يبدو أنَّ من بين فوائد التمارين الرياضية زيادة فُرصنا في عيش حياة أطول، وفقاً لما ذكرته دراستان جديدتان شاملتان عن العلاقة بين النشاط البدني وطول العمر.
هل التمارين الرياضية تطيل العمر فعلاً؟
أجريت كلتا الدراستين على أكثر من 10 آلاف رجل وامرأة على مدار عقود، وأظهرتا أنّ الكم المناسب والأنواع الصحيحة من الأنشطة البدنية من شأنها أن تقلل خطر الموت المبكر بنسبة تصل إلى 70% وفقاً لما ذكرته صحيفة New York Times الأمريكية.
ولكن أشارت الدراستان أيضاً إلى أنّه ربما يكون هناك حدٌ أقصى لفوائد النشاط المُتعلقة بطول العمر، وأن تجاوز هذا الحد قد لا يضيف شيئاً على دورة حياتنا بل قد يؤثر سلباً أيضاً.
الدراسة الأولى: عدد الخطوات اليومية
معظم الناس يظنون أنهم على دراية بعدد الخطوات اليومية التي عليهم تجاوزها يومياً بفضل برامج تتبع النشاط الموجودة بأجهزتنا الذكية سواء في الهواتف المحمولة أو الساعات الذكية، التي تحفزنا على تجاوز الـ10 آلاف خطوة يومياً على الأغلب.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من الذي أكد أننا بحاجة إلى قطع 10 آلاف خطوة يومياً؟
ولذلك السبب ركزت الدراسة الأولى، التي نُشرت في سبتمبر/أيلول 2021 في دورية JAMA Network Open الأمريكية، على عدد الخطوات اليومية المقطوعة مشياً، وقد تساءل فيها باحثون من جامعة ماساتشوستس، ومركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وغيرهما من المؤسسات، عما إذا كان إجمالي عدد الخطوات الأقل مرتبطاً بدلاً من ذلك بفترات حياة أطول.
وللوصول إلى نتيجة مفيدة، توجه الباحثون صوب البيانات المجمعة في السنوات الأخيرة من أجل دراسة مستمرة عن أمراض الصحة والقلب لدى الرجال والنساء في منتصف العمر.
فاستعرضوا بيانات 2110 أشخاص، كانوا يخضعون لفحوصات طبية وارتدوا جهاز تعقب النشاط لعدّ خطواتهم كل يوم لمدة أسبوع، بمتوسط متابعة بلغ 10.8 عام.
فلاحظ العلماء ارتباطاً قوياً بين عدد الخطوات وبين الوفيات؛ إذ كان الرجال والنساء الذين يقطعون أكثر من 7000 خطوة يومياً إجمالاً وقت انضمامهم للدراسة أقل عرضة للموت في هذه الفترة بنسبة 50%، مقارنةً بأولئك الذين قطعوا أقل من 7000 خطوة.
كما استمر تراجع مخاطر الموت مع ارتفاع إجمالي خطوات الأشخاص، لتصل إلى أعلى مستوياتها التي ينخفض عندها الموت المبكر بنسبة 70% لدى أولئك الذين يقطعون أكثر من 9000 خطوة.
ولكن عند 10 آلاف خطوة، لم تتغير الفوائد، فالأشخاص الذين يقطعون أكثر من 10 آلاف خطوة يومياً أو أكثر من ذلك كثيراً، نادراً ما يعيشون فترة أطول من أولئك الذين يقطعون 7 آلاف خطوة.
الدراسة الثانية: عدد ساعات ممارسة الرياضة اليومية
أما الدراسة الثانية التي أجريت فقد نُشرت بدورية Mayo Clinic Proceedings العلمية في أغسطس/آب 2021، وركزت على أهمية عدد ساعات ممارسة الرياضية في زيادة العمر.
وتضمن الدراسة التي أجريت على بيانات من دراسة Copenhagen City Heart Study، التي شارك فيها 8,697 بالغاً دانماركياً منذ سبعينيات القرن الماضي الذين مات نصفهم تقريباً خلال 25 عاماً من مشاركتهم.
