من علاج البكتيريا إلى الفيروسات المختلفة، تعتبر المضادات الحيوية عنصراً أساسياً في الطب الحديث، لكن استخدامها المفرط يستمر في إحداث آثار جانبية غير مرغوب فيها.
ففي الآونة الأخيرة، بدأت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية بدق ناقوس الخطر بشأن عواقب الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، خاصة بعد ظهور ما يسمى بـ"بكتيريا الكابوس" أو "السوبر بكتيريا"، المقاومة للمضادات الحيوية الحديثة مسببة التهابات وأمراضاً قاتلة.
نستعرض في هذا التقرير دور المضادات الحيوية في علاج الأمراض ومخاطر الإفراط في تناولها، وكيف أصبحت البكتيريا المقاومة لها خطراً يهدد البشرية.
أولاً، ماذا تعالج المضادات الحيوية وكيف تعمل؟
هناك نوعان رئيسيان من الجراثيم التي يمكن أن تصيب الناس بالمرض: البكتيريا والفيروسات. والتي يمكن أن تسبب أمراضاً لها أعراض متشابهة، لكنها تتكاثر وتنشر المرض بشكل مختلف:
- البكتيريا هي كائنات حية موجودة كخلايا مفردة. وهي موجودة في كل مكان ومعظمها لا يسبب أي ضرر، وفي بعض الحالات تكون مفيدة. لكن بعض البكتيريا ضارة وتسبب المرض عن طريق غزو الجسم والتكاثر والتدخل في عمليات الجسم الطبيعية.
تعمل المضادات الحيوية ضد البكتيريا لأنها تقتل هذه الكائنات الحية عن طريق وقف نموها وتكاثرها. وتستخدم عادة لعلاج التهابات المجاري البولية والأذن والحنجرة.
- من ناحية أخرى، الفيروسات ليست كائنات حية، وتنمو وتتكاثر فقط بعد أن تغزو الخلايا الحية الأخرى. كما يمكن لجهاز المناعة في الجسم محاربة بعض الفيروسات قبل أن تسبب المرض.
لذا فإن المضادات الحيوية لا تعمل في علاج الفيروسات، مثل تلك التي تسبب نزلات البرد أو الأنفلونزا أو كوفيد-19.
وعلى الرغم من أن الأمراض التي تسببها البكتيريا عادة ما تعالج باستخدام المضادات الحيوية، إلا أن بعض الأدوية النموذجية لم تعد فعالة على الإطلاق ضد بعض أنواع البكتيريا للأسباب التي سنوضحها في الفقرة التالية.
ما الذي يسبب مقاومة المضادات الحيوية؟
كان ظهور سلالات البكتيريا المقاومة للمضادات أمراً متوقع الحدوث بما أن البكتيريا تحافظ على وجودها عن طريق تطوير طرق مختلفة للمقاومة، لكن، وبحسب موقع Mayo Clinic، فإن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية وإساءة استخدامها أسهم بشكل كبير في دعم حدوث هذه العملية وتسريعها.
فقد اعتاد الكثير من الناس تناول المضادات الحيوية لعلاج أي مرض يصيبهم مثل نزلات البرد والأنفلونزا، على الرغم من أن المُسبب الرئيسي للأنفلونزا هو التهاب فيروسي وليس بكتيري، ما يجعل المضاد الحيوي عديم الفائدة.
وفي مثل هذه الحالة؛ تستطيع البكتيريا اختبار المضاد الحيوي وتطوير القدرة على مقاومته.
كما أن عدم إكمال المريض الجرعة الكاملة التي وصفها الطبيب من المضاد الحيوي، يُسهم بشكل كبير في تكوين سلالة مقاومة للمضاد الحيوي.
حتى إن المزارعين اليوم يقومون بإضافة المضادات الحيوية في طعام الأسماك والدواجن لزيادة وزنها وحمايتها من البكتيريا، ما يسهم أيضاً في زيادة مقاومة البكتيريا.
الاستخدام غير الصحيح والمفرط للمضادات الحيوية قد يكون قاتلاً
يؤدي الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، خاصةً عندما لا تكون العلاج الصحيح، إلى تعزيز مقاومة المضادات الحيوية. ووفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن حوالي ثلث استخدام المضادات الحيوية عند المرضى في العالم ليس ضرورياً ولا مناسباً، مما يتسبب بدوره في آثار جانبية خطيرة تتلخص فيما يلي:
1. المضادات الحيوية تزيد من حالات الإسهال المميتة عند الأطفال
نظراً لأن غالبية نزلات البرد فيروسية، فإن استخدام المضادات الحيوية لعلاجها لا يوقف العدوى ويمكن أن يؤدي إلى آثار جانبية خطيرة.
ومع ذلك ، فقد أظهرت دراسة أمريكية عام 2014، أن نصف المضادات الحيوية الموصوفة للأطفال مخصصة لالتهابات الجهاز التنفسي العلوي المرتبطة بنزلات البرد.
كما أظهرت دراسة جديدة تمت عام 2020 لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن الأطفال الذين يتناولون المضادات الحيوية لعلاج التهابات الجهاز التنفسي العلوي الروتينية هم أكثر عرضة للإصابة بالسلالات العدوانية المقاومة للمضادات الحيوية من البكتيريا.
