من منا لا يعاني من التقلبات المزاجية من وقت إلى آخر؟ تعتبر هذه التقلبات جزءاً من حياتنا ولا تشير بالضرورة إلى وجود مشكلة كبيرة، لكن متى تكون التقلبات المزاجية دليلاً على الإصابة باضطراب ثنائي القطب؟
قد تكون التقلبات العاطفية بالنسبة للبعض أكثر حدة واستمرارية وأشد إنهاكاً، وقد تكون مؤشراً على الإصابة باضطراب ثنائي القطب من النوع الأول.. إليك كل ما تريد معرفته عن الأمر.
ما هو اضطراب ثنائي القطب؟
اضطراب ثنائي القطب الذي يُشار إليه أحياناً باضطراب الاكتئاب الهوسي، هو حالة صحة عقلية تتميّز بتقلبات مزاجية حادة تشمل تدهور العواطف (حالات الاكتئاب) وزيادة العواطف (نوبات الهوس أو الهوس الخفيف)، بحسب موقع Mayo Clinic الأمريكي.
ويشمل اضطراب ثنائي القطب في تعريفه الاكتئاب، لكنْ هناك فرق بين الحالتين، إذ قال الدكتور بو وانغ لمجلة SELF الأمريكية: "الفارق الأساسي بين الاضطراب الاكتئابي وبين اضطراب ثنائي القطب هو حقيقة أنّ المصابين باضطراب ثنائي القطب يُمكن أن تتهيج عواطفهم". وهذا (التهيج) لا يُشير إلى مجرد الخروج من نوبات الاكتئاب، بل يعني أنّهم يدخلون في حالة مزاجية متقلبة ومستويات نشاط مرتفعة بشكلٍ غير معتاد.
أسباب الإصابة باضطراب ثنائي القطب
لم يتضح للأطباء بعد سبب إصابة البعض باضطراب ثنائي القطب دون غيرهم، فأسباب المرض لا تزال غامضة بعض الشيء، مع ذلك تشمل الأسباب المحتملة ما يلي:
الوراثة: ربما تكون الجينات مسؤولةً جزئياً عن اضطراب ثنائي القطب.
بعض العوامل البيئية: قد تُساهم عوامل محددة في تحفيز ظهور المرض مثل الإجهاد والمرور بتجارب سيئة والأمراض الجسدية.
بنية الدماغ: قد تؤدي التشوهات في بنية أو وظائف الدماغ إلى زيادة مخاطر الإصابة باضطراب ثنائي القطب.
أنواع اضطراب ثنائي القطب
يتسبّب اضطراب ثنائي القطب عموماً في تقلب العواطف والمزاج، لكن هذا التقلّب يتجلّى في أشكالٍ مختلفة حسب نوع الاضطراب الذي يُعاني منه الشخص.
وهذه هي أنواع اضطراب ثنائي القطب الأربعة:
اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول
تقول الدكتورة باولا زيمبرين، أستاذة الطب النفسي المساعدة بجامعة ييل، إن اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول هو أشد أنواع اضطراب ثنائي القطب. إذ يتضمن أعراضاً أكثر حدة وتدوم لوقتٍ أطول، وفقاً لما ورد في مجلة SELF الأمريكية.
ويتم تشخيص الإصابة باضطراب ثنائي القطب من النوع الأول إذا أصيب المريض بنوبة هوس واحدة على الأقل خلال أسبوع وتم نقله إلى المصحة النفسية بسببها.
وعادةً ما يُسبّب اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول نوبات متكررة، وينتهي المطاف بـ50% من المصابين بهذا الاضطراب إلى الإصابة بنوبةٍ ثانية في غضون عامين من النوبة الأولى.
اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني
يقول الدكتور وانغ إنّ اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني يتسبّب في نوبات هوس واكتئاب أقل حدة من النوع الأول، رغم أنّ بعض المصابين به يُعانون من الاكتئاب الشديد والهوس الخفيف، وهي حالةٌ أخف من الهوس.
ويتم تشخيص الإصابة باضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني، إذا أصيب المريض بنوبة هوس خفيف واحدة على الأقل ودامت هذه النوبة لأربعة أيام على الأقل، مع نوبة اكتئاب كبيرة واحدة.
وربما يُعتبر اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني أخف من اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول، ولكن لا يجب أن الخلط بين الاضطرابين لأن لكلٍ منهما تشخيصاً طبياً منفصلاً.
اضطراب دوروية المزاج
اضطراب دوروية المزاج هو حالةٌ أخرى من حالات اضطراب ثنائي القطب. لكنَّ المصابين باضطراب دوروية المزاج لا يُعانون من نوبات هوس أو اكتئاب كاملة، وبالتالي لا يُمكن تشخيصهم باضطراب ثنائي القطب.
ويعاني المصابون بهذا النوع من نوبات الاكتئاب المعتدلة، لكن الأعراض لا تكون حادةً بدرجةٍ تكفي لإعاقتهم عن نشاطاتهم اليومية أو لاعتبارها خارجةً عن الطبيعي تماماً.
اضطراب ثنائي القطب غير المصنّف
أحياناً تظهر على الشخص أعراض اضطراب ثنائي القطب لكنه لا يستوفي المعايير اللازمة لتشخيصه بالمرض. إذ يقول الدكتور وانغ مثلاً إنّ تعاطي المخدرات قد يتسبّب في زيادة تعقيد أعراض اضطراب ثنائي القطب، مما يزيد صعوبة معرفة ما إذا كان الاكتئاب أو الهوس بسبب المخدرات أم جينات المريض أم كليهما.
ما هي علامات الإصابة باضطراب ثنائي القطب؟
قد تختلف الأعراض وشدتها من شخصٍ لآخر بسبب تعدّد أنواع اضطراب ثنائي القطب.