ووجدت الدراسة أنّ من كانوا يمارسون الرياضة لما يتراوح بين 2.6 و4.5 ساعة أسبوعياً عند مشاركتهم، كانوا أقل عرضة بنسبة 40% تقريباً للموت في تلك الفترة، مقارنةً بالأشخاص الأقل نشاطاً.
هل يوجد رابط مشترك بين عدد الخطوات وعدد الساعات؟
في الحقيقة لا يمكن ربط عدد الخطوات بعدد الساعات التي نقضيها في ممارسة التمارين الرياضية.
على سبيل المثال، قدر الباحثون في الدراسات السابقة أنّ من يمارسون تمارين لمدة 2.6 ساعة أسبوعياً أو 30 دقيقة يومياً يقطعون ما بين 7 إلى 8 آلاف خطوة كل يوم.
أما أولئك الذين يمارسون الرياضة لمدة 4.5 ساعة أسبوعياً، فقد يقتربون من عتبة الـ10 آلاف خطوة في معظم الأيام، وبهذه الحالة ووفقاً للدراسة الأولى فقد توقفت الفوائد، لكن وفقاً للدراسة الثانية فقد تراجعت تلك الفوائد بشكل صادم لدى عدد من الأشخاص الذين كانوا يمارسون التمرينات لعدد 10 ساعات أو أكثر كل أسبوع، أي حوالي 90 دقيقة أو نحو ذلك في معظم الأيام.
النتيجة المكتشفة من الدراستين:
وبالتالي فإن النتيجة التي يمكن استنتاجها من الدراستين أنهما تشيران إلى أن النشاط البدني مرتبط بدورة الحياة، ولكن زيادته لا تؤدي بالضرورة إلى إطالة دورة الحياة بشكل مباشر.
التمارين الرياضية تقوم بتغييرات خلوية في الجسم
على الحالتين سواء من خلال عدد الخطوات أو عدد الساعات، فإنّ أسلوب الحياة الرياضي يقلل من فرص الإصابة بأمراض القلب والسرطان، وبالتالي تقلل من فرص الوفاة وتزيد من عمرك.
لكن ذلك ليس الأمر الوحيد؛ إذ إنّ هناك تغييرات خلوية فعلية تجري في الجسم مرتبطة بالتمارين المنتظمة والتي تجعلك أصغر سناً.
ومن خلال دراسة أُجريت في جامعة بريغهام يونغ الأمريكية، ونقل نتائجها موقع Allina Health الطبي، فقد تمت دراسة الحمض النووي لنحو 6 آلاف شخص بالغ، ووجد من خلالهم أنّ التيلوميرات (تركيبات للحمض النووي البروتيني تتواجد في أطراف الصبغيات في النواة) تصبح مع تقدم العمر أطول لدى الأشخاص الذين يمارسون الرياضة مقارنة بالأشخاص الخاملين.
وهذا يرتبط بحوالي 9 سنوات من الاختلاف في شيخوخة الخلايا بين من يمارس الرياضة وبين من لا يمارسها.
في حين قارنت دراسة أخرى، نقلها الموقع ذاته، القلب والرئتين والعضلات لدى الأشخاص البالغين من العمر 70 عاماً ويمارسون الرياضة، وبين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً ولا يمارسون الرياضة.
ووجدت أنّ كبار السن الرياضيين لديهم سعة قلب ورئة وقوة عضلية لأولئك الشباب.
ومن فوائد التمارين الرياضية الأخرى أنها تؤدي إلى تغييرات فسيولوجية أخرى يمكن أن تساعد في إبطاء عملية الشيخوخة، كما أنها تقلل من التهاب العضلات والأنسجة التي تنتج من قلة التمارين.
في حين أكد المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية NCBI أنّ زيادة النشاط البدني من خلال ممارسة التمارين الرياضية تقلل من العديد من عوامل خطر الوفاة الرئيسية بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم الشرياني وداء السكري من النوع 2 وعسر شحميات الدم وأمراض القلب التاجية والسكتة الدماغية والسرطان، مشيراً إلى انخفاض معدل الوفيات من جميع الأسباب بحوالي 30٪ إلى 35٪ في النشاط البدني مقارنة بالأشخاص غير النشطين.