يعد الطب الدقيق بثورة علاجية لمرضى المستقبل، إذ يسعى إلى محاولة منع الأمراض حتى قبل حدوثها عبر فك شفرة الجينات جنباً إلى جنب مع المعلومات حول نمط حياتنا وبيئتنا للتنبؤ بالعلاجات الأفضل لأجسامنا.
وبدلاً من معاملة الأشخاص معاملة معممة لأي شخص مصاب بالمرض نفسه، يتيح هذا الطب أسلوب تخصيص العلاج، كل حسب حاجاته، حسب ما قال نائب رئيس معهد الطب الدقيق في جامعة كاليفورنيا دانيال غريشويند.
ينجح هذا النهج مع بعض المرضى، ولكن ليس مع الآخرين؛ فالتركيبة الجينية المتنوعة، والتاريخ الطبي للعائلات وخيارات نمط الحياة، كلها عوامل تساهم في صحتنا ورفاهيتنا.
وهذا ما يعتمد عليه الطب الدقيق عند استراتيجيات العلاج والوقاية بناءً على الخلفيات والظروف الفريدة للمرضى.
ما هو الطب الدقيق؟
يقدم الطب الدقيق خدمات صحية صممت خصوصاً لحاجات وظروف كل إنسان على حدة، يضاف إليه علم الصيدلة الجيني، الذي ما زال في مراحل تطوره الأولى، وقدم حتى الآن أكثر من 200 دواء تحمل نشراتها معلومات عن المؤشرات الحيوية الجينية.
بماذا تفيد معلومات الجينوم؟
ينتج كل جينوم بروتيناً محدداً في الجسم، ولهذا البروتين دور مهم في العلاج بالعقار لسبب من أسباب عديدة، بما في ذلك ما يلي:
- تحليل مكونات العقار.
- المساعدة على امتصاص العقار.
- تحديد هدف العقار.
- المساهمة بدور جزئي في الأحداث الجزيئية التي يحفزها العقار.
ما هو هدف الطب الدقيق؟
يسمح الطب الدقيق للأطباء والباحثين من جميع التخصصات الطبية تقريباً بما يلي، حسب ما عدد موقع جامعة UCLA:
تحديد أفضل رعاية لكل مريض على حدة.
التعرف على الطفرات المرضية (التغيرات في الجينات المسببة للمرض) في المرضى الذين يعانون من حالات غير مشخصة.
تجنب الآثار الجانبية الخطيرة للأدوية.
تحديد عوامل الخطر الجينية لتوجيه توصيات نمط الحياة/البيئية التي يمكن أن تحسن صحة كل مريض.
وعلى الرغم من أن مصطلح "الطب الدقيق" جديد نسبياً، إلا أن المفهوم كان جزءاً من الرعاية الصحية لسنوات عديدة.
على سبيل المثال، الشخص الذي يحتاج إلى نقل الدم لا يحصل على دم من متبرع تم اختياره عشوائياً؛ وبدلاً من ذلك، فإن فصيلة دم المتبرع مطابقة للمتلقي لتقليل مخاطر حدوث مضاعفات.
ورغم إمكانية العثور على أمثلة في العديد من مجالات الطب، فإن دور الطب الدقيق في الرعاية الصحية اليومية محدود نسبياً.
يأمل الباحثون أن يتوسع هذا النهج ليشمل العديد من مجالات الصحة والرعاية الصحية في السنوات القادمة.
ما الفرق بين الطب الدقيق والطب الشخصي؟ ماذا عن علم الصيدلة الجيني؟
هناك الكثير من التداخل بين مصطلحات "الطب الدقيق" و"الطب الشخصي".
وفقاً للمجلس الوطني للبحوث في أميركا، فإن مصطلح "الطب الشخصي" هو مصطلح قديم له معنى مشابه لـ"الطب الدقيق".
ومع ذلك، كان هناك قلق من أن كلمة "شخصية" يمكن أن يساء تفسيرها على أنها تعني أن العلاجات والوقاية يتم تطويرها بشكل فريد لكل فرد؛ في الطب الدقيق، ينصبّ التركيز على تحديد الأساليب التي ستكون فعالة بالنسبة للمرضى بناءً على العوامل الجينية والبيئية ونمط الحياة.
لذلك فضل المجلس مصطلح "الطب الدقيق" على مصطلح "الطب الشخصي"، ومع ذلك، لا يزال بعض الأشخاص يستخدمون المصطلحين للمعنى نفسه.
أما علم الصيدلة الجينومي فهو جزء من الطب الدقيق لدراسة كيفية تأثير الجينات على استجابة الشخص لعقاقير معينة.
يجمع هذا المجال الجديد نسبياً بين علم العقاقير (علم الأدوية) وعلم الجينوم (دراسة الجينات ووظائفها) لتطوير أدوية وجرعات فعالة وآمنة مصممة لتناسب الاختلافات في جينات الشخص.
الفوائد المحتملة للطب الدقيق
زيادة قدرة الأطباء على استخدام المعلومات الجينية والجزيئية الأخرى للمرضى كجزء من الرعاية الطبية الروتينية.
تحسين القدرة على التنبؤ بالعلاجات الأفضل لمرضى معينين.
فهم أفضل للآليات الأساسية التي تحدث بها الأمراض المختلفة.
مناهج محسِّنة للوقاية من مجموعة واسعة من الأمراض وتشخيصها وعلاجها.
تكامل أفضل للسجلات الصحية الإلكترونية في رعاية المرضى، مما سيسمح للأطباء والباحثين بالوصول إلى البيانات الطبية بسهولة أكبر.
تحديات الطب الدقيق
إلى جانب الحاجة لاستثمارات ودعم مالي من الحكومات، تثير مبادرة الطب الدقيق قضايا أخلاقية واجتماعية وقانونية. سيكون من الضروري إيجاد طرق لحماية خصوصية المشاركين وسرية معلوماتهم الصحية، حسب ما نشر موقع Medicine Plus.
وتعد التقنيات المستخدمة مثل تسلسل كميات كبيرة من الحمض النووي مكلفة في التنفيذ (على الرغم من أن تكلفة التسلسل تتناقص بسرعة).
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأدوية التي يتم تطويرها لاستهداف الخصائص الجينية أو الجزيئية للشخص ما زالت باهظة الثمن.
كما سيحتاج المشاركون إلى فهم مخاطر وفوائد المشاركة في البحوث في هذا القطاع الناشئ، ما يعني أنه يتعين على الباحثين تطوير عملية صارمة للموافقة المستنيرة.
ورغم كل هذه التحديات، إلا أن هذه المقاربة الجديدة في الطب تعد بالوقاية قبل العلاج، إلى جانب تحديث أساليب الطب الحديثة التي تعتمد التجربة والخطأ مستهلكة الوقت والمال، وهو ما ينوي الطب الدقيق إنقاذه بالتحديد.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.