إذا كنت تشعر بأنك في الثلاثينيات من العمر بالرغم من مشارفتك على سن الخمسين، فقد تكون هذه أخباراً جيدة لك، ودليلاً إيجابياً على مستوى صحتك الجسدية والعقلية وتمتُّعك بالشباب أكثر من غيرك.
لماذا يشعر البعض بأنهم أصغر من عمرهم الفعلي؟
أثار موضوع اختلاف العمر النفسي عن العمر الواقعي لدى الكثير من الناس اهتمام علماء النفس وأطباء الصحة وأعراض الشيخوخة، ووجدت الأبحاث في هذا المجال أن الشعور بأنك أصغر من عمرك قد يحميك من الآثار الضارة للتوتر والإجهاد المرتبط بالتقدم في السن.
وقام باحثون من المركز الألماني لعلم الشيخوخة بتحليل امتد لثلاث سنوات، وجمع بيانات من أكثر من 5000 مشارك من مسح الشيخوخة الألماني.
وطرح الاستطلاع أسئلة على المشاركين الذين تبلغ أعمارهم 40 عاماً فأكثر، اندرجت في الفئات الثلاث التالية:
- العمر الوظيفي (قدرة الفرد على بذل الجهد): تم سؤالهم ما إذا كان لدى الأشخاص أي قيود في إكمال 10 أنشطة يومية، بما في ذلك الاستحمام.
- العمر الذاتي (الشعور النفسي بالسن): وفيه تم سؤال الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع عن شعورهم بأعمارهم مقابل عمرهم الزمني الواقعي.
- الإجهاد المُتصور: إذا كان الأشخاص يواجهون مشكلات في حياتهم شعروا أنها مربكة ومتعلقة بالتقدم في السن.
ووجد الباحثون أن الشعور بالشباب قد يكون بمثابة "حاجز وقائي للتوتر"، مما قد يساهم في الحماية من المشكلات الصحية المرتبطة بالتوتر.
وخلُص الباحثون إلى أن الشعور بعُمر ذاتي أصغر من السن الفعلي للشخص له دور في تخفيف التوتر. والعكس صحيح كذلك، إذ إن العمر الذاتي الأكبر هو عامل ضعف يؤدي لتفاقم ضعف الصحة البدنية والعقلية.
رد فعل وقائي للتخفيف من توتر التقدُّم في السن
ولفتت مجلة علم النفس والشيخوخة الصادرة عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس، إلى أن "الشعور بأنك أصغر سناً عن عمرك الواقعي قد يكون رد فعل نفسياً وقائياً كمخفف للتوتر".
وفي الورقة التي نشرها حول "لماذا يشعر البعض بأن أعمارهم تختلف عن سنهم الأصلية"، درس المؤلفون مجموعة كبيرة من كبار السن لتحديد ما إذا كان العمر الذي شعروا به، وليس عمرهم الفعلي، يؤثر على صحتهم العامة والعقلية.
وللمرة التالية أيضاً، كان العمر الافتراضي الذي يتوقعه الناس لأنفسهم ويجعلهم أصغر سناً، مؤشراً مهماً على انخفاض أقل حدة في الصحة الوظيفية بين الأفراد الأكبر سناً.
بالإضافة إلى ذلك، اتضح أن الأفراد الذين يشعرون بأنهم أصغر سناً عن عمرهم الفعلي، كان التأثير الضار للإجهاد وعوامل الشيخوخة في تغيير الصحة الوظيفية العامة لأجسامهم أضعف وأقل تأثيراً عن الآخرين، وفقاً لموقع WebMD.
هذا يعني أن النظر إلى نفسك على أنك تتمتع بعمر أقل من عمرك الفعلي ينتج عنه قدرة "عازلة" تزداد بالفعل في الحجم مع تقدم العمر الزمني. كما أنها تنتج فوائد صحية إيجابية للصحة النفسية والجسم.