ومع ذلك، فإنّ كافة أنواع اضطراب ثنائي القطب تشمل نوبات الهوس أو الهوس الخفيف والاكتئاب، التي تتسبّب عادةً في الشعور بالكرب وصعوبة ممارسة الحياة اليومية.
وتتباين مدة النوبات المزاجية، لكن أعراضها تدوم عادةً بشكلٍ يومي وطوال اليوم تقريباً، ولفترات قد تمتد لعدة أيام أو أسابيع.
ومن المهم أن نُدرك أنّ العلامات والأعراض التي تظهر على الشخص المصاب باضطراب ثنائي القطب قد تتغيّر مع الوقت. فمثلاً، يُمكن أن تظهر الأعراض خلال فترات الحمل فقط، أو تتغير بتغيُّر فصول السنة. وربما يُصاب البعض بالقلق إلى جانب النوبات المزاجية المعتادة.
وتُعَدُّ فترات الاكتئاب من أهم خصائص اضطراب ثنائي القطب. وقد تبدو نوبات الاكتئاب في اضطراب ثنائي القطب أشبه بالاضطراب الاكتئابي الكبير، وهو يتضمن أعراضاً منها:
- الحزن المستمر
- فقدان الأمل
- التشاؤم
- التهيّج
- فقدان الاهتمام بممارسة الأنشطة
- فقدان النشاط
- صعوبة التركيز
- مشكلات الذاكرة
- تقلب الشهية
- تقلب عادات النوم
- الأفكار الانتحارية
وهناك أشياء يجب أن تعرفها عن بعض تلك الأعراض: حيث يقول الدكتور وانغ إنّ هناك أنواعاً من الاكتئاب تدفع المصابين للنوم لساعات أقل وتناول كميات أقل من الطعام، لكن الاكتئاب المرتبط باضطراب ثنائي القطب عادةً ما يزيد الشهية والوزن وعدد ساعات النوم.
ومن المؤكد بحسب الدكتور مونديمور أنّ بعض نوبات الاكتئاب المرتبطة باضطراب ثنائي القطب قد تتسبب في مشاعر انتحارية. كما يُمكن للاكتئاب الحاد أن يتسبب في الإصابة بالذهان.
ما هي بعض الأعراض الشائعة لنوبات الهوس؟
وفقاً لموقع Mayo Clinic، فإنّ الهوس والهوس الخفيف هي نوبات من تهيّج الحالة المزاجية، وتتجلّى في:
- الحاجة لنومٍ أقل.
- الشعور بالضيق.
- الشعور بثقة زائدة.
- السلوكيات الخطيرة مثل تعاطي المخدرات، وإنفاق الكثير من المال، والرحلات العفوية.
- الشعور بتفاؤل غير معهودة.
- العصبية.
- الشعور بالابتهاج.
- الطاقة المفرطة.
- التحدث أكثر من المعتاد أو أسرع من المعتاد.
ويُمكن لنوبات الهوس أن تدفع الناس للتصرّف بشكلٍ خارج عن المألوف، إذ يكون الشخص خجولاً مثلاً ثم يتحوّل فجأة إلى شخصٍ منفتح خلال نوبة الهوس. وأحياناً لا يعي الناس التأثيرات الضارة لسلوكياتهم الخارجة عن المألوف.
وفي أشدّ حالات الهوس، يُعاني المصابون من تشوهات في التفكير تُدعى الأوهام، وربما يُصابون بالهلاوس كذلك.
لماذا من المهم معالجة اضطراب ثنائي القطب؟
أول خطوةٍ ستفيد المصاب بهذا المرض هي التعرف على علاماته وأعراضه.
ومن المهم التوجه إلى الطبيب لتشخيص الحالة بدقة ووضع خطة علاجية تبعاً لشدتها.
إذ أظهرت بعض الدراسات أنّ مصابي اضطراب ثنائي القطب الذين يدرسون حالتهم ويفهمونها؛ يُعانون من انتكاسات أقل ويستمتعون بجودةٍ حياةٍ أعلى إجمالاً.
حيث أوضح مونديمور "أنّ فهم المرض يُساعد الناس في التغلّب عليه".
ورغم اعتبار اضطراب ثنائي القطب من الحالات المزمنة؛ لكن العثور على العلاج الصحيح يُمكن أن يُساعدك في الشعور بأنك متحكمٌ في حياتك بشكلٍ أكبر.
ويُحقّق علاج اضطراب ثنائي القطب أقصى فاعلية حين يشمل مزيجاً من الأدوية والعلاج النفسي، بحسب وانغ.
وإذا لم تكُن هذه الاستراتيجية فعالة في السيطرة على الاضطراب، فيُمكن لعلاجات أخرى أن تُساعد في تخفيف حدة بعض الأعراض.
حقائق يجب أن تعرفها عن الاضطراب الثنائي القطب
– الاضطراب ثنائي القطب ليس اضطراباً نادراً في الدماغ، فعلى سبيل المثال تم تشخيص 5 ملايين شخص في الولايات المتحدة بالإصابة به، كما تشير التقديرات إلى أن 60 مليون شخص حول العالم قد أصيبوا بهذا المرض، وفقاً لما ورد في موقع Healthline.
– يُصاب الناس عادةً بأعراض اضطراب ثنائي القطب في بداية مرحلة البلوغ، بين 18 و20 عاماً، رغم أن بعض الدراسات أشارت إلى أن ظهور الأعراض يبدأ في مرحلةٍ عمرية لاحقة (بعد عمر الـ25).
– يستمر الاكتئاب الناجم عن الاضطراب ثنائي القطب لمدة أسبوعين على الأقل.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.