هل سبق أن شعرت بأن جميع العيون تراقبك عندما اكتشفت أن هناك بقعة على قميصك الذي ترتديه في عملك؟ أو هل تتذكر بعض المواقف المحرجة التي تعرضت لها منذ أسابيع أو شهور أو حتى سنوات، ويراودك شعور بالإحراج في كل مرة تلتقي الأشخاص الذين كانوا حاضرين عندما حصل ذلك الموقف؟
من المحتمل أنك اعتقدت حينها أن جميع من حولك يحدقون فيك وأنهم حتماً لاحظوا الهيئة التي أنت عليها، وهذا ما يسميه الأخصائيون النفسيون "تأثير بقعة الضوء".
لكن في الحقيقة هذه الافتراضات بأن الجميع يراقبونك ويتذكرون المواقف المحرجة عنك افتراضات في عقلك فقط، ويطلق عليه علماء النفس اسم "تأثير بقعة الضوء" الذي يجعلك تعتقد أنك مركز الانتباه، خاصة في المواقف المحرجة.
تعرَّف معنا في هذا التقرير أكثر على هذا التأثير وأسبابه النفسية، وكيف يمكنك السيطرة عليه إذا زاد على حده وسبّب لك القلق والاكتئاب.
كثير منا قد يختبر أحياناً "تأثير بقعة الضوء" في حياتنا اليومية
تأثير بقعة الضوء هو شيء نختبره جميعاً بشكل متكرر في حياتنا اليومية. عندما نفكر في ما يعتقده الآخرون عنا، نميل أحياناً إلى المبالغة في تقدير مدى احتمالية ملاحظتهم الأشياء التي نقوم بها، وكذلك مدى احتمالية اهتمامهم بهذه الأشياء.
يختبر الناس تأثير بقعة الضوء في مواقف مختلفة، فمثلاً:
- عندما يرتدي الناس ملابس يعتقدون أنها محرجة، فإنهم يميلون إلى المبالغة في تقدير مدى جاذبية ملابسهم للآخرين.
- وبالمثل، عندما يرتدي الناس ملابس مقلدة من ماركات باهظة الثمن، فإنهم يميلون إلى المبالغة في تقدير الدرجة التي من المحتمل أن يلاحظها الآخرون أو يكتشفوا أمرها.
- عندما يشارك الناس في مناقشات جماعية، فإنهم يميلون إلى المبالغة في تقدير مدى أهمية تعليقاتهم للأعضاء الآخرين في المجموعة.
- عندما يشارك الأشخاص في رياضة ما أو يلعبون لعبة فيديو، فإنهم يبالغون في تقدير احتمالية ملاحظة زملائهم في الفريق الأخطاء التي يرتكبونها.
لماذا يشعر بعض الأشخاص في المواقف المحرجة بأن الجميع يراقبهم؟
يعتبر تأثير بقعة الضوء أحد أشكال الانحياز الإدراكي الذي يتسبب في زيادة تفكير الفرد في المواقف التي يتعرض لها، خاصةً المحرجة منها، وشعوره بأن جميع الأشخاص المحيطين به ينظرون إليه، على سبيل المثال إذا قام بتلطيخ ملابسه في أثناء تناول وجبة الغداء.
السبب في طريقة التفكير هذه يكمن في تركيز البعض بشكل كبير ودقيق على منظور الآخرين لهم، وقد يصل البعض لمرحلة متقدمة تسمى "وهْم الشفافية"، عندما يعتقدون أن للآخرين القدرة على قراءة أفكارهم وتمييز حالتهم العاطفية حتى.
على الرغم من أننا ندرك أن الآخرين ليس لديهم وصول مباشر إلى أفكارنا وعواطفنا، فإن البعض يفشلون في تقبُّل حقيقة أن منظور الآخرين عنا يختلف عن منظورنا وأن ما نركز عليه بشدة في مظهرنا وأفعالنا، لن يتذكره الأشخاص الآخرون ولن يلاحظوه حتى؛ لأنهم ينشغلون بحياتهم في أغلب الأوقات.