ووجدت الدراسة أن 71% من الأطفال الذين عانوا من عدوى بكتيريا المطثية العسيرة التي تسببت بالإسهال، قد تم إعطاؤهم جرعات من المضادات الحيوية لأمراض الجهاز التنفسي والأذن والأنف قبل 12 أسبوعاً من الإصابة.
ويجدر بالذكر أن هذه البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية والتي تسبب الإسهال مسؤولة عن 250.000 إصابة بين المرضى في المستشفيات و14.000 حالة وفاة كل عام بين الأطفال والبالغين، وفقاً للبحث السابق نفسه.
2. المضادات الحيوية تقضي على البكتيريا الجيدة في الأمعاء
تحتوي أمعاؤك على حوالي 100 تريليون بكتيريا من سلالات مختلفة. في حين أن بعضها قد يكون مميتاً، إلا أن هناك أيضاً البكتيريا المفيدة، والمعروفة باسم فلورا الأمعاء، والتي تدعم المناعة والهضم السليم.
التوازن الطبيعي بين نوعي البكتيريا في القناة الهضمية هو الأساس للصحة المعوية ولكن هذا التوازن يمكن أن يتأثر بشكل سلبي عند تناول المضادات الحيوية.
على الرغم من أن المضادات الحيوية العدوانية مفيدة إذا كنت مصاباً بعدوى خطيرة، إلا أنها تقضي على العديد من بكتيريا الأمعاء الجيدة وتسبب تغييرات دائمة في الفلورا المعوية.
3. المضادات الحيوية تزيد من حالات السيلان غير القابل للعلاج
إلى جانب الإسهال، يتسبب الإفراط في استخدام المضادات الحيوية بانتشار حالات مرض السيلان غير القابل للعلاج والذي لا يسبب الألم فحسب، بل يرتبط أيضاً بمرض التهاب الحوض، والحمل خارج الرحم، والعقم، والتهابات العين الوليدية، من بين حالات صحية أخرى.
4. المضادات الحيوية تسبب رفع تكاليف الأدوية والمستشفيات
كلما ازداد انتشار مقاومة المضادات الحيوية، يترتب على ذلك إيقاف العمل بالمضادات الحيوية الأكثر شيوعاً، وهذا يعني أن تخليص المرضى من العدوى يتطلب أشكال علاج أطول وأكثر تكلفة.
وجد باحثو جامعة تافتس الأمريكية أنه في عام 2000، خسرت الولايات المتحدة 35 مليار دولار بسبب الوفيات المبكرة والإقامة في المستشفى التي سببتها العدوى المقاومة للمضادات الحيوية.
وفي أوروبا، تشير التقديرات إلى أن مقاومة مضادات الميكروبات قد ارتبطت بتكلفة وصلت لتسعة مليارات يورو سنوياً.
5. ردود الفعل التحسّسية
وفقاً لموقع Reuters، هناك أكثر من 140.000 زيارة سنوياً لقسم الطوارئ نتيجة ردود الفعل تجاه المضادات الحيوية في أمريكا وحدها. وما يقرب من أربع زيارات من كل خمس يكون سببها التفاعل التحسّسي.
يمكن أن تتراوح ردود الفعل هذه من الطفح الجلدي الخفيف والحكة إلى تفاعلات جلدية خطيرة، وتورم في الوجه والحلق، ومشاكل في التنفس. ويعد التقليل من استخدام المضادات الحيوية غير الضرورية أفضل طريقة لتقليل مخاطر الآثار الجانبية التحسسية للمضادات الحيوية.
منظمة الصحة العالمية تحذر من جائحة جديدة بحلول عام 2050
تصف منظمة الصحة العالمية WHO البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية بأنها "واحد من أكبر التهديدات للصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية اليوم"، وقالت على موقعها الرسمي إنه على الرغم من أن هذه الظاهرة تحدث بشكل طبيعي بسبب تطور البكتيريا، فإن إساءة استخدام المضادات الحيوية لدى البشر والحيوانات على حد سواء يسرع من العملية.
وفي دراسة تمت عام 2019 من قبل الأمم المتحدة وشاركتها مجلة The Lancet الطبية، يموت أكثر من 750 ألف شخص سنوياً بسبب العدوى المقاومة للمضادات الحيوية، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 10 ملايين شخص بحلول عام 2050.
هذه المقاومة تهدد قدرة الطب على علاج الأمراض الشائعة، بما في ذلك الالتهاب الرئوي والسل والسيلان، بعدما أصبحت المضادات الحيوية أداة أقل فعالية ضد البكتيريا المسببة لها. كما تجعل تكاليف العلاج باهظة الثمن للأمراض الأكثر شيوعاً وانتشاراً.
وعليه، فقد قدرت مراجعة المملكة المتحدة لمقاومة مضادات الميكروبات لعام 2014 والتي تهدف إلى فهم واقتراح حلول لمشكلة العدوى المقاومة للأدوية من منظور اقتصادي واجتماعي، أن الاقتصاد العالمي قد يخسر بسبب انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية 100 تريليون دولار بحلول عام 2050 إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الجائحة.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.