بالتأكيد من الرائع أن نكون متفائلين مستبشرين بالخير، وأن ننظر للنصف المليء من الكأس كما يقولون، لكن في بعض الأحيان قد تخرج الأمور عن السيطرة، ويتحول التفاؤل إلى "إيجابية سامة"، وفي حين يساعدنا التفاؤل على المضي قدماً في حياتنا قد يكون للإيجابية السامة آثار مدمرة. فما هي وكيف تؤثر سلباً على صحتنا النفسية؟
ما هي الإيجابية السامة؟
في حين توجد الكثير من الفوائد للتفكير الإيجابي فإن الإفراط به قد يحدث أثراً عكسياً، فعندما تجبر نفسك على تجاهل مشاعرك عندما تمر بمواقف صعبة للغاية، وتُلزم نفسك بأن تكون سعيداً (في حين أنت لست كذلك في واقع الأمر)، فعندها قد تقع في فخ الإيجابية السامة.
الحياة ليست وردية دائماً، وسنتعرض بكل تأكيد لمشاعر الحزن والإحباط والغضب من وقت إلى آخر، وفي حين ليس من الجيد أن نسمح لهذه المشاعر بأن تقودنا وتستحوذ علينا، كذلك لا يجب أن نتجاهلها وكأنها ليست موجودة، إذ نحتاج في هذه الحالات إلى أن نتعامل مع مشاعرنا بصراحة، وأن نعترف بوجودها لنستطيع بالتالي التخلص منها.
إذاً نستطيع أن نقول إن الإيجابية السامة هي التفكير بإيجابية بشكل مفرط، مع نفي وجود أي مشاعر إنسانية طبيعية لدينا، مثل الحزن والإحباط والغضب.
أمثلة من حياتنا عن الإيجابية السامة
في حياتنا اليومية نتبنى الإيجابية السامة ونتعرض لها دون أن ندرك، إليك بعض الأمثلة على ذلك:
عندما يحدث لك شيء سيئ، مثل أن تفقد وظيفتك على سبيل المثال، ستسمع في الغالب عبارات مثل "انظر إلى الجانب المشرق" أو "عليك أن تبقى إيجابياً"، تهدف مثل هذه العبارات في الغالب إلى إظهار التعاطف لكنها في واقع الأمر تغلق في وجهك الأبواب ولا تسمح لك بالتعبير عما تعاني منه، وهو أمر أنت بحاجة إليه لتستطيع أن تتخطى مشكلتك.
عندما تفقد شخصاً عزيزاً على قلبك قد تسمع عبارة مثل "كل شيء يحدث لسبب"، يعتقد الناس أن قول شيء كهذا قد يجعلك تشعر بالراحة، لكنه كذلك لا يسمح لك بالتعبير عن ألمك الذي تجد نفسك مضطراً لإخفائه داخلك.
"السعادة هي خيار" عبارة أخرى تقال بحسن نية أيضاً، لكنها تجعلك تشعر أن مشاعرك السلبية ليست نتيجة آلام حقيقية تعرضت لها، إنما الذنب ذنبك لأنك لم "تختر" أن تكون سعيداً.
كل العبارات آنفة الذكر تحرمك في الواقع من الحصول على الدعم الذي تحتاج إليه حقاً عندما تمر بموقف صعب، وتجبرك على الاحتفاظ بآلامك داخلك وتجاهلها، لكن إذا قمت بتجاهلها فهذا لا يعني أنها غير موجودة ولا يعني أنها لن تؤثر عليك.
كيف تدمرنا الإيجابية السامة؟
الإيجابية السامة يمكن أن تكون مدمرة في الواقع للأشخاص الذين يمرون بأوقات صعبة.
فبدلاً من أن يتمكن هؤلاء من مشاركة المشاعر الحقيقية التي يشعرون بها والحصول على الدعم غير المشروط، يجدون أن مشاعرهم مرفوضة أو يتم تجاهلها والتعامل معها على أنها مجرد أوهام.
عندما يعاني شخص ما من أي نوع من أنواع المشاعر السلبية يجب أن يعلم أنه من الطبيعي أن يمر بهذه الفترات وأن تنتابه هذه المشاعر.
لكن الإيجابية السامة تجعله ينكر مشاعره وتدمره نفسياً بأكثر من طريقة:
تسبب الشعور بالذنب: الإيجابية السامة تجعلك تشعر بأن الحزن الذي تمر به ليس شيئاً طبيعياً، بل هو اختيارك الشخصي، وبالتالي يتزايد لديك الشعور بالذنب وعدم الرضا عن الذات.
