على مدار قرون، كانت القراءة دائماً وسيلة بارزة وأساسية في عملية التعلُّم والثقيف، ولكن القراءة الممتعة كفعل يومي مستمر اتضح أن لها العديد من الفوائد التي تفوق مجرد تحقيق الفائدة العلمية المجردة.
بعد عقود من البحث والدراسة، اتضح أن قراءة الكتب بأنواعها، بشكل دائم ومستمر، تعزز كلاً من صحتك الجسدية والعقلية على حدٍّ سواء، بل يمكن أن تستمر هذه الفوائد لديك على مدى الحياة.
القراءة تقوِّي العقل وتصنع روابط جديدة
تشير مجموعة متزايدة من الأبحاث إلى أن القراءة اليومية قادرة على تغيير عقلك بالمعنى الحرفي للكلمة. وباستخدام فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، أكد الباحثون ضمن دراسة NCBI للعلوم، عام 2014، أن القراءة تتضمن شبكة معقدة من الدوائر والإشارات في الدماغ.
ومع نضوج قدرتك على القراءة يومياً، تصبح هذه الشبكات أقوى وأكثر تعقيداً وأكثر مهارة.
وفي إحدى الدراسات التي أجريت في عام 2013، ونشرها موقع Brain Connectivity للعلوم والأبحاث، استخدم الباحثون فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لقياس تأثير قراءة رواية واحدة على الدماغ.
قرأ المشاركون في الدراسة رواية "بومبي" على مدى 9 أيام، ومع تزايد التوتر في القصة، تضاء المزيد والمزيد من مناطق الدماغ بالنشاط.
وأظهر مسح الدماغ أنه طوال فترة القراءة ولأيام بعد ذلك، زاد اتصال الدماغ، خاصة في القشرة الحسية الجسدية، وهي جزء من الدماغ يستجيب للأحاسيس الجسدية مثل الحركة والألم.
القراءة اليومية تزيد معدل الذكاء
الأشخاص الذين يظهرون مهارات قراءة قوية في وقت مبكر من حياتهم يكبرون ليصبحوا أكثر ذكاءً عن غيرهم وفقاً لموقع Healthline.
وبحسب دراسة علمية نشرها الموقع، وأجريت عام 2014 وقامت بقياس التطور المعرفي لـ1890 لمجموعة من التوائم المتماثلة.
اتضح أنه رغم تشارك التوأم في نفس الجينات والبيئات المنزلية، ظهرت مهارات القراءة المبكرة كعامل يقرر أيهما سيكون أفضل في الاختبارات اللفظية (مثل حفظ المفردات) والاختبارات غير اللفظية (مثل اختبارات التفكير).
ونظراً لأن القدرة على القراءة هي شيء يتم تعلُّمه، فقد خلص مؤلفو الدراسة إلى أنه يجب التركيز بشكل أكبر على تعليم مهارات القراءة القوية للأطفال الصغار.
القراءة اليومية تساعد على زيادة التعاطف والشعور بالآخرين
القراءة اليومية لا تجعلك أكثر ذكاءً فحسب- بل يمكن أن تجعلك شخصاً أكثر لطفاً وتعاطفاً مع الآخرين أيضاً.
ووفقاً لدراسة نُشرت عام 2013، فإن الأشخاص الذين يستهلكون الخيال الأدبي لديهم قدرة أكبر على الإحساس بعواطف الآخرين. ومن المحتمل أن يكون لهذا التأثير علاقة بالطريقة التي تتم بها كتابة مثل هذه الكتب.
مثلاً يجبر الأدب العالمي الراقي القراء على الخروج من أنفسهم والتعاطف مع الشخصيات التي يقرأون عنها، وبالتالي يكونون أكثر استيعاباً وتفهُّماً للآخرين.
ويوضح موقع Mental Floss، أننا في عالمنا المليء بجنون السرعة وفوضى المعلومات على الإنترنت، يتم جذب انتباهنا في مليون اتجاه مختلف في وقت واحد، فنقوم بمهام متعددة كل يوم بشكل يجعل العقل في حالة من التشتت والتذبذب على مدار الساعة.
