هل يملك الإنسان المهمش أي خيار آخر غير العشوائية التي يمارسها في حياته اليومية؟ عشوائية المشاعر والرؤية والتصور، عشوائية التخطيط للمستقبل وتحديد المصير.
السلوك الإنساني يحتوي على العديد من الأنشطة التي يؤديها الفرد في حياته، والسلوك إما أن يكون فطرياً وهو ما يلازم الإنسان تلقائياً ولا يحتاج إلى تعلم، كغريزة البقاء وحب الحياة والخوف من الخطر، أو سلوكاً مكتسباً، وهو الذي يتعلمه الفرد نتيجة الاحتكاك بالبيئة المحيطة.
والسلوك الجماعي ما هو إلا رابط خفي يجمع الناس، واتفاق ضمني بين كل الذين يجمعهم ارتباط ما، سواء كان عِرقياً أو عقائدياً أو مكانياً على اتجاه عام للتعبير، وبذلك فإن القوة المؤثرة في السلوك الجماعي تحمل ملامح ثقافة هذا المجتمع، وتؤدي إلى نوع من التجانس وشعور الفرد بالانتماء.
ولا شك أن رقي الفرد يؤدى بالتدريج إلى رقي المجتمع ككل، والفن له دور مباشر في إكساب المجتمع وعياً وإدراكاً بالقضايا الإنسانية، وخلق الإحساس بالمودة والألفة والطاقة الإيجابية، إلى جانب ترسيخ مبادئ الانتماء والشعور بالهوية الوطنية، وكذلك بث روح التوازن النفسي الذي يحققه الإحساس بالجمال وتذوقه؛ أي أنه بشكل عام يرتقي بالاحتياجات المعنوية والنفسية للإنسان، ومن هنا يبرز دور الفن في الارتقاء بالبيئة واستشعار أسرار لغة الجمال في كافة مناحي الحياة.
ولغة التصميم هي لغة عالمية تعج بالأفكار والمعاني والجماليات والتحديات وطرح الأسئلة وحل المشكلات؛ متى يكون المكان جميلاً؟ عندما يأسر حواسك وتسكن فيه روحك قبل جسدك، فالجمال سلام وطِيب تلقاه في نفسك، واتزان لبديع طاقات المكان، ويكون المكان جميلاً بقدر ما يضع المصمم فيه من روحه، وبقدر ما يخاطب بصدقٍ أرواح الآخرين، وبمقدار دفء رسائله إليهم وعمق عطائه لهم.
ولكن هل تصل الرسالة لكل الناس على حد سواء؟
عندما نتأمل الإنسان الذي يحيا على هامش مجتمعه، كصفرٍ على يسار العالم، ذرة مجهولة الحقوق منزوعة التأثير مملوءة بطاقة الألم وانكسار العين والخاطر، هل يمكن أن تجرؤ لتحدثه عن رفاهية الجمال ودور التصميم في حياته اليومية؟
من أين ستأتي الجرأة لفتح أبواب المناقشات الفلسفية لمعاني الحق والخير والجمال، وضرورة الارتقاء بالذوق لعقول تفرغت لحل المعادلة المستحيلة، وهي كيف تدبر قوت العيال؟ أحياناً تكون العشوائية هي وسيلة المهمش للهروب من الواقع الذي لا ينتمي له، أو ربما وسيلة للدفاع عن نفسه، أو ربما رغبة في الانتقام من مجتمعه الذي لم ينصفه.
وبالتالي، فإنني أعتقد أن هناك احتياجاً كاملاً لدراسة العلاقة الإنسانية المعقدة وربطها بسلوكيات الناس تجاه الممتلكات العامة والأماكن التي يعيشون فيها، ومدى قدرتهم على التواصل والتفاعل معها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.