مع سرعة انتشار إيقاع التطعيم ضد فيروس كورونا حول العالم، والآمال العالمية باقتراب نهاية الجائحة، يمكن التمهل قليلاً والنظر إلى التجربة التي شكلت تحدياً للأجهزة الطبية حول العالم والحكومات وسرعة الاستجابة للسيطرة على الفيروس؛ في محاولة لفهم التوجهات الطبية الجديدة التي أثبتت نجاحها في قيادة الأزمة نحو الانفراج.
توجهات طبية غيرها فيروس كورونا
إليك 4 توجهات طبية غيَّرها فيروس كورونا وأبرز الدروس المستخلصة التي توصل إليه العلماء والأطباء لتعزيز الدفاعات الجماعية وإعداد العالم الطبي لمسببات الأمراض المارقة التي قد تظهر مستقبلاً:
أولاً: الكمامات فكرة ناجحة
احتدم نقاش حاد في الأشهر الأولى من الوباء حول ما إذا كان ارتداء أقنعة الوجه يحد من انتقال الفيروس.
كان الالتباس مبرراً: في مارس/آذار 2020، حثت منظمة الصحة العالمية الناس على عدم ارتداء الأقنعة إلا لمن كان مصاباً بالفيروس أو يعتني بشخص مريض.
ردد العشرات من مسؤولي الصحة نصيحة المنظمة، وكانت أيضاً محاولة للحفاظ على الأقنعة للعاملين في المجال الطبي.
لكن هذا الإجماع الظاهري انهار أمام أكثر من 12 دراسة جديدة تُظهر أن الأقنعة تبطئ انتشار الفيروس، حسب ما نشرته مجلة Discover.
الخلاصة الأوسع لهذه الأبحاث هي أن الأقنعة يمكن أن تمنع ما هو أبعد من فيروس كورونا، إذ تراجع عدد حالات الإنفلونزا لموسم 2020–21 بأكثر من 90% من العام السابق، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى حبس القطرات من خلال أقنعة الوجه.
ثانياً: رسم خريطة جهاز المناعة
إن التداعيات الصحية التي يعانيها الجسم بعد الإصابة بفيروس كورونا لا تأتي من الفيروس نفسه، بل من استجابة جهاز المناعة.
قد تؤدي هذه التعبئة المناعية الشاملة إلى إطلاق سيل من الأعراض، من ضمنها التهاب مجرى الهواء و"عاصفة السيتوكين" المخيفة، حيث تهاجم الخلايا المناعية أنسجة الجسم نفسها.
من خلال تتبُّع هذه العاصفة في مراحلها الأولى على أساس كل مريض على حدة، بإمكان الباحثين الآن التنبؤ بالمسار الذي سيتخذه المرض وما هي العلاجات التي قد تعمل بشكل أفضل في حالة معينة.
هذه الاستراتيجية التي تركز على خارطة سير المناعة، والتي تم تنقيحها خلال الوباء، تستعد لتغيير إدارة المرض، حسب ما نشرته مجلة Nature.
فبعد ظهور الجائحة بفترة، بدأ علماء المناعة في جميع أنحاء العالم أخذ عينات من دم المرضى؛ بحثاً عن توقيعات مميزة تتعلق بالمرض.
أسفر أخذ العينات عن مجموعة من المؤشرات الحيوية المناعية التي تحتوي على أدلة مهمة حول تشخيص المرضى والاتجاه الذي سيسلكه المرض، وهو الأمر الذي سيساعد في علاج أمراض أخرى مثل الإنفلونزا والسرطان وغيرهما.
ثالثاً: سرعة إنتاج اللقاح
في أوائل عام 2020، قبل أن يسمع معظم الناس عن قناع N95، كان العلماء يعملون على مدار الساعة لتطوير لقاح كورونا.
كانت التجارب واسعة النطاق للعديد من اللقاحات جارية بحلول الخريف؛ وبعد أشهر، كان الممرضون والممرضات يحقنونها في أذرع الملايين.
كان رقماً قياسياً لسرعة تطوير اللقاح لفيروس أودى بحياة مئات الآلاف في غضون أشهر، لاسيما بالنظر إلى أن الجداول الزمنية النموذجية للتوصل إلى لقاح قبل كورونا كانت تقارب عقداً من الزمان.
إن تقنية (mRNA) التي ظهرت لأول مرة في لقاحات شركتي Pfizer و Moderna تبشر بالخير أيضاً لناحية تطوير سريع للقاحات.
بعبارات بسيطة، تعطي لقاحات mRNA تعليمات للخلايا لتكوين دفاعات قوية ضد الفيروس. من خلال صنع mRNA جديد في المختبر- وهي عملية منخفضة التكلفة- بإمكان العلماء إنشاء مكتبة واسعة من هذه التعليمات بسرعة، بحسب المرض أو الفيروس.
هذا التخصيص السريع دفع الخبراء إلى تسميته بـ"لقاح عند الطلب".
رابعاً: التطبيب (أو الطب) من المنزل
أدت قيود فيروس كورونا إلى قضاء الأطباء المتدربين وقتاً أقل بجانب أسرّة المستشفيات العام الماضي، وأكثر من منازلهم أو مكاتبهم.
سارع مقدمو الخدمات المعتمدون أيضاً للحصول على الراحة مع أدوات التكبير/التصغير وأدوات الفحص عن بُعد مثل السماعات الرقمية.
حدثت بعض التحولات الأولية في الرعاية الطبية بدافع الضرورة، بعدما أبدى المرضى والأطباء والمتدربون الخشية من الذهاب إلى الأماكن العامة والتعرض لخطر الإصابة بالفيروس.
لذا، سرعان ما ظهر تغيير في المشهد الطبي إلى جانب "العمل من المنزل" سُمي بـ"الطب من المنزل"، وهو مفهوم من المرجح أن يستمر بعد الجائحة.
ولكن حتى الزيارات التي تتطلب التواصل الشخصي يمكن تبسيطها وجعلها أكثر أماناً باستخدام أدوات التطبيب عن بُعد.
بمعنى، إذا تبين أن أحد المرضى مصاب بفيروس مُعدٍ، فبإمكان طبيب واحد أن يدخل غرفة الفحص بجهاز كمبيوتر لوحي ويرسل فيديو مباشراً إلى المتخصصين الذين يحكمون من مكان بعيد.
ولعل التحدي الذي يواجه مقدمي الرعاية الصحية يتمثل في تحديد المكان المناسب للزيارات الشخصية، ولكن من المؤكد أن الأمر اتخذ شكلاً مختلفاً وأكثر أمناً للمرضى والأطباء على حد سواء.