يتسبب هذا النوع من السلوك الشبيه باضطراب نقص الانتباه (ADHD) في ارتفاع مستويات التوتر والقلق المزمن عند الأشخاص، ويقلل من إنتاجيتنا وقدرتنا على الاسترخاء وإنهاء المهام بصورة سليمة.
لكن عندما تقرأ يومياً، يتركز كل انتباهك على القصة والأحداث والشخصيات خلال مدة القراءة اليومية- ويسكن صوت بقية العالم لبعض الوقت، وتتمكن حينها من الانغماس في كل التفاصيل الدقيقة التي تستوعبها.
لذا حاول القراءة ما بين 15 إلى 20 دقيقة قبل العمل أو بدء يومك الدراسي إذا كنت طالباً، وستُفاجأ بمدى تركيزك أكثر بمجرد إنهاء جلسة قراءتك القصيرة سواء في وقت استخدام المواصلات أو خلال انتظار سيارتك للشارات الحمراء.
تحسين قدرات الذاكرة والقدرة على استرجاع المعلومات
في كل مرة تقرأ فيها يومياً، أنت تخلق ذكريات جديدة- وهذه العملية تخلق تشابكات وخيوطاً عصبية جديدة في المخ، بالإضافة إلى تقويتها لما هو موجود بالفعل.
وعندما تلتقط الكتاب وتبدأ في القراءة بعد آخر مرة قرأت فيها فصلاً من ذات الكتاب، ستحتاج إلى تذكر الشخصيات والحبكة والتفاصيل الفرعية والأحداث والمادة التي يطرحها الكتاب، وهي التفاصيل العميقة والمتشابكة التي تحتاج للكثير من الجهد لكي يتم استحضارها بصورة واضحة.
إلا أن القراءة اليومية، لمدة لا تقل عن 10 دقائق يومياً ودون مشتتات، ستعمل على تحسين أداء عقلك وذاكرتك، وسيكون لها تأثير إيجابي على حياتك.
تحفيز الإبداع والقدرة على الابتكار
يقودنا الانخراط في رواية كتاب ما مكون من حبكة وشخصيات وصراعات، إلى تصور السيناريوهات أو الوجوه أو الملابس وتفاصيل هذا العالم الذي تتخيله.
وكلما قرأت نوعيات مختلفة، تشكلت في ذهنك شخصيات وسيناريوهات مُعقدة.
هذا هو أحد الأسباب التي تجعلنا عندما نغلق الكتاب نشعر وكأننا نعاني من إحساس بالتخلي عن واقع بديل والعودة إلى واقعنا، ما يعزز قدرات العقل الإبداعية القادرة على التخيُّل والابتكار، بحسب موقع Medium.
تعالج الإجهاد والتوتر والقلق
القراءة دائماً ما تكون قسطاً من الراحة والتركيز خلال يومك الحافل والمزدحم. وسواء كانت القراءة هي راحتك بعد انتهاء العمل، أو إنهاء نشاط منزلي، أو حتى بعد ساعات من المذاكرة الثقيلة، فالقراءة هي راحة من المهام الثقيلة.
يُعد إيقاف ما تفعله والتقاط كتاب وقراءته طريقة للتخلص من التركيز على ما يحدث من حولك والاندماج مع القصة في طقس أشبه بالتأمل والتركيز. وممارسة القراءة بصورة يومية أيضاً تساعدك على تحقيق السلام الداخلي.
وقد أظهرت دراسة بحسب صحيفة Telegraph، أن القراءة هي الطريقة الأكثر فاعلية للتغلب على التوتر. وقد استغرق الأمر 6 دقائق فقط من القراءة حتى بدأ الشخص الذي يعاني من الشعور بالقلق أو التوتر، في الإحساس بالراحة والهدوء والاسترخاء.
ومع قوة الاسترخاء هذه، ستساعدك القراءة على النوم بشكل أفضل أيضاً. إذا كنت تقرأ قبل النوم، فسوف تسترخي وتتغلب على مخاوفك مهما كانت جلسة القراءة قصيرة ولا تتعدى دقائق معدودة.
نصائح تساعدك على المواظبة على القراءة
حتى لو لم تكن لديك طموحات عظيمة متعلقة ببعض الكتب والمجلدات أو المحتوى الأدبي المكتوب، فإن القراءة بشكل عام قد تعزِّز حياتك المهنية والشخصية كما سبق أن أسلفنا.