تجربة القميص
في إحدى الدراسات التي نُشرت بمجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي في عام 2000، وجد الباحثون دليلاً يشير إلى أن الناس بالغوا في تقدير مقدار الاهتمام الذي يوليه الآخرون لأفعالهم.
في هذه الدراسة، أحضر الباحثون مجموعات من الطلاب إلى غرفة، وطلبوا من أحد الطلاب بشكل عشوائي أن يلبس قميصاً مضحكاً، عليه صورة مطرب أمريكي يدعى باري مانيلو.
طلب الباحثون من الطلاب الذين يرتدون القميص المحرج تقدير عدد الأشخاص في الغرفة الذين لاحظوا ما كانوا يرتدونه. قدَّر الطلاب الذين يرتدون القميص أن نحو 50% من الأشخاص لاحظوا ذلك.
لكن في الواقع، 25% فقط من الأشخاص بالغرفة لاحظوا القميص.
ومن المثير للاهتمام، أنه عندما طُلب من الطلاب الآخرين تقدير عدد الأشخاص الذين اعتقدوا أنهم سيلاحظون القميص، كان لديهم تقدير مماثل للواقع: نحو 25%. هذا يعني أن ارتداء القميص والوجود بالموقف تسببا في المبالغة في تقدير عدد الأشخاص الذين سيلاحظون ذلك بشكل جذري.
تجربة القلق الاجتماعي
في بحث آخر قامت به جامعة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة عام 2006، عن علاقة تأثير بقعة الضوء بالقلق الاجتماعي، وهو حالة صحية عقلية تنطوي على القلق بشأن أحكام الآخرين التي تتعلق بنا،
طلب الباحثون من المشاركين الذين لديهم تاريخ من المستويات المتوسطة إلى العالية من القلق الاجتماعي، أن يكملوا تمريناً للذاكرة.
أخبروا مجموعة من المشاركين بأنه سيتم تسجيل الجلسة ومراجعتها من قِبل خبراء. ولكن أخبروا المجموعة الثانية بأن الهدف من التمرين هو معرفة عدد الأحداث المهمة التي يمكن أن يتذكرها المشاركون، ولم يذكروا أنه سيتم تسجيل الجلسة.
تشير النتائج إلى أن المشاركين الذين اعتقدوا أنه سيتم تقييمهم لاحقاً، شعروا بمزيد من الوعي الذاتي بشأن أدائهم.
كيف يمكن التعامل مع تأثير بقعة الضوء؟
رغم أنه من الطبيعي أن تشعر أحياناً بالإحراج أو قليل من القلق من أن الناس يراقبونك، فإن الشعور المستمر بأنك تحت المراقبة مُنهِك، والقلق الدائم بشأن كيفية رؤية الآخرين لك يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الثقة بالنفس ويزيد من حدَّة مشاعر القلق الاجتماعي، وقد يتحول لاضطراب نفسي يحتاج العلاج.
يمكن أن يساعدك العلاج السلوكي المعرفي مع معالج متخصص بالقلق الاجتماعي، في التخفيف من مشاعر الإحراج والتيقظ المستمر بأن الجميع يراقبك.
كما قد يتم وصف بعض الأدوية، مثل مضادات الاكتئاب في بعض الحالات الشديدة التي يشعر أصحابها بالقلق الزائد والمستمر أو الاكتئاب.
من المهم أيضاً للأشخاص الذين يعانون من تأثير بقعة الضوء أن يحاولوا تركيز انتباههم على العالم الخارجي وملاحظة ردود فعل الآخرين تجاههم. سيساعدهم هذا على التوقف عن التركيز على قلقهم وملاحظة مدى ضآلة ملاحظة الآخرين لتفاصيلهم.