يعتبر الأنسولين أحد أكثر الاكتشافات التحولية في الطب. أدى عزل هذا الهرمون في عام 1921 إلى جعل مرض السكري من النوع الأول مرضاً قابلاً للعلاج وليس مرضاً عضالاً.
ومع ذلك، هناك أمل متزايد في أنه بعد 100 عام، يصبح علاج الأنسولين لمرض السكري من النوع الأول في خبر كان.
الأنسولين ليس علاجاً
فالأنسولين ضروري للحفاظ على مستويات آمنة من الغلوكوز في الدم، ويتم إنتاجه في البنكرياس بواسطة خلايا تكتشف باستمرارٍ تركيزات الغلوكوز المنتشرة وتفرز الأنسولين وفقاً لذلك.
كلما ارتفعت مستويات السكر، يتم إطلاق مزيد من الهرمون لمواجهة الزيادة. ومع ذلك، في مرض السكري من النوع الأول يتم تدمير الخلايا من قبل الجهاز المناعي للفرد.
سبب هذه المناعة الذاتية، التي تظهر عادةً في الطفولة، غير مفهوم تماماً، لكن التأثير واضح: مع عدم وجود خلايا ولا أنسولين، تظل مستويات السكر في ارتفاع مستمر.
يؤدي ارتفاع السكر في الدم المزمن إلى إتلاف الأوعية الدموية والأعصاب، وفي حالة عدم علاجه يؤدي إلى الوفاة.
أما اليوم، فيمكن التخفيف من آثار هذا المرض من خلال الجمع بين المراقبة الدقيقة لنسبة السكر في الدم وإدارة الأنسولين.
ومع ذلك، يبقي هذا العلاج الناس تحت ضغط متابعة الأمر بوعي يومياً. وحتى مع تحمل الأشخاص هذا العبء، فإن متوسط العمر المتوقع لشخص مصاب بالسكري أقل من المتوسط بـ12 عاماً.
كان فريدريك بانتينج، الحائز جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء في عام 1923؛ لاكتشافه الأنسولين، يعلم أن عمله لا يقدم علاجاً سحرياً، واختتم محاضرته التي ألقاها عند تلقيه جائزة نوبل بقوله: "الأنسولين ليس علاجاً لمرض السكري".
الابتكارات الطبية لعلاج مرض السكري
تحوّل جديد في طريقة التعاطي مع مرض السكري دفع بالعديد من العلماء إلى الانتقال من تزويد الجسم بالأنسولين إلى استبدال الخلايا التي تصنعه، حسب ما نشرته مجلة Nature.
وأظهرت الاختراقات التي تحققت بشق الأنفس في مطلع القرن الحادي والعشرين، أن عمليات زرع الخلايا من متبرعين متوفين يمكن أن تعالج الأشخاص المصابين بالسكري بنجاح.
إلا أن العديد من العوامل المعقدة -منها مثلاً العثور على مانحين- تحد من هذا النهج.
لكن بيولوجيا الخلايا الجذعية باتت تسمح بإنشاء خلايا مستشعرة للغلوكوز وتوزع الأنسولين في المختبر (تدعى خلايا بيتا)، مما يوفر إمكانية إمداد غير محدود تقريباً من الخلايا البديلة.
في يونيو/حزيران من العام 2021، أفادت شركة الطب التجديدي ViaCyte في الاجتماع السنوي الافتراضي لجمعية السكري الأمريكية، ومقرها كاليفورنيا، بأن الخلايا المستمدة من الخلايا الجذعية الجنينية ساعدت الأشخاص المصابين بالسكري على التحكم بشكل أفضل في مستوى سكر الدم.
نجاح هذه التطورات العلمية جذب مزيداً من الشركات إلى هذا المجال. ولكن على الرغم من أن فكرة تكوين خلايا ونقلها إلى البشر تبدو بسيطة، فإن الأسئلة الأساسية تظل قائمة:
- ما هي الخلايا الأفضل للاستخدام؟
- أين يجب زرعها؟
- كيف نضمن حمايتها من أجهزة المناعة لدى المتلقين؟
تصنيع خلايا بيتا داخل الجسم لاستبدال الأنسولين
في دراسة نُشرت في 7 يونيو/حزيران 2021، بمجلة Nature Communications، أفاد العلماء بأنهم طوروا طريقة جديدة لإنشاء خلايا بيتا أكثر كفاءة من الطرق السابقة.
وعندما تم اختبار خلايا بيتا لدى فأر مصاب بداء السكري من النوع الأول، تمت السيطرة على نسبة السكر في دمه بغضون أسبوعين تقريباً.
بدأ الباحثون بالخلايا الجذعية البشرية متعددة القدرات (hPSCs)، والتي يمكن الحصول عليها من أنسجة البالغين (الجلد غالباً)، إذ تبين أن لديها القدرة على أن تصبح أي نوع من الخلايا الموجودة في الجسم البالغ.
باستخدام عوامل النمو والمواد الكيميائية المختلفة، قام الباحثون بتحويل خلايا hPSCs إلى خلايا بيتا بطريقة متدرجة تحاكي نمو البنكرياس.
تحديات تصنيعها مخبرياً
ولا يعد إنتاج خلايا بيتا من hPSCs في المختبر جديداً، ولكن في الماضي كانت غلة هذه الخلايا الثمينة قليلة جداً.
أما بالطرق الحالية فتحول نحو 10 إلى 40% من الخلايا إلى خلايا بيتا. وبالمقارنة، فإن التقنيات المستخدمة لإنشاء خلايا عصبية من hPSCs تنتج نحو 80%، لذا فهناك مخاطرة تحول الخلايا المتبقية إلى نوع غير مرغوب فيه.
يقول المؤلف الأول المشارك في هذه الدراسة هايسونغ لو، لدورية News Medical: "لكي تصبح العلاجات القائمة على خلايا بيتا خياراً قابلاً للتطبيق، من المهم تسهيل تصنيع هذه الخلايا".
نجاح التجارب على الفئران وتبقى التجارب البشرية
لمعالجة المشكلة، اتخذ الباحثون نهجاً متدرجاً لإنشاء خلايا بيتا. حددوا العديد من المواد الكيميائية التي تعتبر مهمة لتحفيز hPSCs لتصبح خلايا أكثر تخصصاً. وأخيراً نجحوا في تحديد مزيج المواد الكيميائية التي أدت إلى إنتاج خلايا بيتا بنسبة تصل إلى 80%.
كما نظروا في الطرق التي تنمو بها هذه الخلايا في المختبر.
يقول أحد المؤلفين المشاركين رونغوي لي: "عادةً ما تُزرع الخلايا على صفيحة مسطحة، لكننا سمحنا لها بالنمو في ثلاثة أبعاد".
إن نمو الخلايا بهذه الطريقة يخلق مساحة سطحية مشتركة أكبر بين الخلايا ويسمح لها بالتأثير على بعضها البعض، تماماً كما يحدث أثناء التطور البشري.
بعد إنشاء الخلايا، تم زرعها في نموذج فأر مصاب بالنوع الأول من داء السكري، وكان لدى الفئران النموذجية نظام مناعي معدل لن يرفض الخلايا البشرية المزروعة، وعندها لاحظ العلماء عودة مستويات السكر لمستواها الطبيعي خلال أسبوعين.
وبينما يحمل هذا العلاج أملاً كبيراً للمصابين بمرض السكري بعدما أصبح يصيب 422 مليون شخص حسب منظمة الصحة العالمية، يستمر الباحثون في دراسة هذه التقنية بالمختبر؛ لتحسين إنتاج خلايا بيتا قبل بدء التجارب السريرية على البشر.