غالباً ما يثير الفن الراقي فينا الكثير من المشاعر الجميلة؛ من بينها الفرح، والانبهار، والشعور بالسعادة، لكن هل فكرت يوماً أن يكون سبباً في الإصابة بمرض نفسي أو عقلي؟
لا تستغرب من هذا السؤال، لأن هناك فعلاً مجموعة من الأشخاص يتعرضون لنوبات جسدية وعقلية شديدة، أثناء أو بعد مشاهدتهم عملاً فنياً ما، ويطلق على هذه الحالة اسم متلازمة الفنون، أو متلازمة ستندال.
إذ تظهر على الشخص مجموعة من الأعراض، من بينها تسارع دقات القلب، وصعوبة في التنفس، بعد مشاهدته عملاً فنياً رائعاً ومبهراً، أو لا مثيل له في العالم، وذلك من كثرة الانبهار بما شاهده، أو عدم قدرته على تصديق فكرة أنه فعلاً أمام قطعة فنية بهذه الدرجة من الأهمية.
ستندال.. أول من وصف متلازمة الفنون
كان أول من تحدث عن متلازمة الفنون، هو الكاتب الفرنسي ماري هنري بيل، المعروف باسم ستندال، بعد أن أصدر كتاباً له سنة 1817، يحكي فيه عن رحلته إلى مدينة فلورنسا الإيطالية، والأعراض الغريبة التي صاحبته بعد أن شاهد قطعاً أثرية من الفن الراقي هناك، تعود إلى عصر النهضة.
وقال ستندال، في أحد فصول كتابه، واصفاً ما شعر به في تلك اللحظات: "لقد كان قلبي يخفق بشدة، ورويداً رويداً بدأت أفقد إحساسي بالحياة، ومضيت وأنا أخشى أن أسقط مغشياً عليّ في أي لحظة".
وفي سنة 1989 تم تشخيص هذه المتلازمة لأول مرة، من طرف طبيبة نفسية إيطالية تعمل في مستشفى "سانتا ماريا نوفا" في فلورنسا، تدعى غرازييلا ماغريني، بعد أن تحدثت عنها في كتاب من توقيعها.
إذ أشارت إلى أنها قد أشرفت على علاج أكثر 100 سائح، عانوا من نفس الأعراض التي وصفها ستندال في كتابه، بعد مشاهدتهم مجموعة من الأعمال الفنية المعروضة في متاحف المدينة، في الفترة ما بين 1977 إلى 1986.
ومن هناك تم إطلاق اسم ستندال على هذه المتلازمة، المتعلقة بالفنون، نسبة لأول شخص كشف عنها، قبل أكثر من قرن من الزمن.
هل متلازمة الفنون عبارة عن اضطراب نفسي؟
بقيت الأعراض التي تظهر على الأشخاص بعد مشاهدتهم عملاً فنياً مبهراً، محط جدل كبير بين عدة خبراء في مجال علم النفس؛ إذ لم يتم تشخيصها على أنها مرض نفسي إلى غاية سنة 2021، حسب بحث حديث، تمت الاشارة إليه في مجلة "healthline" الطبية.
وقد أظهر العديد من الأبحاث والدراسات السابقة، أن هذه المتلازمة ظهرت على عدد كبير من الشخصيات التاريخية القديمة، من بينهم المحلل النفسي سيغموند فرويد.
لكن بالرغم من أنه يمكن أن تضطر هذه المتلازمة المصاب بها إلى المكوث في المستشفى، أو تناول أدوية مضادة للاكتئاب، إلا أنها غير مدرجة في الإصدار الأخير من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية.
وغالباً ما يعود السبب إلى أنها تعتبر حالة نفسية مؤقتة، تحصل فقط عند مشاهدة إحدى القطع الفنية المبهرة، أو منظر طبيعي جميل جداً، مثل شروق الشمس، أو غروبها.
أسباب محتملة لمتلازمة ستندال (الفنون)
تحدث متلازمة ستندال بشكل شائع بين المسافرين إلى المدن المعروفة بمتاحف الفن والهندسة المعمارية التاريخية والمراكز الثقافية، من أبرزها أثينا، وفلورنسا، وباريس، وروما، وطوكيو.
ويكون السبب في ظهور أعراض المتلازمة، حسب ما أشار نفس المصدر، استناداً إلى أبحاث سابقة، هو امتلاك شخصية قابلة للتأثر بشكل سريع، إضافة إلى الشعور بالإجهاد بعد السفر.
فيما يمكن لبعض العوامل البيئية ونمط الحياة أن تزيد من خطر الإصابة بمتلازمة الفنون؛ حيث أشار الباحثون في عام 2018 إلى ارتفاع معدل الإصابة لدى الأشخاص غير المتزوجين، أو المتدينين جداً، أو الذين وصلوا إلى نهاية رحلة السفر.
فيما هناك أسباب أخرى تلعب دوراً في الإصابة بالمتلازمة، من بينها ارتفاع ضغط الدم، أو قلة النوم، أو الشعور بالجوع، أو التعرض للشمس لمدة طويلة، أو عيش حالة من الاضطراب خلال الرحلة الجوية.
أبرز أعراض متلازمة الفنون
هناك العديد من الأعراض التي تبين أن الشخص مصاب بمتلازمة الفنون، أو ستندال، وتتمثل في سرعة دقات القلب، وآلام في الصدر، والشعور بالدوخة، والإغماء، والهلوسة، والقلق، وضيق التنفس، والغثيان، والتعرق المفرط، والارتباك، ثم فقدان الوعي.
وحسب الدراسة الحديثة التي تمت الإشارة إليها سابقاً، أظهرت أن السبب في ظهور هذه الأعراض هو الشعور بالعظمة، لأنك تمكنت من مشاهدة أشياء كانت بعيدة المنال، وكأنك تقابل بطلاً خارقاً في أحد الأفلام.
وفي بعض الحالات، يبدأ الأشخاص المعرضون لهذه المتلازمة في البكاء، وذلك لأنه عبارة عن استجابة بيولوجية نموذجية للعملية الإدراكية، التي قد يمر بها عندما يواجه شيئاً جذاباً من الناحية الجمالية.
طرق العلاج الذاتية والطبية
هناك العديد من طرق العلاج التي يمكن اللجوء إليها بعد الشعور بأعراض متلازمة الفنون، والتي لا تستدعي التدخل الطبي، من بينها أخذ قسط من الراحة بعيداً عن المكان الذي توجد فيه القطع الفنية،
وأخذ نفس عميق من أجل الشعور براحة أكثر.
وفي حال تطورت الأعراض، ووصلت لمرحلة الإغماء، والتوتر الشديد، يجب الاستعانة بالتدخل الطبي من أجل الإسعافات الأولية.
وبعد ذلك تأتي مرحلة التوجه إلى خبير نفسي، من أجل التحدث ووصف الأعراض التي يعيشها المريض، والتأكد من أن ما يمر به هو فعلاً متلازمة ستندال.
ولأنه لا توجد علاجات خاصة بهذا النوع من الاضطراب، فغالباً ما يصف الطبيب أدوية مضادة للاكتئاب، أو مساعدة على النوم.
وذلك لأنه بعد عيش أعراض هذه المتلازمة لمرة واحدة، تصبح احتمالية تكرارها مرة أخرى مرتفعة بشكل كبير.