أسباب ممارسة التمارين الرياضية لا حصر لها؛ من الحصول على شكل جيد لجسدك، وتحسين لياقتك، إلى تعزيز الصحة العقلية، من المعروف أن التمارين يمكن أن تكون لها تأثيرات كبيرة على الجسم، ولكن ما تأثير التمارين الرياضية على الدماغ ووظائفه الإدراكية؟
يساعد الركض بسباقات الماراثون في الحفاظ على الصحة الجسدية، لكن العلماء كشفوا أن التمارين يمكنها أيضاً تقوية المادة الرمادية. إذ لا تساعد التمارين على نمو خلايا دماغية جديدة فحسب، بل يمكنها أيضاً أن تعزز الحالة المزاجية الجيدة، ما ينعكس إيجاباً على الصحتين البدنية والعقلية.
نستعرض في هذا التقرير ما يحدث للدماغ عند التمرين، وكيف يمكن أن يفيد ذلك.
تأثير التمارين الرياضية على الدماغ
تعتبر التمارين وسيلة للحفاظ على وظائف الدماغ، وفقاً لدراسة نُشرت في دورية Trends in Neuroscience العلمية.
وتُظهر الأبحاث أن الركض في المضمار أو على جهاز المشي يزيد الجزيئات التي تساعد على التعلم والحماية من التدهور المعرفي في الدماغ.
وقال عالم النفس ومدرب الألعاب العقلية الدكتور ديليس كوفي، لموقع Live Science، إن "التمرين يساعد خلايا الدماغ الجديدة على النمو، ويساعد في مرونة الدماغ عن طريق تحفيز تطوير روابط جديدة بين الخلايا ومناطق القشرة المخية في الدماغ".
ويحدث الارتفاع في هذه الجزيئات، المعروفة باسم عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ (BDNF)، داخل الحُصين، وهو مركز تكوين الذاكرة والتعلم. وعامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ هو بروتين مشفر يساعد في الحفاظ على سلامة الدوائر العصبونية بالدماغ.
وقد يُعاني أولئك الذين لديهم مستويات BDNF منخفضة، من مرض الزهايمر أو الخرف أو الاكتئاب.
ووفقاً لدراسة نُشرت في دورية National Academy of Sciences، فإن السبب الذي يجعل الناس يعانون من ضعف الذاكرة أو الخرف عندما يكبرون هو أن الحُصين سيبدأ بشكل طبيعي في الانكماش مع تقدُّم العمر.
ومع ذلك، وجدت دراسة أجرتها جامعة بريتش كولومبيا الكندية، أن التمارين التي تُحرّك عضلة القلب تزيد من حجم الحُصين، لذا يجب بذل مزيد من المجهود، لأن تمارين التوازن أو المقاومة ليس لها التأثير نفسه.
وتساعد التمارين أيضاً في الحفاظ على الدماغ ممتلئاً بالوقود. إذ قال الدكتور كوفي: "تساعد التمارين في إيصال الأوكسجين إلى الدماغ، وهو أمر ضروري لبقائنا على قيد الحياة. ومن خلال زيادة معدل ضربات القلب بسبب التمرين، فإنها تضخ الأوكسجين الحيوي الذي يحتاجه الدماغ".
وإذا كنت ترغب في زيادة المادة الرمادية، فعليك أن تكون مستعداً لذرف مزيد من العرق.
ومن المثير للاهتمام أنه إذا كنت تمارس التمارين ضمن مجموعة، بحسب ما وصلت إليه دراسة نُشرت في دورية Adaptive Human Behavior and Psychology، فإن الدماغ سيطلق نظام الأفيونية الذاتية الذي يُخفف الألم طبيعياً؛ للمساعدة في تشجيع التقارب الاجتماعي.
ومن الأمثلة اليومية الجيدة على ذلك فريق التجديف الذي يجد القوة للاستمرار حتى نهاية السباق.
حلقة متصلة من الأسباب والنتائج
وتعزز التمارين الرياضية معدل ضربات القلب، إلى جانب مساعدتك على النوم بشكل أفضل، وتقليل التوتر، وحتى تحسين نظامك الغذائي.
فقد اكتشفت دراسة نُشرت بدورية International Journal of Obesity العلمية في عام 2019، أنه كلما تمرَّن الشخص بقوة، بدأ في اختيار الأطعمة الصحية.
لذا، سواء أكنت تحب فكرة الركض أم لا، من الواضح أن التمارين التي تحفز عضلة القلب خطوة ذكية تصب في مصلحة الدماغ.
تعلُّم مهارات جديدة
وتعلُّم مهارات جديدة لا يقل أهمية عن ممارسة التمارين من أجل صحة الدماغ.
على سبيل المثال، يشترك كل من الموسيقيين والرياضيين وهواة العمليات الحسابية في شيء واحد: التدريب المستمر. إذ يتطلب تعلُّم العزف على آلة موسيقية أو رياضة جديدة وقتاً طويلاً وصبراً وإصراراً. ويتعلق الأمر كله بعملية المداومة على تعلُّم المهارات الجديدة، سواء كانت مهارات جسدية أو ذهنية.
عندما تتعلم شيئاً جديداً، يحدث تغيير مهم في دماغك، من ضمنه إنشاء اتصالات جديدة بين الخلايا العصبية الخاصة بك. وتُسمى هذه الظاهرة بالمرونة العصبية، وهي قدرة دماغك على التغيير، أي إنشاء أو تقوية أو إضعاف أو تفكيك الروابط بين الخلايا العصبية الخاصة بك.
لذلك يميل الناس إلى الشعور بالملل بعض الشيء عند البدء في تمرُّس المهارة المُكتسبة الجديدة فور امتلاك زمامها، وهذا يرجع إلى أن عملية التعلُّم نفسها وصلت لمرحلة معينة لم تعد كافية فيما تمده للشخص من الدوبامين. ويتم إشباع ذلك من خلال الرغبة في بدء الانتقال إلى تعلُّم المرحلة التالية، أو المهارات الأصعب، أو اختبار مراحل أكثر تطوراً من المهارة الحالية، أو حتى استبدالها كلياً والبدء في تعلُّم شيء جديد من الصفر.
لذلك فإن مقولة العقل السليم في الجسم السليم واضحة وصريحة، وأي تدريب سيفيد بالتأكيد.