بعد خسارة مأساوية أو تفكك أسري صادم، يبحث الإنسان عن طريقة لإيقاف الألم والعودة إلى الحياة الطبيعية، وينصح البعض، بكل حسن نية، بضرورة البحث عن "الخاتمة العاطفية"، كأنها المواجهة الأخيرة التي من بعدها تختفي الذكريات السلبية ويتوقف الحزن.
ولكن علماء النفس يقولون إن المشكلة تكمن في أن الخاتمة أو الإنهاء أصلاً مفهوم غير موجود.
بل إن البحث عنها يؤدي عكس مبتغاها، إذ إن البحث الدائم عن خاتمة للألم العاطفي يعيق الإنسان عن العثور على طرق أكثر صحة لمعالجة التجارب الصعبة.
من ابتكر مفهوم الخاتمة العاطفية؟
يأتي مفهوم الخاتمة العاطفية من علم نفس الغشتالتي، الذي يعتبر فلسفة العقل لدى كلية برلين لعلم النفس التجريبي، ومحاولة لفهم القوانين الكامنة وراء القدرة على اكتساب والحفاظ على تصورات ذات مغزى في عالم من الفوضى عبر تشكيل العقل ميولاً ذاتية التنظيم.
بدأ علم نفس الغشتالتي كطريقة لفهم كيفية إدراك العقل للصور ومعالجتها، وأحد مبادئ تصور الجشطالت هو أن العقل يسعى إلى الإغلاق أو الإنهاء؛ بمعنى حتى لو كانت صورة الدائرة غير مكتملة، فإن العقل ينظر إليها على أنها دائرة.
بمرور الوقت، انتقل هذا المبدأ إلى معالجة تجارب الحياة، وافترضت النظريات أن الإنسان لن يتمكن من المضي قدماً بشكل كامل حتى يتم ختم أو "إغلاق" المشكلة بطريقة ما.
أدى ذلك إلى تقنيات علاجية مثل "الكرسي الفارغ"، حيث يتخيل المشاركون مصدر "عملهم غير المكتمل"- أحد الوالدين المسيئين أو حبيب متوفى- يجلس على كرسي ويتحدث معهم.
في حين أن العلاج بالكرسي الفارغ غالباً ما يوفر تحريراً عاطفياً قصير المدى، إلا أنه لم يحرر الأشخاص من الألم طويل المدى.
على الرغم من الفعالية المشكوك فيها لعلاج الجشطالت، فإن الاعتقاد بأن الخاتمة العاطفية هي الدواء الشافي للألم العاطفي أصبح جزءاً لا يتجزأ من علم نفس الشائع في أمريكا تحديداً، ولذلك يتكرر ورودها في الأدبيات والأعمال الفنية.
وحتى وسائل الإعلام تبحث عنها عبر بحث عائلات ضحايا القتل عن تلك الخاتمة سواء بالمواجهة أو في قاعات المحاكم.
بدورها، تقول المعالجة النفسية آشلي ديفيس بوش، إن الحقيقة هي أن هذا النوع من الخاتمة العاطفية الذي يروج له علم النفس الشائع لا يمكن تحقيقها حقاً، ولا ينبغي أن يكون.
التعامل مع الوفاة
وعن التعامل مع موت الزواج أو إنسان عزيز تشرح بوش، قائلة: "
تكريم العلاقة مع الزوج المتوفى لا يعني أن الأرمل عالق في الماضي، أو لن يكون قادراً على تكوين علاقات جديدة".
وقالت إن التعامل مع هذه المشاعر هو ما يجب أن يكون، ومن خلال عدم محاولته تخفيف حدة مشاعره الصادقة أو إيقافه، يظل الإنسان على قيد الحياة عاطفياً.
وتقول إن العديد من مرضاها ورغم الحزن الشديد، تزوجوا مرة أخرى دون التضحية بمشاعر الولاء العميقة لشريكهم الأول.
وماذا عن الطلاق؟
في المقابل تعتبر بوش أن الخاتمة العاطفية أكثر أهمية عند الانفصال.
الإغلاق يكون أكثر أهمية عندما تنتهي العلاقة، سواء كان ذلك توقيع أوراق الطلاق أو مغادرة المنزل. هناك نوع أكثر تحديداً من الخاتمة العاطفية التي يمكن تحقيقها.
ومع ذلك، يبقى الإنسان متأثراً بعلاقاته السابقة ويحمل معه هذه التجارب، وتنصح بوش بضرورة تعلم كيفية "احترام" العلاقة وتعلم الدروس منها، حتى لو لم تنته بالطريقة التي تصورناها.
ويبقى السؤال، حسب تعبيرها، عما إذا كانت العبء العاطفي الذي يخرج به الإنسان من العلاقة ثقيلاً أم خفيفاً.