فوائد الشعور بأنك أصغر سناً من عمرك الحقيقي
نتائج هذه الدراسة، وفقاً لعالم النفس الأمريكي جيمس سي جاكسون، تسلط الضوء على الجوانب الإيجابية للشعور بأنك أصغر من العمر الزمني الواقعي.
وبحسب الطبيب، فإنه يدعم فكرة أن الإدراك الذاتي للشيخوخة يمكن أن يوازن وربما يمنع الآثار السلبية للتوتر والإجهاد العام للصحة النفسية والجسم، كما يسلط الضوء على القيمة المحتملة لرؤية نفسك شاباً وليس كبيراً.
وبالإضافة إلى العمر الذاتي، هناك عوامل نفسية أخرى من المحتمل أن تلعب دوراً في التخفيف من المشكلات الصحية المرتبطة بالتوتر، بما في ذلك الحفاظ على نظرة إيجابية للحياة.
يقول جاكسون، بحسب موقع Very Well Health للصحة: "لا يتعلق الأمر فقط بالشعور بالشباب، ولكن هناك أيضاً شيء يتعلق بموقف الشخص الذي يكون أكثر تفاؤلاً وأكثر حضوراً في اللحظة التي يكون فيها".
هناك جانب آخر مهم للغاية -وهو التأثير الذي تحققه النظرة الشابة في إبقائنا صغاراً في العقل والجسد على حد سواء- وهي الاختلافات الشخصية التي تحدث للفرد اعتماداً على ما إذا كان يعتبر نفسه أكبر سناً أو أصغر مما هو عليه بالفعل.
بمعنى أن أولئك الذين يعتقدون أنهم أصغر سناً هم أكثر عرضة لقبول تحديات التقدم في السن وكسب الخبرة والنضج، مما يؤدي إلى تحسين الصحة البدنية والوظائف الإدراكية.
في الوقت نفسه، يطور هؤلاء المرونة (أو ما يسميه الباحثون "استراتيجية الحماية الذاتية") للتأثيرات والصور النمطية حول الشيخوخة.
لذلك بشكل جماعي، تنشئ هذه مجموعة أدوات من آليات الحفاظ على الذات والتي تبدو أنها وقائية ضد التدهور المعرفي والاكتئاب المرتبط بالشيخوخة، بحسب موقع Science Daily للأبحاث العلمية.
الشعور بالتقدم في السن أيضاً له تأثير مضاد
يأتي ذلك في الوقت الذي ثبت فيه أن الآلية التي تربط الرفاهية الجسدية والعقلية بالعمر الذاتي المعنوي تعمل بشكل شبه مؤكد في كلا الاتجاهين.
بمعنى أنك إذا كنت تشعر بالاكتئاب والنسيان والضعف الجسدي، فمن المُحتمل أن تشعر بأنك أكبر سناً، وفقاً لموقع The Conversation.
وبالتالي قد تكون النتيجة حلقة مفرغة، مع عوامل نفسية وفسيولوجية تساهم في زيادة العمر الذاتي وتدهور الصحة العامة، مما يجعلنا نشعر بأننا أكبر سناً وأكثر ضعفاً حسدياً وذهنياً.
لذلك بشكل عام، يتمتع أولئك الذين يبلغون عن ضغوط أكبر إلى انخفاض أكبر في قدرتهم على تنفيذ المهام الروتينية اليومية للحياة الطبيعية. واتضح أن هذا الارتباط أقوى بشكل عام مع تقدم العمر.
لكن العلاقة بين التوتر والضعف كانت أضعف بشكل ملحوظ بين أولئك الذين أشاروا إلى أنهم شعروا بأنهم أصغر من سنهم الحقيقية.
لذلك أي الفريقين أنت؟ فقد يشير الجواب في نهاية المطاف إلى مستوى صحتك العامة وصحتك النفسية. وقد يساعدك العمل من اليوم على تعزيز قدراتك الجسدية للشعور بالشباب، لأنه، نعم، الأمر بتلك البساطة!