أحدثت آخر تطبيقات الواقع الافتراضي بعد أن حولت شركة فيس بوك اسمها إلى "ميتافيرس" الكثير من الضجة. هذه العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد يمكن الولوج إليها والوصول لها عبر نظارات الواقع الافتراضي والجوالات والحواسب المكتبية ومنصات الألعاب الآن، ويمكن أن تعيش فيها تجارب تحاكي الواقع بطريقة كبيرة ومثيرة.
لكن العلماء اليوم يبحثون في إمكانية تطوير هذه التقنية لاستخدامها في مجال الصحة العقلية والنفسية وعلاج الاضطرابات النفسية مثل الرهاب والألم المزمن والاكتئاب.
وقد يبدو هذا مفاجئاً، إلا أن العلاج بالواقع الافتراضي ليس تقنية جديدة في الحقيقة، وقد استخدم منذ التسعينات، ولكن بتقنيات أبسط بكثير، لعلاج بعض الاضطرابات النفسية. لكن العلماء اليوم يتطلعون لجعله أكثر فاعلية ومحاكاة للواقع.
نشرح في هذا التقرير ماهية العلاج بالواقع الافتراضي وكيف يتم وما هي الحالات التي يمكن أن يفيد في علاجها.
ما هو علاج الواقع الافتراضي وكيف يتم؟
يعرف العلاج بالواقع الافتراضي كنوع من أنواع العلاج بالتعرض الذي يستخدم لعلاج الاضطرابات النفسية والعقلية.
يتم ذلك من خلال مواجهة المواقف والأفكار والعواطف المخيفة التي تسبب الاضطرابات للشخص. ولكي يكون العلاج بالتعرض فعالاً، من المهم جدًا أن يواجه الأشخاص موقفًا يرسم عن كثب أكثر ما يخشاه ولكن في بيئة افتراضية يكون فيها آمناً.
بدلاً من التواصل مع المعالج النفسي وجهاً لوجه، يتم التفاعل مع المعالج في الواقع الافتراضي عبر شاشة مثبتة على الرأس من خلال جهاز يشبه النظارات. حيث يكون ذلك في بيئة افتراضية يتم فيها تمثيل المعالج الذي يتم التحدث معه بواسطة صورة رمزية لأي شيء، كما يشير موقع Very Well Mind.
بالنسبة للشخص الذي تعرض لصدمة نفسية أو يعاني من القلق، قد لا يشعر بالراحة عند التحدث لشخص بشكل مباشر. لكن عندما يكون في منزله ويرتدي نظارات أو جهاز الواقع الافتراضي، فقد يكون أكثر عرضة للانخراط في العلاج.
دراسة حديثة تجد أن 30% من المشاركين يفضلون العلاج بالواقع الافتراضي
وجدت دراسة حديثة أسترالية نشرت عام 2022 في مجلة Frontiers in Virtual Reality، أنه عندما ناقش المشاركون القضايا الشخصية باستخدام صورة رمزية للواقع الافتراضي (VR)، فضل 30% منهم التحدث مع صورة رمزية على التحدث وجهاً لوجه مع شخص.
يقول الخبراء إن النتائج يمكن أن تفتح طريقة جديدة للتفكير في تجربة العلاج وتخلق طريقة للوصول إلى الأشخاص الذين يترددون في التحدث إلى المعالج.
كان المشاركون يرتدون شاشة مثبتة على الرأس وتحدثوا مع صورة رمزية تم تشغيلها بواسطة شخص آخر باستخدام التقاط حركة الوجه والجسم.
بعد المناقشات، طُلب من المشاركين تقييم تجاربهم مع المحادثات الشخصية، مقابل التحدث باستخدام صورة رمزية. من بين الأسئلة، طُلب منهم ترتيب الطريقة الأكثر إمتاعاً، وطريقة المحادثة التي أشعرتهم براحة أكبر، والطريقة الأكثر صعوبة، ومتى كان من الأسهل أن يكونوا على طبيعتهم.
وبينما صنف معظم المشاركين التحدث وجهاً لوجه على أنه أكثر إمتاعاً، إلا أن حوالي 30% من المشاركين قالوا إنهم يشعرون براحة أكبر في الكشف عن التجارب السلبية في الواقع الافتراضي، مما يشير إلى أن هناك الكثير من الإمكانات لاستخدام هذا النوع من التكنولوجيا في التجارب العلاجية في المستقبل.
استخدمت لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة لدى جنود حرب فيتنام
تم فحص تقنية العلاج الافتراضي في اضطراب ما بعد الصدمة بشكل أساسي عند قدامى المحاربين في حرب فيتنام.
تضمنت البيئة الافتراضية التي يدخل فيها الشخص صوراً لأشياء تكون في بيئة الجندي أثناء القتال، مثل طائرات الهليكوبتر والغابات والجنود الآخرين والمصابين والأسلحة.
وقد خلصت التجارب إلى أنه بعد تطبيق تقنية العلاج بالتعرض الافتراضي، شهد الجنود انخفاضاً في أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
ويشير موقع صحيفة The New York Times، إلى أن التقنية استخدمت أيضاً في تقليل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بين جنود العراق وحرب أفغانستان وأثبتت فاعليتها.
