هل تناوُل الطعام ليلاً ضار بالصحة؟ سؤال يُطرح كثيراً، سيما من الأشخاص الذين يعانون من السمنة، إذ يُعتقد أنّ هذه العادة هي سبب رئيسي في السمنة، لكن ذلك ليس كل شيء، إذ إنّ أضرار تناول الطعام ليلاً تتعدى ذلك، وقد تكون سبباً مباشراً بإصابة الناس بالسكري أو أمراض خطيرة أخرى.
أضرار تناول الطعام ليلاً
هذا الموضوع ليس بجديد، سيما أن دراسات عديدة سابقة وجدت أنّ تناول الطعام ليلاً قد يدفع الناس لاختيار أطعمة غير صحية، ويسبب زيادة الوزن، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.
في حين قال باحثون من مستشفى "بريغهام والنساء" في بوسطن الأمريكية، إن تناول الطعام ليلاً، بما لا يتوافق مع ساعة الجسم البيولوجية الطبيعية، قد يُعرّضك لخطر الإصابة بمرض السكري.
دراسة مستشفى "بريغهام والنساء" التي أجراها باحثون في ديسمبر/كانون الأول 2021، ونشرت نتائجها في مجلة Science Advances ركَّزت خلال بحثها على تأثير تناول الطعام ليلاً على مستويات السكر في الدم، مقارنة بتناوله أثناء النهار.
وأجرى الباحثون الدراسة على 19 شاباً وفتاة يتمتعون بصحة جيدة، وُضعوا في بيئة تحاكي بيئة عمل الورديات الليلية.
ورغم أن جميع المشاركين في الدراسة "عملوا" ليلاً، كان من تناولوا وجبات طعامهم خلال الوردية الليلية هم من أصيبوا بزيادة في ضعف تحمل الغلوكوز في الدم، وتراجع أداء خلايا بيتا في البنكرياس، وكلاهما من المقدمات المحتملة للإصابة بمرض السكري من النوع 2.
وأفاد الباحثون أن المشاركين الذين التزموا بمواعيد تناول الطعام أثناء النهار لم يصابوا بأي من هذه التغيرات السلبية، رغم استيقاظهم طوال الليل.
كما ربطت الدراسة العمل في النوبات الليلية بارتفاع خطر الإصابة بالسرطان، وعدم انتظام ضربات القلب، وحتى الإجهاض.
توقيت تناول الطعام مسؤول بشكل أساسي عن الإصابة بالسكري
قال الدكتور فرانك شير، المشارك في الدراسة وخبير الأعصاب في طب النوم في مستشفى بريغهام والنساء، في بيان صحفي: "هذه النتائج تشير إلى أن توقيت تناول الطعام مسؤول بشكل أساسي عن التأثيرات المذكورة على تحمل الغلوكوز وأداء خلايا بيتا، ربما بسبب اختلال "الساعات" المركزية والطرفية في الجسم" .
وتابع شير، وفقاً لما ذكره موقع Healthline الطبي الأمريكي: "فحين كانت "الساعة البيولوجية" المركزية لا تزال على توقيت الولايات المتحدة الأمريكية، تشير توقيتات الغلوكوز اليومية الداخلية إلى أن بعض "الساعات البيولوجية" الطرفية، مثل الموجودة في الكبد، قد انتقلت فجأة إلى منطقة زمنية في آسيا".
تناول الطعام ليلاً يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب أيضاً
كما وجد فريق من الباحثين الأمريكيين أن تناول الطعام ليلاً يزيد من مستويات الجلوكوز والأنسولين المتورطين في مرض السكري، وترفع نسبة الكوليسترول والدهون الثلاثية، وكلاهما يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب.
وظهرت النتائج من دراسة أجرتها كلية بيرلمان للطب بجامعة بنسلفانيا، ونشرتها صحيفة Daily Mail البريطانية، وأكدت كذلك أن تناول الطعام في وقت متأخر من الليل له مجموعة من الآثار الصحية السلبية.