تكبت العواطف: عندما تنتهج الإيجابية السامة في حياتك فأنت لا تتخلص من المشاعر السلبية أنت فقط تكبتها وتتجاهلها، وتتجنب مواجهتها، ولا تجيد التعامل معها، لكن تلك المشاعر تبقى موجودة داخلك منتظرة اللحظة المناسبة للظهور.
تشل القدرة على مواجهة المواقف الصعبة: عندما تتجنب الإيجابية السامة ستصبح أكثر قدرة على فهم مشاعرك والتعامل معها، وأكثر قدرة على مواجهة المواقف الصعبة.
من الممكن أن نكون إيجابيين ومتفائلين في كثير من المواقف، لكن الإيجابية في المواقف الصعبة مثل فقدان شخص عزيز أو المرض أو الوقوع في ضائقة مالية، قد تعتبر قسوة منك ومن الآخرين على نفسك.
كيف أعلم أنني ضحية الإيجابية السامة؟
الإيجابية السامة يمكن أن تكون في كثير من الأحيان خفية، ولكن هناك بعض العلامات التي قد تدلك على أنك تنتهجها في حياتك مثل:
- تجاهل المشاكل بدلاً من مواجهتها
- الشعور بالذنب عندما تحزن أو تغضب أو تصاب بالإحباط
- إخفاء مشاعرك الحقيقية وراء اقتباسات الشعور بالرضا التي تبدو أكثر قبولاً اجتماعياً
- التقليل من مشاعر الآخرين لأن سماعها يجعلك غير مرتاح
- لوم الآخرين عندما لا يكونون إيجابيين مثلك
كيفية تجنب الإيجابية السامة
إذا كنت قد تأثرت بالإيجابية السامة، أو إذا كنت تدرك هذا النوع من السلوك في نفسك، فهناك أشياء يمكنك القيام بها للتخلص من هذه المشكلة:
اعترف بمشاعرك: لا تنكر وجود مشاعر سلبية لديك، بل قم بمواجهتها وتعلّم كيف تتعامل معها للتخلص منها بشكل تدريجي. من الممكن أن تكتب مشاعرك أو تتحدث إلى صديق أو معالج نفسي إذا كان ذلك سيساعدك على فهم مشاعرك بشكل أفضل.
كن واقعياً: عندما تفقد شخصاً عزيزاً عليك من الطبيعي أن تشعر بالحزن، وليس طبيعياً أبداً أن تكون إيجابياً، لذا كن واقعياً في تقييم المواقف التي تمر بها.
استمع للآخرين: لا يجب أن تقع ضحية الإيجابية السامة، ولا يجب أن تمارسها على الآخرين كذلك، تعلّم الاستماع للآخرين وتفهم مشاعرهم وإظهار الدعم لهم عندما يحتاجون إلى ذلك.
ابتعد عن مسببات الإيجابية السامة: في بعض الأحيان قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي أحد الأسباب التي تدفعنا إلى الإيجابية السامة، فنحن نشاهد أن الجميع سعداء، فنشعر بالذنب عندما لا نكون قادرين على أن نصبح مثلهم. يجب أن تفهم أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تعكس الواقع وإذا كانت تسبب لك الأذى فمن الأفضل الابتعاد عنها.
عبارات الإيجابية السامة الأكثر شهرة
وفقاً لما ورد في موقع Very Well Mind فهذه هي العبارات الأكثر شهرة، والتي يستخدمها أولئك الذين يتبنون الإيجابية السامة في المواقف الصعبة:
- ابقَ إيجابياً
- كان من الممكن أن يحدث ما هو أسوأ
- كل شيء يحدث لسبب ما
- الفشل غير مسموح
- السعادة خيار
إذا صادفت صديقاً يمر بموقف صعب لا تتبع نهج الإيجابية السامة معه وتخبره بأن عليه أن ينظر إلى الجانب المشرق، بدلاً من ذلك من الممكن أن تقول له إحدى العبارات التالية:
- أنا أستمع.
- أنا إلى جانبك مهما حدث
- لا بد أن ما مررت به صعب جداً
- أحياناً تحدث أشياء سيئة كيف يمكنني المساعدة؟
- جميعنا نتعرض للفشل في مرحلة ما