يختبر العديد ما يسمى باكتئاب الشتاء بسبب انخفاض درجات الحرارة واختفاء الشمس لفترات طويلة، لكن تشقق الجلد وسيلان الأنف والاضمحلال ما هي إلا الظاهر للعين، وتحت الجلد تدور معارك وتستنفر عدة أجهزة لمواجهة تأثير البرد على الجسم.
نستعرض في هذا التقرير تأثير البرد على الجسم ووكيف تغير الحرارة المنخفضة آلية عمل أجهزة الجسم وجهوده الحثيثة لتدفئة الجسم باستمرار.
الرئتان والاستجابة المناعية
تضيق الممرات الهوائية العلوية أثناء درجات الحرارة الباردة، لأن الجسم يحاول أن يبقى دافئاً، ولتجنب فقدان الحرارة، يقيد جسمك الأوعية الدموية في أي مناطق سطحية تتفاعل مع البيئة الباردة، مثل الرئتين، كما توضح الأستاذة المساعدة للأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا شروتي جوهيل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم الانخفاضات الجوية المفاجئة في درجة الحرارة تكون مصحوبة برطوبة نسبية منخفضة، مما يعني وجود رطوبة أقل في الهواء.
يؤدي استنشاق هذا الهواء الجاف إلى زيادة تضييق المسالك الهوائية العلوية- مما يؤدي إلى السعال والصفير وضيق التنفس، حسب ما نشرت مجلة Discover Magazine.
وبالتالي، يصعّب هذا الانقباض على خلايا الدم البيضاء عملية الانتقال إلى أجزاء مختلفة من الجسم ومحاربة مسببات الأمراض المهاجمة.
كما يخفف الهواء الجاف أيضاً من قدرة الخلايا في بطانة المخاط في مجرى الهواء على خلق استجابة مناعية فعالة ضد فيروسات الجهاز التنفسي.
وعندما تنخفض الرطوبة في الهواء، تزيد فرصة الفيروسات في الهبوط على مواقع مستقبلات مجرى الهواء، مما يجعل الإنسان أكثر عرضة للإصابة بالمرض.
العضلات والمفاصل
يشكو العديد من الناس آلاماً في المفاصل والعضلات في أجواء الطقس الباردة، ورغم عدم وجود دليل قاطع يربط بين البرد وهذه الآلام المزمنة، إلا أن دراسة نشرت العام 2017 اكتشفت أن المشي المتكرر في الخارج في ظل الطقس البارد يزيد من فرص الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي.
وأوضح أخصائي الطب الرياضي في معهد هوغ لتقويم العظام في جنوب كاليفورنيا جيمس سوتشي أنه "لا يوجد أي تفسير كافٍ لسبب إصابة المفاصل، ولكن إذا كان هناك أي تفسير مناسب، فهو أن الطقس البارد يعرض المزيد من المستقبلات العصبية الحساسة لتقلبات الضغط وقد يتسبب في تمدد مساحة المفصل المغلقة أو الانقباض من خلال الثقوب المكشوفة داخل الغضروف".
ورجح أن تؤثر التغيرات في درجات الحرارة على صلابة وترهل الأوتار والأربطة.
دراسة أخرى أجريت العام 2012 في السويد، تابعت ما يقرب من 135000 عامل بناء يقضون عدة ساعات في اليوم في البرد.
وجد الباحثون أنه بالمقارنة مع الأشخاص الذين يقضون معظم أيامهم في العمل في الداخل، فإن الرجال الذين عملوا في درجات حرارة أكثر برودة ظهرت لديهم حالات أكثر من آلام الظهر والرقبة.
الهرومونات والصحة النفسية
يحتاج البشر إلى ضوء الشمس؛ وكل ما يحتاجه الأمر هو بضع دقائق في الشمس ليطلق الدماغ مادة السيروتونين، الهرمون المسؤول عن تنظيم المشاعر.
ولكن عندما تصبح الأيام أقصر وتختفي الشمس خلف الغيوم لمدة أطول، يتأثر مزاج الإنسان، ومع انخفاض مستوى السيروتونين، تشيع مشاعر القلق والاكتئاب ونقص الطاقة.
كما يؤدي غياب الشمس إلى اختلال عمل هرمون الميلاتونين المسؤول عن الشعور بالنعاس، فيبدأ إفرازه مبكراً ويشعر الإنسان بالنعاس خلال اليوم، كما يصعب النوم خلال الليل.
للطقس البارد تأثير غير مباشر على الصحة العقلية أيضاً بسبب قضاء وقت أطول في الداخل، ويقل بطبيعة الحال النشاط البدني والتواصل الاجتماعي مع الآخرين.
الحاجة للتبول من تأثير البرد على الجسم
عند الشعور بالبرد يقلل جسمك من الدورة الدموية إلى الأطراف وسطح الجلد، وهي عملية تسمى تضييق الأوعية المحيطية، لذلك تتوجه كمية أكبر من الدم إلى القلب، وهو ما يزيد من ضغط الدم الشرياني، حسب ما نشر موقع Cool Antarctica.
تتحمل الكلى مسؤولية استجابة الجسم لمحاولة تقليل هذا الضغط عبر تقليل حجم الدورة الدموية عن طريق إزالة الماء إلى المثانة، ليتم إخراجه من الجسم في البول؛ تُعرف هذه العملية باسم "إدرار البول البارد".
عندما ترتفع درجات الحرارة، يعيد الجسم توجيه الدورة الدموية إلى الأطراف، مما يقلل من حجم الدورة الدموية في القلب. يشعر الإنسان عندها بالعطش ويطالب بحاجته من الماء، وهكذا دواليك.