شرع الباحثون في دراسة العواقب الأيضية للتأخر المستمر في تناول الطعام، مقارنة بالأكل أثناء النهار.
كيف أجريت الدراسة؟
وجهت 9 بالغين من ذوي الأوزان الصحية لقضاء 8 أسابيع لتناول الطعام خلال النهار، والتي تنطوي على تناول 3 وجبات ووجبتين خفيفتين بين الساعة 8 صباحاً و7 مساءً.
ثم اتّبعت المجموعة روتيناً لتأخير الأكل -تناول ثلاث وجبات ووجبتين خفيفتين من الظهر حتى الساعة 11 مساءً- لمدة ثمانية أسابيع.
كانت هناك استراحة لمدة أسبوعين بينهما، للتأكد من عدم وجود تأثير "ترحيل".
تم الحفاظ على أنماط نومهم متسقة -بين الساعة 11 مساءً وحتى 9 صباحاً- في كلتا المرحلتين، للقضاء على أي تأثير ناتج عن قلة النوم المرتبط بالسمنة.
في النقاط الرئيسية عبر الدراسة، قاس الباحثون التغيرات في الوزن والتمثيل الغذائي والطاقة المستخدمة، وتأكدوا من أن فترة الراحة لمدة أسبوعين تسمح لجميع التدابير بالعودة إلى خط الأساس قبل بدء المرحلة التالية.
اكتشف البحث أنه عندما يأكل المشاركون في وقت لاحق، مقارنة بوقت تناولهم أثناء النهار، يزداد وزنهم.
كما أن تناول الطعام ليلاً أدى بالمشاركين إلى استقلاب أقل للدهون، عن طريق تخزين الكربوهيدرات ورفع مستويات السكر في الدم والأنسولين.
في حين تبيّن أن تناول الطعام في وقت مبكر من اليوم ينتج عنه تغيرات هرمونية تساعدك على الشعور بالشبع لفترة أطول، وبالتالي لا تتناول وجبة دسمة.
بالنسبة لمن يتناولون الطعام أثناء النهار، بلغ هرمون جريلين، الذي يحفز الشهية، ذروته في وقت مبكر من النهار.
ويقول الباحثون إن هذا يشير إلى أن تناول الطعام في وقت مبكر قد يساعد في منع الإفراط في تناول الطعام في المساء والليل.
ماذا على من يعمل في ورديات ليلية أن يفعل؟
النصيحة الموجَّهة للأشخاص الذين يعملون أثناء النهار بانتظام بسيطة: التزموا بتناول الطعام أثناء النهار، واتبعوا نظاماً غذائياً متوازناً، وحاولوا تجنب تناول الوجبات الخفيفة في وقت متأخر من الليل.
أما من يعملون حتى وقت متأخر من الليل أو في ورديات عمل غير منتظمة، فالحل ليس بهذه البساطة، وإليكم ما يجب فعله:
حاول أن تتناول وجبات الطعام في الأوقات "الطبيعية".
تناول وجبة الإفطار حين تعود إلى المنزل بعد انتهاء وردية العمل.
تناول الغداء عند الاستيقاظ.
تناول العشاء قبل أن تبدأ وردية عملك.
تناول وجبات خفيفة، واحرص على ترطيب جسمك بالسوائل للتخفيف من الشعور بالإرهاق أثناء الليل.
امتنع عن تناول الكافيين قبل 8 ساعات من وقت النوم.
إذا شعرت أنك بحاجة إلى الكافيين لتظل متيقظاً ومنتبهاً، فتناول 200 ملليغرام كحد أقصى قبل 30 أو 60 دقيقة من ورديتك ثم كل 3 أو 4 ساعات.
ركز على البروتينات الصحية والكربوهيدرات الغنية بالألياف لتحافظ على نسبة السكر في الدم والطاقة على المدى الطويل، وحاوِل أن تتناول وجبتك الرئيسية في بداية المساء.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.