عندما يموت شخص عزيز على قلبك، تنقلب الدنيا رأساً على عقب، تسود حالة من اختلال التوازن والفراغ، فكيف يتخطى الإنسان حالة الحزن والفجيعة وكم تستغرق رحلة الشفاء؟
الطبيبة النفسية السويسرية الأمريكية والرائدة في الدراسات حول الموت إليزابيث كبلر روس، اقترحت في كتابها "عن الرحيل والموت" عام 1969، نمطاً يركز على المريض وتأقلمه ما بعد وفاة أحدهم، وقالت إن مراحل الحزن الخمس هي: الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والقبول.
وبعد أكثر من 50 عاماً على إصدار الكتاب، أسس الطبيب ديفيد كيسلر، الذي شارك روس في تأليف كتابها، قاعدة معلومات حول الحزن سماها Grief، وقال إن الأشخاص الذين يعيشون حزن الخسارة يقولون في باطنهم: "أنا بحاجة لمساعدة"، حتى لو أظهروا عكس ذلك.
واقترح كيسلر مرحلة سادسة لمراحل الحزن، من أجل فهم مراحل تطور المشاعر وصولاً إلى التقبل والمضي قدماً.
مراحل الحزن المتعددة
قد تكون المراحل الخمس للحزن هي الأكثر شهرة، لكنها ليست النظرية الوحيدة لتشخيص الحزن. توجد العديد من النظريات الأخرى، من ضمنها تلك التي تحتوي على سبع مراحل أو حتى مرحلتين.
ولأن الحزن يختلف من شخص لآخر، فقد لا يختبر الجميع المراحل الخمس، وقد يطول أمدها أو يقصر.
المرحلة الأولى: الرفض
في هذه المرحلة، يصبح العالم بلا معنى وثقيلاً. تسود مشاعر الصدمة والإنكار بل تتخدر المشاعر.
كما تسيطر تساؤلات حول معنى الحياة والهدف وراء المضي قدماً في الحياة. يساعدنا الإنكار والصدمة على التأقلم، وهو آلية دفاع شائعة تساعد على تخدير حدة الموقف.
ويعتبر العلماء أن الإنكار نعمة، لأنه الطريقة الطبيعة لتقبُّل ما يقدر عليه الإنسان. وعندما يقبل حقيقة الخسارة ويبدأ في طرح الأسئلة، تبدأ عملية الشفاء بلا قصد.
المرحلة الثانية: الغضب
بينما يُعد الإنكار آلية تكيف، فإن الغضب شعور تمويهي ليخفي الحقيقة.
يخفي الغضب خلفه الكثير من الألم والإحساس بالعجز وربما الذنب، وقد تتم إعادة توجيهه إلى أشخاص آخرين، مثل الشخص الذي مات أو الأشخاص المقربين أو حتى زملاء العمل.
يدرك العقل المنطقي أن الشخص الذي تصب عليه غضبك غير مُلام، لكن حدة المشاعر تسيطر على التفكير المنطقي في هذه المرحلة.
يعيش البعض في هذه المرحلة فترة طويلة، ويمكن إعادة توجيه هذا الغضب بالتعبير عنه إما من خلال البكاء أو الصراخ داخل السيارة أو حتى الركض.
المرحلة الثالثة: المساومة
من زاوية الشعور بالذنب، تتضمن المساومة بعد الخسارة عبارات "لو" و"يا ليتني"، وتتمحور حول الندم بشأن ما فعلته أو لم تفعله قبل وفاة الشخص.
يلجأ المؤمنون إلى قطع وعود مع أنفسهم أو ما يؤمنون به؛ في محاولة لإيجاد مخرج من الحالة النفسية التي يعيشونها.
المرحلة الرابعة: الاكتئاب
في حين تبدو مشاعر الغضب جلية، فالاكتئاب مرحلة "هادئة" من الحزن.
في المراحل الأولى من الخسارة، يهرب الإنسان من المشاعر ويحاول أن يتقدم عليها بخطوة. ومع ذلك، عند هذه النقطة، قد يختار العزلة من أجل التأقلم التام مع الخسارة.
لكن هذا لا يعني أن الاكتئاب سهل أو مرحلة عابرة، فقد يكون صعباً وفوضوياً متنكراً بالإرهاق والضبابية والثقل والارتباك.
المرحلة الخامسة: القبول
لا يعني القبول انتهاء الحزن أو حلول السعادة، بل يعني تجاوز الحزن وألم الخسارة وأنك أصبحت مدركاً ومتقبلاً لواقع الحياة الجديد، حسب موقع Psycom المتخصص بالصحة النفسية.
الوصول إلى هذه المرحلة يعني أنك على درب الشفاء، الهدف من مراحل الحزن هو تذكر الفقيد بعد حين بمشاعر فياضة بالحب أكثر من الألم.
فالمهمة هي دمج الخسارة في حياتنا؛ حتى نتمكن من المضي قدماً في واقع جديد.
وبينما يعد نموذج كيبلر روس دليلاً إرشادياً مجرباً، لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للتعامل مع الحزن ومن الطبيعي أن تختلف التجربة الشخصية من شخص إلى آخر.
المرحلة السادسة والجديدة: إيجاد المعنى
في كتاب صدر حديثاً لكيسلر اسمه "Finding Meaning: The Sixth Stage of Grief"، قال إنه فقد ابنه عندما كان عمره 21 عاماً فقط، وبعدما اختبر المراحل الخمس في التعامل مع الحزن، قال إنه كطبيب نفسي لم يشعر بالاكتفاء.
يقول كيسلر إن البحث عن معنى بعد مرحلة القبول لا يقضي على الألم ولكن يخفف من حدته بالتأكيد، فالبعض يرى حقيقة هشاشة الإنسان بعيون أخرى ويختار المساعدة، فإما يتبرع بالمال لإنقاذ آخرين أو يساهم في تغيير واقع ما أو حتى يبدأ في تغيير حياته نحو الأفضل.