"متلازمة بيتر بان" هي حالة شائعة في علم النفس تصف الأشخاص الذين لا يبدو أنهم يرغبون أو يتقبلون فكرة أنهم "يكبرون" في العمر أبداً. فيعاني المصاب بها حالة دائمة من التهرُّب من المسؤوليات والقرارات الكبيرة في حياته.
تاريخ المفهوم وصياغته لأول مرة
صاغ الدكتور دان كيلي المصطلح في كتابه المنشور عام 1983 لأول مرة، والذي حمل عنوان "متلازمة بيتر بان.. الرجال الذين لا يكبرون أبداً".
وهي حالة نفسية تشير ببساطة إلى الأشخاص الذين لديهم خصائص نفسية وشخصية تجعلهم لا يرغبون في حمل مسؤوليات الكبار، ويجدون صعوبة في الحفاظ على علاقات صحية، ولديهم حنين شديد إلى فترات شبابهم.
في حين أن معظم الناس قد يتوقون إلى بساطة الطفولة من وقت لآخر، لكن قد يواجه الأشخاص المصابون بمتلازمة بيتر بان صعوبة في عيش حياة البالغين الطبيعية، ويعانون الكثير من المشكلات.
ما هي متلازمة بيتر بان؟
متلازمة بيتر بان ليست تشخيصاً رسمياً في علم النفس، ولا تحظى بالاعتراف من قبل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أو الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، بل هو مصطلح غير رسمي يستخدمه بعض علماء النفس لتوصيف حالات معينة.
وتصف متلازمة بيتر بان الأشخاص الذين يجدون صعوبة في "النُضج" الفكري والشعوري. إذ قد يجدون صعوبة في إدارة المسؤوليات المعتادة للبالغين، مثل الاحتفاظ بوظيفة والحفاظ على علاقات صحية.
ووفقاً لموقع Medical News Today للطب والصحة، يتصرف الأشخاص المصابون بمتلازمة بيتر بان بشكل غير مسؤول، وقد يظهرون سمات الشخصية النرجسية. وهذا يجعل من الصعب عليهم أن تكون لديهم علاقات وظيفية واجتماعية ومهنية وعاطفية متزنة.
ونظراً إلى أن الأشخاص المصابين بمتلازمة بيتر بان يرفضون تحمل المسؤولية، فإنهم يميلون إلى إلقاء اللوم على الآخرين عند نشوب المشكلات.
كذلك فقد يكون لديهم أيضاً صعوبة في التعبير عن مشاعرهم، ما يساهم في زيادة وطأة معاناتهم في الحفاظ على العلاقات المختلفة في حياتهم.
الأعراض والسمات الشخصية للمصاب بالمتلازمة
لأن متلازمة بيتر بان ليست تشخيصاً إكلينيكياً، لم يحدد الخبراء أي أعراض رسمية للحالة. ولكن هناك بعض الإجماع حول الأعراض الشائعة التي تظهر في العلاقات والعمل والمواقف الشخصية:
علامات تؤثر على مختلف العلاقات
يوضح باتريك تشيثام، عالم النفس الأمريكي، لموقع Healthline للصحة والطب: "في العلاقات، يظهر الاضطراب بشكل أوضح في التوقعات وأهداف الحياة والقدرة على الوفاء بالالتزامات والمسؤوليات اليومية". كما قد يقومون بالتالي:
- تجنُّب تخطيط الأنشطة واتخاذ قرارات كبيرة
- إهمال الأعمال المنزلية ومسؤوليات رعاية الأبناء
- إبداء القليل من الاهتمام بوضع خطط طويلة الأجل
- إنفاق الأموال بشكل غير حكيم
- التجنب المستمر للقضايا العالقة والخلافات الشخصية
- صعوبة تحقيق أهداف وظيفية ومهنية
- فقدان الوظيفة بسبب نقص الجهد أو التأخير المتكرر
- بذل القليل من الجهد الحقيقي للعثور على وظيفة جديدة
- ترك الوظائف بشكل متكرر عند الشعور بالملل أو التوتر
- العمل بدوام جزئي فقط، وعدم الرغبة في فرص الترقية
- الانتقال من تخصص لآخر دون تطوير المهارات
- وضع أهداف غير واقعية لا تناسب القدرات والجهد المبذول
المزاج العام والعلامات السلوكية
قد يبدو الأشخاص المصابون بمتلازمة بيتر بان عاجزين عن غيرهم. وقد يلاحظ الآخرون بعض السمات غير الاعتيادية لديهم، مثل الآتي:
1- ميل الشخص لعدم الثقة فيمن حوله، والانفعالات العاطفية عند مواجهة المواقف العصيبة، والميل إلى تقديم الأعذار وإلقاء اللوم على الآخرين عندما تسوء الأمور.