كما أظهرت الأبحاث انخفاضاً كبيراً في القلق عند استخدام الواقع الافتراضي لعلاج الأشخاص المعرضين للهجمات الإرهابية – كما حدث في 11 سبتمبر/أيلول 2001 – والكوارث والحرب. وأن ما لا يقل عن ست جلسات افتراضية مدتها ساعة واحدة يمكن أن تقلل من القلق بنسبة تصل إلى 90%.
علاج الرهاب باستخدام التعرض للواقع الافتراضي
يمكن علاج الرهاب باستخدام العلاج بالتعرض الافتراضي من خلال محاكاة الموقف أو الشيء الذي يخافه المريض وتعريضه له.
على سبيل المثال، يتم استخدام الشرفات وأسطح المنازل الافتراضية لعلاج الأشخاص المصابين برهاب المرتفعات.
يبدأ العلاج عادةً بتخيل المريض ما يخاف منه ثم زيادة الوجود المادي المثير للرهاب تدريجياً. وبمرور الوقت، يكتسب المريض إحساساً بالسيطرة على مخاوفه وقدرة على التكيف والتعامل معها.
كما نجحت إعدادات الواقع الافتراضي أيضاً في علاج حالات الرهاب الأخرى، بما في ذلك:
- فوبيا العناكب.
- فوبيا الطيران.
- رهاب الخلاء (فوبيا الأماكن المغلقة والمفتوحة والمواقف التي لا يكون فيها الهروب ممكناً).
- رهاب التحدث أمام الجمهور.
الواقع الافتراضي قد يكون حلاً لعلاج الكآبة والقلق
يمكن أن يُظهر الأشخاص المصابون بالاكتئاب أعراضاً مزاجية منخفضة وضعف الشهية واضطراباً في النوم ونقصاً في الطاقة ومشاعر بانعدام القيمة.
لا يُنظر إلى الواقع الافتراضي على أنه أداة فعالة من حيث التكلفة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من القلق فحسب، ولكن الأبحاث الجارية تؤكد أيضاً فاعليته كعلاج للاكتئاب، وفقاً لدراسة رومانية تمت عام 2018، ووجدت انخفاضاً كبيراً في الأعراض لدى المرضى المصابين بالاكتئاب.
فوائد تميز العلاج بالواقع الافتراضي
يشير موقع Positive Psychology، إلى أن للعلاج بالتعرض للواقع الافتراضي فوائد كثيرة أهمها:
- السيطرة المباشرة على البيئة ودرجة التعرض لها. على سبيل المثال، عند معالجة الخوف من الطيران، يمكن التحكم بالارتفاع والسرعة والمدة تدريجياً بما يتناسب مع حالة المريض.
- يمكن جعل الإعدادات شخصية بشكل لا يصدق من خلال تضمين العناصر والأصوات وحتى الروائح من ماضي المريض وتجاربه السابقة.
- يمكن أن يكون العلاج أكثر اتساقاً ويمكن تكراره أو تبطئته أو تسريعه.
- يمكن إدخال المنبهات تدريجياً وإزالتها حسب الحاجة. على سبيل المثال، يمكن التعامل مع الخوف من العناكب بدقة وإيقافه عند الحاجة.
- أصبحت البرامج التي تستخدم هذه التقنية سهلة الاستخدام بشكل متزايد ومتوفرة، من خلال طرق مختلفة والتطبيقات والمواقع واستخدام النظارات التي تعمل بالتوافق معها، بالإضافة إلى المعالجين الذين يستخدمون هذه التقنية.
- الجلسات متاحة لإعادة التشغيل، ويمكن جمع النتائج للتقييم المستمر.
- قد يوفر الواقع الافتراضي الخيار الوحيد لعلاج بعض الاضطرابات، مثل رهاب الطيران أو مواجهة الجماهير الكبيرة.
هل هذه التقنية خيار عملي من الناحية المادية؟
درس الأكاديميون إمكانيات استخدام الواقع الافتراضي في علاج اضطرابات القلق منذ التسعينيات، وقد اكتسبت الممارسة رواجاً متزايداً، مع تحسن التكنولوجيا. ويبلغ متوسط سعر جهاز الرأس الذي يمكن استخدامه في جلسات العلاج الافتراضي أقل من 300 دولار.
ووفقاً لموقع Insider Fitt، فإن أسهم السوق التجاري للتطبيقات ومواقع الإنترنت التي تقدم خدمات العلاج الافتراضي، مثل Tripp
وRey، من المتوقع أن تنمو سنوياً بمعدل مذهل بنسبة 32% حتى عام 2027 وقيمة 3.9 مليار دولار.ويجدر بالذكر أن هذه التطبيقات والمواقع تعتبر ميسورة التكلفة مقارنة بجلسات العلاج النفسي الذي يتم وجهاً لوجه. فعلى سبيل المثال، يوفر موقع Tripp، اشتراكاً سنوياً قيمته حوالي 20 دولاراً فقط وكل ما تحتاجه هو شراء النظارات بنفسك.