يُعرف الميلاتونين باعتباره من مساعدات النوم؛ لأنه أول هرمون يفرزه الجسم من أجل إبقاء دورات النوم واليقظة على المسار الصحيح. وعند تناوله كمكمّلٍ بجرعة خفيفة، قد يساعد الميلاتونين في بعض الأحيان على النوم، لكن الحقيقة أنه قد لا يكون بالضرورة فعالاً مع الجميع.
ما الأسباب التي تجعله غير نافعٍ للبعض، في حين قد يكون مساعداً للبعض الآخر؟ وما النتائج التي توصّلت إليها آخر الأبحاث حول علاقة الميلاتونين والنوم؟ وما حلول النوم الأخرى التي تستحقّ الاطلاع عليها؟
في البداية، ما هو الميلاتونين؟
أوضحت طبيبة علم النفس شيلبي هاريس، المتخصّصة في النوم السلوكي، أن الميلاتونين يلعب دوراً أساسياً في تنظيم ما يُعرف بـ"عملية النظم اليوماوي"، المرتبطة بالنوم. وأوضحت أن "الغدّة الصنوبرية لا تنشط في النهار، بل مع غروب الشمس، حين تبدأ في إفراز الميلاتونين بشكلٍ طبيعي من أجل تحفيز النعاس. بينما يتباطأ إفراز الميلاتونين قبل ساعتين من موعد الاستيقاظ الطبيعي، كي نستيقظ ببطء".
بينما قال الدكتور ديفيد كيناواي، مدير برنامج أبحاث Circadian Physiology Group في جامعة أديليد بأستراليا، إن وظائف الميلاتونين لا تقتصر على تنظيم عملية النظم اليوماوي فقط؛ لأن الهرمون يلعب دوراً في وظائف القلب والأوعية الدموية، والمناعة، والصحة الإنجابية، والصحة الهرمونية، وعدد من العمليات الأخرى أيضاً داخل الجسم.
لكن كيناواي أشار إلى أن الميلاتونين "لا يُسوَّق له كمكمّلٍ في غالبية الدول خارج الولايات المتحدة وكندا، رغم اعتباره هرموناً شديد القوة والأهمية، ولا يُباع سوى بوصفةٍ طبية مخصّصة للاستخدام قصير المدى بين البالغين فقط".
وأردف في حديثه لموقع Mindbodygreen الأمريكي: "لا يبدو أن هناك آثارٌ جانبية حادة لمكمّلات الميلاتونين. ولكننا لا نعرف بعد ما سيصيب الأشخاص، الذين يعانون من مشكلات صحية قائمة، عند استهلاكه على المدى الطويل".
أسباب عدم فاعلية الميلاتونين للبعض؟
تعتمد وظيفة الميلاتونين الأساسية على إرسال إشارةٍ بأن موعد النوم قد حان. ومن هنا، وجدت شيلبي أن مكمّلات الميلاتونين تحقق أكبر فاعلية مع الشخص الذي يحاول النوم في أوقات غير اعتيادية بالنسبة لجسمه، مثل الانتقال إلى منطقةٍ زمنية مختلفة، أو تغيير ساعات السهر.
ولهذا تقول إنه من الأفضل استهلاك الميلاتونين بجرعات منخفضة (من 0.5 إلى 1 ملغ) قبل موعد النوم بفترةٍ تتراوح بين 30 إلى 60 دقيقة. وأوضحت: "إذ كنت تستهلك ما يتراوح بين 3 و5 ملغ في المساء، فمن المرجح أن الميلاتونين ليس مفيداً لك. فاستهلاك أكثر من 1 ملغ سيكون مفيداً لحلّ مشكلات النوم، وأحياناً تكون الجرعة الزائدة بلا فاعلية".
وتوجد أدلة محدودة على أن الميلاتونين يحسّن جودة النوم عند تناوله في الليل، وربما يسرّع الخلود للنوم، لكن كيناواي أشار إلى أنه لا يسهل على المرء الاستمرار في النوم أو الوصول إلى مراحل النوم العميق.
في حال عدم تحقيق الميلاتونين للنتائج التي ترجوها، فاطمئن.. لستَ الوحيد.
