توفي مؤخراً أستاذي الدكتور صلاح هريدي، أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة في جامعة الإسكندرية، وقد حصل في شهر أبريل/نيسان الماضي على جائزة اليونسكو لتطويره مسجداً في العراق، وحزنت كثيراً لوفاته.
وجاءتني فكرة أنه لم يمهله القدر وقتاً كافياً ليفرح هو وفريق العمل بالجائزة وأخذت الأفكار تتداعى حول الموت وفقدان الأحبة، وإذا بي أنتبه إلى أن تلك النظارة التي رأيت بها وفاة الدكتور تسمى التفكير التشاؤمي، واكتشفت أن عليّ رؤية الحدث من جانب آخر، وفقاً لما تعلمته.
وأخذت في التفكير من جانب آخر أن الله قد أنعم عليه بالفوز بالجائزة قبل وفاته بفترة وأسعد قلبه بها وهوَّن ذلك الكثير من مشاعر الحزن التي انتابتني، وفطنت حينها إلى المقال الذي تحدثنا فيه عن أخطاء التفكير، وكيف تساهم مساهمة كبيرة في الكثير من حكمنا ورؤيتنا للمواقف وتحليلنا لها وبالتالي مشاعرنا نحوها.
التفكير التشاؤمي يحمل معه الكثير من مشاعر اليأس والإحباط، حيث ينظر المرء إلى المشاكل التي يتعرض لها أن لا حلول ولا نهاية لها ولا يستطيع أبداَ رؤية أي جانب إيجابي فيها، والحقيقة أن مواقف الحياة تحمل على السواء الجانب الإيجابي والسلبي، ولا ضرر أبداً أن نرى الجانب المؤلم من الموقف، لأنه حقيقي وتجاهله لا يعني عدم وجوده وتأثيره علينا، نعم لقد حزنت لفقده، ولكن فرحت لفوزه بالجائزة.
وبالحزن وحده دون أي تفكير مشرق، يكون التفكير القطبي أو القطبية، ويرتكز هذا الخطأ من التفكير على الجانب الأوحد من الحدث إما أبيض أو أسود، إما الكل أو لا شيء. إما أن يكون شريكي في الحياة أو العمل أو في أي علاقة، مثالياً أو دنيئاً، لا مجال للوسط، لا مجال لحقيقة من حقائق النفس البشرية أن بداخل نفس الإنسان الخير والشر، أن من حقه أن يستطيع مد يد العون لي أو يعتذر لانشغاله بدون أن يكون خائناً للعهد والميثاق، أن بضع درجات نقصتها في الامتحان لا تعني أنني فاشل وأستحق الازدراء، لو لم أكن أنا رئيس المجموعة وبطل القصة فلا وجود لي.
ويشترك خطأ التفكير التشاؤمي وبخس الإيجابيات والتفكير القطبي، من وجهة نظري، في أنها من الدعائم الأساسية والمحفز الرئيسي للهث وراء الكمالية المزيفة في هذا العصر والمؤثر الحقيقي في فشل الكثير من العلاقات والنظرة السلبية سواء للذات أو للآخر.
حين نسعى إلى المثالية والكمالية في العمل أو العلاقات أو الجانب الروحي أو الترفيه أو أي جانب من جوانب الحياة فهو شيء محمود، نحن لا ندعو إلى التراخي أو قبول تنازل عن حقوقنا في العلاقات، ولكن ندعو هنا إلى رؤية الجانبين وتقييم الإيجابي ووضعه في الحسبان، وأن نرى الحسن من المشهد لنخفف عن نفسنا قسوة الأحكام وبخس المجهود المبذول، لأحصل في الامتحان على 7 من 10 دون شرط حصولي على المركز الأول، وأن أحصل على التقدير للمجهود والسعي وليس النتيجة.
ويبدأ من هنا خطأ التفكير الشائع والقاتل للدافعية والإنتاج، وخصوصاً منذ الطفولة، والذي يحذر منه علماء التربية مراراً وتكراراً وأن ذلك الخطأ يدفع إلى إفشاء مشاعر الحقد والضغينة حتى بين الإخوة وهو المقارنات، ومشكلة المقارنات الأساسية أننا نقارن ما فقدته بما حصل عليه الآخر، ولا أقارن ما حصلت عليه ويفقده الآخر، وأيضاً يصاحبه بخس الإيجابيات الموجودة في حياتي أو شخصيتي، فتظهر النتيجة ليست عادلة دوماً من تلك الزاوية التي أنظر منها.
ومع الرغبة في الكمال والسباق المحموم الذي فرضته علينا الحياة السريعة والمتع المؤقتة اللامعة والجاذبة، وانتشار اللقطة الواحدة من خلال التطبيقات الحديثة كالإنستغرام والسناب شات، ننفصل عن الواقع والمتع البسيطة الحقيقية ولحظات التواصل الحميمية بيننا وبين أشخاص حقيقيين في الحياة، ونغرق في أخطاء التفكير ونشعر بالتعاسة والحزن والإحباط مهما كانت الإنجازات التي حققناها.
ونبدأ في سباق آخر يسمى البحث عن السعادة، والسعادة قد تكون مرت بجانبنا بهدوء ويسر وبخطوات هادئة دافئة ولم نرها في عالم السرعة والمارثون والتفكير التشاؤمي والسباقات المحمومة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.