تحظى القهوة بالكثير من الاحترام في شتى بقاع العالم، فيخرج الناس معاً من أجل احتسائها وتبادل أطراف الحديث، ولا يجتمع أفراد الشركة في اجتماع للحديث عن الخطط المستقبلية إلا على طاولة مليئة بالقهوة، وأصبح شرب القهوة جزءاً لا يتجزأ من يوم الفرد العادي، حتى إذا ما أحبَّ المرءُ أن يختلي بنفسه لجزءٍ من الوقت فها هو يجلس وحيداً ولكن بصحبة قهوته، مستغرقاً في تفكير عميق أو قراءة كتاب أو تصفح الأخبار، وقد يصل الأمر إلى أن يصبح شرب القهوة إدماناً، إلى درجة قد لا يستطيع المرء أن يرى أمامه شيئاً في الصباح دون أن يشرب فنجانه من القهوة أولاً.
تختلف أنواع القهوة من حيث المصدر ودرجة التحميص والتحويجات المضافة إليها، فينقسم البن إلى نوعين: روبوستا، وأرابيكا؛ الروبوستا هي ما يشتق منها الإسبرسو والقهوة سريعة التحضير، وتكون نسبة الكافيين فيه ضعف النسبة الموجودة بالبن الأرابيكا الذي تُصنع منه القهوة العربية.
وتُحضَّر القهوة العربي من البن الأرابيكا، وأفضلها -في رأيي- البن اليمني أو الإثيوبي، فتحمص حبوب البن بهدوء دون استعجال حتى تصل إلى درجة التحميص المطلوبة، ثم يضاف إليها حسب الرغبة الهيل والقرنفل والزعفران، وفي بعض البلدان يفضلون إضافة الشعير والزنجبيل والقرفة أحياناً ثم يطحنونها معاً.
تتم تسوية القهوة مع الماء في براد كبير على النار، لتغلي لمدة 10 دقائق، ثم تُصب في الدلة المخصصة لذلك، ليتم تقديمها للضيوف بعد الانتظار قليلاً حتى يرقد البن في أسفل الدلة.
تقدم القهوة العربي في دلة فخمة تتراوح أنواعها وأشكالها، فهناك دلة للضيوف، ودلة للحدائق، ودلة لأصحاب المنزل، ودائماً ما تقدم القهوة العربي مع التمر أو أي نوع من أنواع الحلوى العربية التي لا حصر لها.
وأظن أن القهوة تحظى عند العرب باحترام أكبر، يصل إلى حد التقديس، لدرجة أن لها عادات متعارفاً عليها، فالمضيف لا بد أن يقدم لضيوفه القهوة، بأن يمسك الفنجان بيده اليمنى ويصب القهوة من الدلة بيده اليسرى، لكي يقدمها إلى مضيفه بيده اليمنى، وبادئاً أيضاً بالجانب الأيمن في الجالسين، عاملاً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أن يبدأ بكبير الجلسة إذا كانت فروقات العمر مختلفة. ولا يملأ المضيف فنجان القهوة لضيفه أبداً، بل يصبها في نصف الفنجان فقط، ويقدمها للمضيف، علامة منه أنه جاهز لـ"تقهويته" طوال الجلسة، دليلاً على كرم العرب الواسع، فإن معنى أن يملأ المضيف الفنجان أنه يريد لهذا الضيف أن يرحل؛ لذلك لا يتوقف المضيف عن صبّ القهوة للضيف إلا عندما يغطي الضيف فنجانه بيده أو يهزّه، ويقول إنه لا يريد المزيد من القهوة.
وفي الأفراح أو التجمعات الكبيرة لا بد أن يُعين المضيف صبّاباً للقهوة، يدور طوال الجلسة حول الضيوف ليملأوا فناجينهم كلما فرغت.
فلا نبالغ حين نقول إن القهوة تجلب الأنس، وتجمع أهل المنزل والأصدقاء وتعدل المزاج، فهي دائماً الصاحب الأهم في كل التجمعات، وتجد على لسان كل عربي جملة "نتقهوى شويّ" أو "تعال أقهويك"، كدعوة جميلة لقضاء جلسة لطيفة على شرف فنجان.
ورغم أن تجمعات شرب القهوة قوبلت بالمعارضة في أول ظهورها وسط المجتمع العربي، كمضيعة للوقت وتناول أحاديث غير مهمة في جلسات طويلة تُلهي، فإنها أصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من تراثنا، والوقت المفضل لها فضلاً عن الفنجان الضروري كل صباح، هو وقت بعد العصر حتى المغرب. وفي رمضان تكون أول ما يُفطر عليه الصائم مع التمر.
وعلى عكس الشائع، فإن للقهوة الكثير من الفوائد الصحية، فهي تساعد على زيادة درجات الانتباه والتركيز، والتخلص من الشراهة، ولخلوها من السكر تساعد على توازن نسبة السكر في الدم، والوقاية من الأمراض السرطانية، لاحتوائها على مضادات الأكسدة. ولكن مما لا شك فيه أن التناول المفرط لها يزيد من الشد العصبي والأرق، لاحتوائها على نسبة من الكافيين، ونسبة من السكر، وتحتوي مبيضات القهوة على الدهون.
ولا يتم أبداً إضافة سكر عند تحضير القهوة العربية أو عند صبها وشربها، معتمدين أن السكر موجود في التمر أو الحلوى المصاحبة لتقديمها، ولذلك إذا شربها شخص لأول مرة قد لا يستطيع أن يتقبل طعمها بسبب مرارتها، التي تُعتبر سبب تميزها، ولكن مَن اعتاد طعمها يصبح أسيراً لها ولعاداتها الآسرة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.