2- كما يميلون إلى عدم الشعور بمصلحة أنفسهم، ولا يملكون طموحات فيما يتعلق بتطوير الذات والنمو الشخصي والخوف المفرط من التقييم السلبي.
3- يميل المصاب بمتلازمة بيتر بان أيضاً إلى الرغبة في تجنب اتخاذ القرارات، وإبقاء خياراتهم مفتوحة ومتاحة بدلاً من وضع خطط ملموسة.
وبشكل عام، يمكن أن تتعلق هذه العلامات أيضاً بمشكلات أخرى، ولكن الشخص الذي تظهر عليه العديد من العلامات والأعراض المذكورة أعلاه قد يكون مصاباً بمتلازمة بيتر بان، ويحتاج للتواصل مع متخصص في الصحة النفسية والعلاج السلوكي المعرفي.
أسباب الإصابة بمتلازمة بيتر بان
لا يعرف علماء النفس بالضبط ما الذي يسبب سلوكيات هذه المتلازمة. يفترض بعض الخبراء أن الآباء المفرطين في حماية أطفالهم يمكن أن يجعلوا الشخص أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة بيتر بان.
إذ إنه عندما يتم تقييد الأطفال وحمايتهم بشكل زائد، فإنهم لا يطورون المهارات التي يحتاجون إليها للتعامل مع تحديات الحياة الواقعية. وعندما يكبرون ويصلون إلى مرحلة البلوغ، قد يتوقعون نفس البيئة الآمنة والمميزة لمراحل الطفولة.
اضطراب شائع بين الذكور
ترتبط متلازمة بيتر بان إلى حد كبير بالذكور، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن معظم أبحاث خبراء علم النفس أجريت في السبعينيات والثمانينيات، عندما كانت أدوار الجنسين تختلف عما هي عليه اليوم.
ومع ذلك، تشير المعلومات الواردة من جامعة غرناطة ودراسة أجريت عام 2010 إلى أن معظم المصابين بالاضطراب، عادة ما يكونون من الذكور.
الخطوة التالية للتعامل مع متلازمة بيتر بان
إذا كنت أنت أو أحد من أصدقائك أو أفراد عائلتك يعاني من هذا الاضطراب السلوكي، فإن العلاج هو مفتاح التعافي الناجح للوقاية من المشكلات المترتبة على متلازمة بيتر بان.
يمكن أن يقدم المعالج النفسي دعماً فعالاً من خلال مساعدة المصاب على فحص نمط حياته، وملاحظة كيفية تأثير الأمر على العلاقات والفرص المختلفة.
وعند تلقي العلاج السلوكي المتخصص، يمكن أيضاً استكشاف المخاوف العميقة التي تدفع المصاب بمتلازمة بيتر بان لأن يتلافى تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات المهمة، والأسباب النفسية الكامنة وراء رغبته في الاعتماد على شريك حياته والأشخاص من حوله للحصول على الدعم العاطفي والمالي دون بذل الجهد المطلوب.