فقد أشار كيناواي إلى أنّه التقى العديد من الأشخاص الذين يتوقعون أن يعوّض الميلاتونين عن عاداتهم السيئة، مثل: تناول الوجبات الثقيلة، وشرب الكحول قبل وقتٍ قصير من النوم، أو استخدام الإلكترونيات في وقتٍ متأخر من الليل، أو عدم الحفاظ على نسقٍ واحد لمواعيد النوم. ويؤكد: "لكن الميلاتونين لن يعوّض عن تلك العادات بالتأكيد".
وأردفت طبيبة علم النفس شيلبي: "يمكن للميلاتونين أن يساعد البعض، لكنه لن يكون العلاج السحري للجميع، كما يُعتقد على نطاقٍ واسع".
لكن إذا كنتِ حاملاً أو تخططين للحمل أو مُرضِعة، فإيّاك أن تتناولي الميلاتونين. وإذا كنتَ (كنتِ) تتناول مضادات الاكتئاب، فيجب الامتناع عن تناولها؛ لأنها يمكن أن تزيد أعراض الاكتئاب سوءاً.
ما هي حلول النوم البديلة عن الميلاتونين؟
تتشابه جميع مكمّلات النوم الأخرى مع الميلاتونين، من ناحية أنها لن تستطيع التعويض عن قلة النوم، كما لا يمكنها علاج اضطرابات النوم المعروفة، مثل الأرق، لكن الهدف منها أن تلعب دور مساعد -تكميلي- في روتين الليل الصحي.
وهناك أبحاثٌ محدودة عن تأثير مختلف المكونات على نوم الأشخاص، ولكن مساعدات النوم غير القائمة على الميلاتونين لم تكتسب شعبيةً واسعة في السنوات الأخيرة. إليكم لائحة بها:
- المغنيسيوم: يعتبر المغنيسيوم من العناصر المعدنية الأساسية التي يحتاجها الجسم ليزدهر. فالنظام الغذائي وحده قد لا يؤمن الجرعة الكافية واللازمة منه. ويُعتبر "بيغليسينات المغنيسيوم" أكثر نوعٍ يساعد بالنوم؛ لأنه يجمع بين المغنيسيوم وحمض جلايسين الأميني، الذي أثبت فاعليته في تحسين جودة النوم.
- الثيانين: حمض أميني نشط عصبياً ويوجد في الشاي الأخضر؛ إذ يعمل حمض L-Theanine عن طريق حظر مستقبلات الدماغ التي تطلق استجابة التوتر. ويمكن أن تكون هذه المكملات مهدئةً للأشخاص الذين يميلون إلى الشعور بالتوتر قبل النوم في المساء، بحسب أخصائي النوم وعلم النفس السريري مايكل بريوس.
- هيدروكسي التريبتوفان: يُعتقد أن 5-هيدروكسي التريبتوفان يؤثر بشكلٍ غير مباشر على مستويات الميلاتونين؛ إذ يمكن لهذا الحمض الأميني أن يزيد إنتاج السيروتونين الذي يحسن المزاج، والذي يمكن تحويله بعدها إلى ميلاتونين. ويمكنه أن يساعد في تقليص الوقت الذي تستغرقه قبل الخلود إلى النوم.
- القنب: يُستخدم زيت القنب ومركبات أشباه القنب الأساسية الأخرى (مثل الكانابيديول) عادةً للمساعدة في تخفيف مشاعر القلق والتوتر. ولهذا يمكن أن تُستخدم للاسترخاء قبل النوم؛ إذ وجدت دراسةٌ أُجرِيَت عام 2019 أنه حسّن درجات النوم الخاصة بـ48 شخصاً كانوا يُعانون من التوتر والأرق على المدى القصير.
- الناردين الطبي والجنجلة والأعشاب الأخرى: تضم قائمة النباتات الأخرى التي يمكنها أن تعزز النوم والاسترخاء كلاً من: العناب، والناردين الطبي، والجنجلة، والترنجان المخزني، والكرز.
الخلاصة أن الميلاتونين هو هرمون يفرزه جسمنا مع اقتراب موعد النوم، ولكن هذا لا يعني ضرورة استخدامه كمكمّلٍ لتعزيز النوم. وإذا حاولتَ تناوله في الماضي من دون جدوى، فليس عليك سوى تنظيم موعد نومك واستشارة طبيبك إن كنت تشتبه بوجود مشكلةٍ أكبر.