الخوف شعور لا مفر منه في التجربة الإنسانية وهو رد فعل مبرر تماماً، كالشعور بالخوف عند سماع تحركات في منتصف الليل بمحيط المنزل. والخوف الذي يبدأ بفكرة في الدماغ ينتقل عبر جميع أنحاء الجسم ليصل إلى أصغر الشعيرات والعضلات.
رغم المشاعر القوية التي تعصف بالإنسان نتيجة الخوف، فإنه آلية بقاء أساسية مرسخة في الحمض النووي، تحث أجسامنا على الاستجابة للخطر بالقتال أو الهروب. وتستحضر مشاهد الحروب والضحايا والقتلى والجرحى مشاعر الخوف وفكرة "ماذا لو كنت أنا في مكانهم؟". والخوف الذي يبدأ أولاً كفكرة في الدماغ، يتجلى أيضاً على الجسم بطريقة مادية ويحضّره لكل الاحتمالات.
استجابة الجسم لمشاعر الخوف
يجهّزنا الخوف للرد على الخطر، وبمجرد أن نشعر بخطر محتمل، يفرز الجسم هرمونات تقوم هذه المهام التي عددها موقع Medical News Daily:
إغلاق أو إبطاء عمل أعضاء غير ضرورية للبقاء (مثل الجهاز الهضمي).
شحذ الأعضاء التي قد تساعدنا على البقاء (مثل البصر والسمع).
زيادة معدل ضربات القلب، ليتدفق الدم إلى العضلات؛ حتى نتمكن من الجري بشكل أسرع.
تعزيز تدفق الهرمونات إلى منطقة في الدماغ تُعرف باسم اللوزة؛ لمساعدتنا على التركيز على الخطر الحالي وتخزينه في ذاكرتنا.
في الجلد، على سبيل المثال، تتقلص الأوعية الدموية المركزية حول الأعضاء الحيوية لتغمرها بالأوكسجين والمواد المغذية، ويتم ضخ الدم بالعضلات، لتكون جاهزة للتفاعل.
توسيع قزحية العين.
تعزيز إنتاج الدموع وسيل اللعاب، وهو ما يفسر جفاف الفم الذي يرافق الشعور بالخوف.
كما تصبح العضلات، وضمنها تلك الموجودة في قاعدة كل شعرة، أكثر إحكاماً أيضاً، مما يتسبب في انتصاب الشعيرات، وهو ما يسمى بالعامية صرخة الرعب.
عندما يقف شعر الإنسان، فإن ذلك لا يُحدث فرقاً كبيراً في مظهره، ولكن بالنسبة لبعض الحيوانات، فإن انتصاب وبرها أو فروها أو ريشها يجعلها تبدو أكبر حجماً.
كيف يؤثر الخوف على الإنسان نفسياً؟
إن استجابة الخوف مصممة للتعامل مع الأخطار الجسدية الوشيكة، ولكن لأننا نعيش في مجتمع تندر فيه هذه المخاطر (باستثناء مناطق الصراع والحروب)، فإن نوع الخطر الذي يتعامل معه الإنسان إجمالاً ذو طبيعة نفسية أو اجتماعية.
لكن الدماغ – الذي يميل إلى التعميم- لا يمكنه معرفة الفرق، كما يقول عالم النفس الإكلينيكي كاري ستيفنز لموقع جامعة واشنطن للطب UW Medicine.
أي بمعنى آخر، يتفاعل الدماغ مع شيء مثل التغيب عن موعد نهائي للعمل بالطريقة نفسها التي يستجيب بها لشيء يهدد الحياة بالفعل، مثل الحرب أو زلزال.
يقول ستيفنس: "القلق هو استجابة عاطفية لشيء يعتقد الدماغ أنه خطير، لكنه ليس خطيراً في الواقع".
قد يكون بعض هذا القلق جيداً وإرشاداً لما يجب تجنُّبه، فالمشي في الخارج ليلاً ليس بالضرورة أمراً خطيراً، ولكن وجود استجابة الخوف يحث على الوجود مع صديق لتجنُّب مواقف غير محمودة العواقب.
عندما يضل الخوف طريقه
ويوضح ستيفنس: "بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق، فإن الاستجابة تتجاوز الحد الذي لم تعد فيه الحالة صحية، ولكنها تتداخل مع الحياة. لنفترض أن الموعد النهائي لتسليم تقرير في العمل بعد أسبوعين، فإن الشعور بالقلق من عدم إنجاز المشروع بحيث لا يمكن إنجاز أي شيء آخر، يصبح أمراً غير صحي".
ولأن الاستجابة الجسدية للقلق تشبه إلى حد بعيدٍ الخوف، إلا أنها عادةً ما تكون بدرجة أقل، أما نوبة الهلع فهي "رد فعل حاسم بالقتال أو الفرار".
يقول: "إنها عملية رائعة، ولكن إذا حدثت عندما لا تريد أن تحدث، فهذا عندما يأتي الناس لرؤيتي". "إنه مصمَّم لإبقائنا أحياء، وليس إلحاق الأذى بنا".
عندما يصبح الخوف متعة
ولكن لماذا يستمتع الأشخاص الذين يحبون الأفعوانية والمنازل المسكونة وأفلام الرعب بالوقوع في تلك اللحظات المخيفة والمرهقة؟ لأن الإثارة لا تنتهي بالضرورة بانتهاء الرحلة أو الفيلم. من خلال عملية نقل الإثارة، يظل الجسم والعقل متأهبَين حتى بعد انتهاء التجربة المخيفة.
يقول دكتور علم النفس زاكاري سيكورا، لموقع مركز Northwestern الطبي: "خلال تجربة الخوف، ينتج دماغك مادة كيميائية تسمى الدوبامين، تثير بدورها المتعة".
الخوف ليس فوبيا
إذا شعرت بالخوف إلى حد ما بشأن السباحة بعد مشاهدة فيلم عن هجوم سمكة القرش على الإنسان، فإن الفيلم نجح في مهمته. ولكن إذا وجدت نفسك مرعوباً ومصدوماً وغير قادر على العمل بمجرد التفكير في الاستلقاء على الشاطئ، فقد تخطى الأمر شعور الخوف العادي.
الفرق بين الخوف والرهاب بسيط؛ المخاوف هي ردود فعل شائعة تجاه الأحداث أو الأشياء. لكن الخوف يصبح رهاباً عندما يتعارض مع قدرة الإنسان على العمل والحفاظ على نوعية حياة ثابتة.
إذا بدأت في اتخاذ إجراءات صارمة لتجنُّب الماء أو العناكب أو البشر، فقد تطور الخوف إلى رهاب، واستشارة أخصائي نفسي أصبحت أمراً واجباً.