هل سبق وتوقفت قليلاً لتسأل نفسك متى تكون سعيداً؟ أو بمعنى أكثر دقة: ما تلك الأشياء القادرة على أن تجعلك تشعر باللذة والهناء؟
مما لا شك فيه أن تحقيق الأهداف العملية والمادية يعد من أهم الأشياء التي تجعل المرء سعيداً، فالترقية في العمل أو الحصول على مكافأة مادية قادرة على جعل الإنسان يشعر بأنه سعيد، ولكن ماذا يحدث بعد أن يعتاد الفرد ذلك العمل الجديد، وماذا بعد أن يصرف تلك المكافأة؟
من المعروف مثلاً أن أغلب السيدات يعشقن التسوق، معتقداتٍ أن التسوق وامتلاك أشياء جديدة لا يضاهيه أي مسبب آخر للسعادة، فيظللن مُصرّات على الشراء من أجل أن يشعرن بالامتلاك دون أن يصلن أبداً للامتلاء.
وبعض السيدات يعشقن أدوات التجميل ويُدمنَّ على عمليات التجميل متصوراتٍ أن سعادتهن تتمثل في أن يراهن الجميع في أبهى صورهن، ما يجلب لهن الشعور بالكمال، ولكن ماذا بعد أن تُفسد أدوات التجميل والعمليات التجميلية وجوههن؟ وماذا يحدث حينما يمر بهن العمر وينطفئ جمالهن؟
أما الرجال فإنّ منهم من هو مدمن للعمل لا يجد سعادته إلا حين يعمل، ويدر مكاسب مادية فتجده لا يرى أي سعادة سوى في العمل، لتمر به سنوات العمر دون أن يلتفت لباقي نعم الله عليه من أسباب أخرى للسعادة.
ومن الرجال من يعشق امتلاك السيارات، وقد يصل به الأمر أن يغير سيارته كل عام -حسب مقدرته- لأنها تعطيه ذلك الشعور بالرخاء والوضع الاجتماعي والرفاهية، فلا يكفّ عن الجري خلف آخر الإصدارات ولا تكفّ السيارات عن إصدار أجدد الطرازات.
ويتشارك النساء والرجال في السعي خلف أحدث موبايل وأحدث ساعة وأحدث كمبيوتر وسلسلة طويلة من السلع الشرائية التي لا تنتهي، فإذا نظرت حولك ستجد أن معظم مسببات السعادة التي يلهث خلفها الإنسان من أجل الحصول على ذلك الشعور الغامر بالسعادة هي مسببات أغلبها مادية ملموسة قابلة للزوال والانتهاء ولا يحصل المرء عليها كل يوم.
البساطة؟
وهنا تأتي أهمية تلك الأشياء البسيطة التي تمر بجانبها خلال يومك فتسبب لك الشعور بسعادة بسيطة وخفية لتجد نفسك تبتسم لا شعورياً عند حدوثها. إنها مسببات السعادة الحقيقية التي يحصل عليها المرء كل يوم دون أن يبذل مجهوداً يُذكر. تلك المسببات التي لا تكلف مالاً وفيراً للحصول على قسط من الانبساط واللذة.
لقد طرح أستاذ فهد الأحمدي هذا السؤال في كتابه نظرية الفستق، حينما سأل القارئ ما هي قائمتك للسعادة؟ وذكر العديد من مسببات سعادته الشخصية، كاللعب مع ابنه أو مشاهدة الكارتون معه، كالدقائق الأولى للفجر، كرؤية أصدقائه، كأول قطمة من التفاحة والجانب الآخر من الوسادة.
يسعده سماع صوت فيروز في الصباح، أو حين يتصل به شخص يحبه، أو حينما يشاهد فيلماً مصنوعاً بإتقان، ويسعده وقت الجمعة مع الأصدقاء والأهل، يسعد بسماع نكتة جديدة، أو التواجد في مكتبة، وتناول آخر قطرة في فنجان القهوة، ورؤية منظر طبيعي، حتى لو في صورة.
ذكر الأحمدي العديد من المسببات وطلب من القارئ أن يبحث داخل نفسه ويكتب قائمته الشخصية للسعادة، بعيداً عن المسببات المكلفة والزائلة، وأنه حينما يفكر المرء في تلك الأشياء البسيطة فهو على ميعاد لاكتشاف نفسه من جديد، نفسه التي تسعد بأشياء بسيطة اعتاد وجودها في الحياة، ولبساطتها لم يتخيل يوماً أن تلك الأشياء قادرة على إعطائه شعوراً بالسعادة يفوق حيازته لأي مادة، وأنه حينما ينتبه المرء لتلك المسببات وحين يمتنّ لتلك التفاصيل الصغيرة يجد نفساً جديدة قادرة على الاستمتاع باللحظة والتركيز في تلك المتع القادرة على صنع يوم لطيف ومشاعر سعيدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.