فيما يلي بعض النصائح التي من شأنها تعزيز امتلاك عادة القراءة اليومية:
ابحث عن طريقة القراءة التي تناسبك
على الرغم من أن محبي الكتب التقليدية قد يكونون أشخاصاً يمتلكون مكتبة ضخمة مليئة بالكتب الورقية ويمتلكون نسخ الطبعة الأولى كما لو كانت قطعاً أثرية ثمينة، فلا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو لدى الجميع.
فاليوم أصبح من الممكن أن تختار بين الكتب المسموعة والكتب الإلكترونية سواء عبر شاشات الهاتف والحاسوب، أو عبر أدوات القراءة الإلكترونية المتخصصة. الخيارات كثيرة، المهم أن تمارس فعل القراءة يومياً.
لا تضع أهدافاً خزعبلية كي لا تشعر بالضغط والإحباط
ليس من المفروض عليك أن تقرأ بمعدل معين، أو سرعة معينة، أو تحقق رقماً خيالياً معيناً من الكتب بنهاية كل شهر أو كل عام كما يُشاع عبر مواقع التواصل.
القراءة من أجل تحقيق الناتج الكمي غالباً ما تكون ميكانيكية ومملة، وقد لا تحقق لك أي فائدة تُذكر.
كذلك هناك قاعدة تساعد على تحديد وقت الاستسلام وترك كتاب ما دون إنهائه. وهي بقراءة أول 50 صفحة منه، ثم الحكم ما إذا كنت تميل إلى التخلي عنه، أو لا يزال لديك بعض الفضول حوله وتريد المزيد.
اقرأ لأنك تريد القراءة!
مهما وجدت عبر منصات التواصل الاجتماعي ومواقع تقييم الكتب والروايات من ترشيحات تخبرك أن الكتاب الفلاني يجب قراءته، ليس عليك أن تقرأ أي شيء إلا لأنك ترغب في ذلك.
لذا احترس من أن يكون فعل القراءة لديك منصاعاً لـ"الموضة" أو "الوجاهة الثقافية" بين أقرانك، إذا لم تستمع بما تقرأ وترغب شخصياً في معرفة نهاية الكتاب الذي بين يديك، فقد يصيبك هذا الإكراه إلى الإحباط من القراءة ككل والتوقف عن المثابرة.
إذا وجدت الكتاب أسخف مما توقعت، أصعب مما تمنيت، أو حتى مللت بشكل عام منه، يمكنك بكل بساطة أن تقفله وتختار غيره لكي تتحمس للقراءة مجدداً بروح خفيفة، ومن يدري؟ قد تعود إليه في وقت لاحق مستقبلاً تكون فيه أكثر استعداداً للاستفادة مما ستجده فيه.
خطوات للحفاظ على عادة القراءة اليومية
وبحسب موقع LifeHack هناك عدد من الخطوات التي ستسهل عليك الالتزام أكثر بعادة القراءة اليومية، وهي كالآتي:
- حدد وقتاً منتظماً ومخصصاً للقراءة اليومية مهما كان قصيراً، (فلنقل 15 دقيقة كبداية؟).
- حدد قائمة من الكتب التي ترغب في قراءتها، واجرِ بعض البحث عن فكرتها العامة، وتقييمها العام، وظروف كتابتها وما إلى ذلك، بحيث تضمن شعورك بالحماس عند اختيار كتاب جديد.
- احمل كتاباً معك في كل مكان. وإذا كان الأمر صعباً، يمكن دوماً تحميل بعض الكتب الإلكترونية على هاتفك، لكي تستغل أوقات الانتظار البينية خلال يومك لإنهاء قسط سريع من القراءة.
- اجعله طقساً ممتعاً، سواء بتحديد مقهى معين لجلسة القراءة الخاصة بك، أو عبر إشعال شمعة وموسيقى محببة وتناول مشروبك المفضل أثناء مهلة القراءة اليومية.
- احتفظ بسجل وقُم بتدوين الكتب التي تمكنت من إنهائها بشكل دوري، وكلما وجدت أن قدرتك على الالتزام بالعادة بشكل أكثر اتساقاً، شعرت بالحماس الأكبر للمواظبة والاستمرار.