلى حديثي الولادة.
مواليد فصلي الشتاء والخريف
يُعتقد أن الأشخاص الذين يولدون في شهور الشتاء، وهي نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، من العام الميلادي أكثر عرضة إحصائياً للإصابة بمرض الزهايمر ومرض الصرع. وقد وضع العلماء نظرية في هذا الشأن، لأن تلك الفئة من المواليد عادةً لا يتعرضون لكمية كافية من أشعة الشمس أثناء نموهم في الرحم وفي الأشهر الأولى من حياتهم.
بطبيعة الحال، يُعد هذا الأمر أكثر دقة في الدول حول العالم التي تعاني من الغيوم الكثيفة والجو البارد في هذا التوقيت من العام.
وقد وجدوا أن الأمر يعيق التطور الجنيني على مستوى ما، ويجعل الأطفال من مواليد هذا التوقيت أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني البريطاني.
ويتضح أيضاً أن أولئك الذين وُلدوا في الشتاء معرضون بشكل أكبر لخطر الإصابة بالرجفان الأذيني وارتفاع ضغط الدم وفشل القلب الاحتقاني واعتلال عضلة القلب وغير ذلك.
ومع ذلك، وفقاً لبحث نشرته جامعة شيكاغو في مجلة أبحاث الشيخوخة الأمريكية المتخصصة، يعيش الأشخاص الذين وُلدوا خلال هذا الفصل حتى بلوغ سن المئة أكثر من أي شخص آخر.
مواليد فصلي الربيع والصيف
الأشخاص الذين وُلدوا في الأشهر الأكثر دفئاً لا يميلون إلى تفضيل المناخ الدافئ فحسب، فالأطفال المولودون في فصلي الربيع والصيف يتمتعون بصحة أفضل بشكل عام، من أولئك الذين يولدون خلال بقية العام في مختلف دول العالم.
ويتضح أن مواليد أشهر هذين الفصلين الممتدة ما بين مارس/آذار من كل عام وحتى أغسطس/آب، من المحتمل أن يكونوا أقل عرضة للمعاناة من الأمراض مثل أمراض القلب والمشاكل الطبية الشائعة.
ووفقاً لبحث نُشر في مجلة كولومبيا ماغازين (Columbia Magazine) العلمية بأمريكا، فإن الأطفال المولودين بالشهور الأكثر دفئاً في العام عادةً ما يصبحون أكثر صحة خلال حياتهم.
ويُعتقد أن الأمر يعتمد بشكل كبير على نسب فيتامين د الذي تعرضوا له في طفولتهم وخلال فترة الحمل. هذا على الرغم من أنه قد تكون هناك عوامل أخرى متضمنة، تحتاج لمزيد من الأبحاث لتحديدها بدقة.
مواليد فصل الربيع أكثر عرضة للمعاناة من الحساسية
ويتضح أن هناك العديد من الآليات المعتمدة على المرض والتي تربط مخاطر المرض بشهر الميلاد. ووفقاً للدراسة المنشورة بمجلة "جاميا" العلمية، تربط الأدلة نوعاً من الربو بشهر الميلاد، لأن الأفراد الذين يولدون في المواسم التي تحتوي على مزيد من عث الغبار في الهواء، لديهم خطر متزايد بنسبة 40% للإصابة بالربو المعقد، بسبب الحساسية لعثّ الغبار.
وفي وقت لاحق، اكتشف الباحثون أن التحسس لمسببات الحساسية أثناء الطفولة المبكرة في الأشهر الأولى من حياة الطفل يزيد في الواقع من خطر الإصابة بالحساسية مدى الحياة.
مواليد فصل الخريف وتطوير حساسيات الطعام
هناك كثير من الحساسيات الغذائية التي قد تحدث أو تتطور بمرور الوقت. إذ قد يصاب بعض الأشخاص بالشرى والحكة في اللسان. ومع ذلك، قد يواجه البعض الآخر صعوبة في التنفس أو مخاطر الاختناق.
وقد أظهرت دراسة نُشرت في مجلة علم الأوبئة وصحة المجتمع، عبر مجلة لايف ساينس (LiveScience) العلمية للأبحاث أن الأطفال الرُّضع أكثر عرضة للإصابة بالحساسية الغذائية.
ووجدت الدراسة أنه على وجه التحديد، يتعرض الأطفال الذين يولدون في الخريف، وشهور مثل سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، لخطر الإصابة بحساسية الطعام بنسبة 9.5%، مقارنة بنسبة 5% للأطفال المولودين في فصل الصيف.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.